الاحتجاجات في إيران

تعيش إيران منذ أكثر من أسبوعين حالة من الفوضى الاحتجاجية التي لم تهدأ، رغم إعلان «الحرس الثوري» تمكنه من إخماد احتجاجات بعد قرار رفع سعر البنزين. ودخل الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي، أمس، على خط السجال الدائر بشأن القبضة الحديدية ضد المحتجين، محذرًا من تبعات حملة القمع التي وصفها بـ«الجريمة الواضحة»، وحمّل «ممثلي الحكومة الدينية» بـ«قيادة ولي الفقيه صاحب الصلاحيات المطلقة»، مسؤولية إطلاق النار على «الناس الغاضبين والفقراء الذين سئموا الأوضاع».

وانضم موسوي المقيم تحت الإقامة الجبرية منذ نحو عشر سنوات، إلى حليفه الإصلاحي مهدي كروبي، المحتجز بدوره منذ إخماد الحركة الخضراء في 2011، ونشر موقع «كلمة» الإصلاحي، رسالة من موسوي شبّه فيها أحداث الأيام الأخيرة في إيران، بقمع مظاهرات في سبتمبر (أيلول) 1979 على يد النظام البهلوي السابق قبل الثورة الإيرانية. وقال تحديدًا إن «قتلة 1979 كانوا يمثلون نظامًا غير ديني، وإن مطلقي النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 يمثلون الحكومة الدينية. هناك كان الشاه القائد العام، واليوم هنا ولي فقيه بصلاحيات مطلعة».

وكان موسوي يشير إلى إطلاق النار على متظاهرين بميدان «جاله» وسط طهران في 8 سبتمبر 1979، وهي من بين أحداث ساهمت في تقدم الثورة الإيرانية وإنهاء حكم الشاه بعد 6 أشهر من سقوط عشرات الأشخاص في «الجمعة السوداء».

وانتقد موسوي «المواجهة العنيفة والدموية» مع الناس والفقراء و«المتضررين من السياسات الهدامة» الذين نزلوا للشارع، بعد قرار حسن روحاني المدعومة من التيارات الإصلاحية، لزيادة أسعار البنزين، عادا القرار بأنه «غير معقول وربحي وضد مصالح الفئات الفقيرة».

وقال موسوي في رسالته إن «التفكير في نطاق الاحتجاجات في طهران والمناطق الأخرى يظهر تذمرًا عامًا بين الفئات التي سئمت أوضاع البلاد»، معربًا عن تضامنه مع أسر القتلى، ودعا إلى «ملاحقة المسؤولين عن توجيه الأوامر والمتورطين في عمليات القتل ومحاكمتهم علنا، وشرح أسباب الجريمة الواضحة من دون تلعثم».

وشغل موسوي منصب رئيس الوزراء لـ8 سنوات في زمن المرشد الإيراني الأول (الخميني)، لكنه اعتزل المناصب الكبيرة على مدى عقدين بعد تولي خصمه حينذاك، علي خامنئي، منصب المرشد الأعلى. وعاد للسياسة من جديد بعد الترشح للانتخابات الرئاسية في 2009، التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، لكن موسوي والمرشح الإصلاحي الآخر رفضا الاعتراف بنتائج الانتخابات وقادا احتجاجات غير مسبوقة تحت عنوان «الحركة الخضراء»، استمرت 8 أشهر وانتقلت مطالب المتظاهرين من إعادة الانتخابات إلى إسقاط النظام، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين.

وعاد كل من موسوي وكروبي لتجديد دعوات التظاهر مع انطلاق الربيع العربي، ولكن هذه المرة أمر المجلس الأعلى للأمن القومي بفرض الإقامة الجبرية عليهما ومنعهما من التواصل مع العالم الخارجي.

وكان رفع الإقامة الجبرية من بين أبرز الوعود للرئيس الحالي حسن روحاني الذي نجح في كسب ود الإصلاحيين في انتخابات 2013، بعد دعم مؤثر من الرئيسين السابقين علي أكبر هاشمي رفسنجاني والإصلاحي محمد خاتمي. وجدد روحاني إطلاق تلك الوعود في انتخابات 2017 لكنها عمليا بقيت ضمن الوعود المعطلة.

وقبل موسوي بيومين وجه حليفه مهدي كروبي رسالة احتج فيها على قمع المتظاهرين، ووصف فيها تصريحات قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي عن خوض حرب عالمية بـ«الغبية»، لافتًا إلى «ضرورة البحث عن جذور وأرضية الاحتجاجات الأخيرة في الفساد والإذلال والتمييز وعدم المساواة المسيطرة وليس ما وراء الحدود».

واندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران في 15 نوفمبر، بعد أن رفعت السلطات سعر البنزين بشكل مفاجئ بنسبة تصل إلى 300 في المائة.

وقال يد الله جواني المساعد السياسي لقائد «الحرس الثوري» إن محافظتين من أصل 31 محافظة إيرانية لم تشهد احتجاجات، مشيرًا إلى أن محافظات أصفهان وفارس وطهران، شهدت أوسع احتجاجات على صعيد عدد النقاط التي شهدت احتجاجات.

ولم يعلن المسؤولون في إيران حصيلة ضحايا الاحتجاجات التي شهدت إغلاق طرق سريعة وإضرام النار في مصارف ومراكز شرطة. لكنّ منظمة العفو الدولية ومقرها لندن قالت الجمعة على «تويتر» إنّ حملة قمع السلطات الإيرانية للاحتجاجات أودت بحياة 161 متظاهرًا.

ورد القضاء الإيراني رسميًا على إحصائية نشرتها منظمة العفو الدولية حول سقوط 161 محتجًا بنيران قوات الأمن الإيرانية. وقال المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري إن «إحصائيات وسائل الإعلام الأجنبية عن الاضطرابات، كاذبة»، مضيفًا أن «المقيمين في الخارج لا يمكنهم الوصول إلى المعلومات والإحصائيات، ويقدمون إحصائيات مختلفة، أيا منها غير معتبر».

ومع ذلك، لم يقدم المدعي العام إحصائية عن عدد القتلى والمعتقلين، وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان، حسين نقوي حسيني، الاثنين، إن 7 آلاف اعتقلوا.

وكان نقوي حسيني يتحدث لوسائل الإعلام عقب اجتماع مع ممثلين من المجلس الأعلى للأمن القومي و«الحرس الثوري» وأجهزة الاستخبارات حول الأحداث؛ لكن منتظري وجه لومًا مباشرًا للنائب، وقال إنه لن يؤكد ذلك فحسب، بل أعلن أن «أي مسؤول غير مرخص له بتقديم إحصائيات من دون أن يملك إحصائية ومعلومات دقيقة».

وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن نائب وزير الداخلية الإيراني جمال عرف، شكك في هذه الأرقام، وقال عرف في مؤتمر صحافي بطهران إن «إحصائيات المنظمات الدولية حول القتلى في الأحداث الأخيرة غير موثوق بها». واتهم أورف المصادر التي نقلت الأرقام للمنظمة الحقوقية بـ«المبالغة».

وأضاف أنه من المقرر أن تعلن النيابة العامة عن أعداد الضحايا استنادًا إلى الأرقام التي تتلقاها من مكاتب الطبيب الشرعي، وقبل تغريدة الجمعة، قالت المنظمة إنّ عدد القتلى بلغ 143 شخصا على الأقل «وفقا لتقارير موثوق بها». وذكرت أن «جميع الوفيات تقريبا نجمت عن استخدام الأسلحة النارية». وبحسب الإحصائية فإن محافظة الأحواز بلغ عدد الوفيات بها 40 قتيلًا ومحافظة كرمانشاه 34 قتيلًا، سجلتا أكبر عدد للقتلى في الاحتجاجات.

كما نقل موقع «كلمة» الإصلاحي عن مصدر مطلع أن 366 على الأقل قتلوا في الاحتجاجات، وأدانت حكومات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، إيران، بسبب قمعها الشديد للاحتجاجات، وفي المقابل، طالب عضو هيئة الرئاسة في البرلمان الإيراني علي رضا رحيمي بتشكيل لجنة «تقصي حقائق»، مشيرًا إلى سقوط عدد كبير من القتلى.

وأفادت وكالة "أيسنا" الحكومية بأن «أغلب المصابين من بين المحتجين ومن الفئات الفقيرة في المجتمع»، منتقدًا عدم التعاطف مع المتضررين، و«عدم تقديم تقارير موثوقة عن أوضاع المعتقلين». وحذر في الوقت نفسه من اتساع الاستياء الشعبي.

وقال النائب بهرام بارسايي الناطق باسم لجنة المادة 90 من الدستور الإيراني، التي تنص على أداء السلطات الثلاث (البرلمان والقضاء والحكومة)، إن اللجنة تدرس مقترحًا من ثلاث كتل برلمانية لمتابعة أبعاد الاحتجاجات، موضحًا أن نوابًا تقدموا بطلب لتشكيل لجنة برلمانية خاصة بأحداث ما بعد زيادة أسعار البنزين، وفقًا لوكالة «إيسنا» الحكومية.

في شأن متصل، استمرت الانتقادات لتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس في الصحف المؤيدة للحكومة، وذلك بعدما نفى درايته بموعد تنفيذ زيادة البنزين، بعدما ترك الأمر للمجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الداخلية، وقال إنه مثل غيره من الإيرانيين، اطلع في اليوم التالي على زيادة الأسعار.

وانتقدت النائبة بروانة سلحشوري، عضو قائمة «الأمل» الإصلاحية تصريحات روحاني. ونقلت صحيفة «آرمان» في عنوان الصفحة الأولى عن النائبة أن «الداعمين للحكومية يشعرون بخجل من الناس».

وردت سلحشوري عبر حسابها على شبكة «تويتر» على تغريدة لقائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري قال فيها: «عدم دراية المسؤولين على توقيت زيادة أسعار البنزين واطلاعهم في اليوم التالي ليس خبرًا جديدًا للناس لكنه مستغرب». وأضاف: «أكثر من 6 سنوات يرى الناس معيشتهم معروضة للعبث، لكن لا يعرفون كيفية توصيل احتجاجهم حتى لا تستغل من الكارهين».

وردت النائبة بقولها إن «ذلك برفع الناس صوت احتجاجاتهم، لكن الإجابة على الرصاص والاعتقال كان الرد على الصغير والكبير». وأضافت: «وضعوا عددًا من المخربين إلى جانب الناس الذين كانوا يحتجون على وضعهم المعيشي»، وأشارت أيضًا إلى تشبيه قمع الناس بالحرب العالمية ومعارك خاضها الإيرانيون في حرب الخليج الأولى، وقالت: «صدر في التلفزيون أوامر بالذبح وتعذيب الناس باسم الدين».

بدوره حاول محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، أمس، تفسير التصريح المثير للجدل، وقال إن روحاني «لم يكن يقصد التخلي عن المسؤولية» في قضية إصلاح البنزين، وقال إن «إحالة الأمر إلى المجلس الأعلى للأمن القومي وهو معمول به في الحكومات السابقة».

في سياق متصل، أعربت نقابة المعلمين في بيان عن قلقها من «العنف غير المقبول تجاه طلاب المدارس» في الاحتجاجات، لافتا إلى وجود طلاب بين المعتقلين، لم يحدد مصيرهم بعد.

ولوحت النقابة «الحرة» للعمال الإيرانيين في بيان أمس بتنظيم إضرابات بلا هوادة في الفترة المقبلة. وقالت إن «الإضرابات الواسعة ستؤدي إلى تغيير التوازن الحالي»، مشيرة إلى أن الفئات العمالية «لا سبيل أمامها سوى التغييرات الجذرية وتغيير كل الوضع الحالي، نظرًا لتراكم المطالب، وغياب أدنى تحرك من السلطة الإيرانية». وانتقد البيان الزيادة المفاجئة لأسعار البنزين والأجواء الأمنية وقمع المحتجين وقطع الإنترنت.

وعن اندلاع الاحتجاجات قال البيان إن «الحركة الاحتجاجية الكبيرة للإيرانيين أدركت أن زيادة سعر البنزين سيفرض موجهة جديدة من الغلاء والفقر والمحن على الإيرانيين».

وقالت النقابة إن «الحركة العمالية كنقطة ثقل في الحراك الشعبي الإيراني ستعمل على تغيير التوازن الاجتماعي الحالي عبر الدخول إلى الإضرابات الواسعة إلى جانب السيطرة على الشارع».

وكانت إيران شهدت أكبر موجة إضرابات عمالية على مدى 40 عاما في 2018، بعد احتجاجات نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2017، التي أدت إلى سقوط 21 شخصًا في أكثر من 8 مدن إيرانية

قد يهمك أيضًا:

الحرس الثوري الإيراني يبدأ مناورات هجومية في مياه الخليج

الحرس الثوري الإيراني يقر بإطلاق صاروخ باليستي مؤخرًا