الرئيس الأميركي دونالد ترامب

هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كتاب الصحافي بوب وودورد "خوف.. ترامب في البيت الأبيض" الذي نشرت منه أجزاء في الإعلام الأميركي، وقال إنه "احتيال على الرأي العام"، معتبرا أن توقيته يهدف إلى التأثير على الانتخابات النصفية.

ورغم أن كتاب وودورد ليس الأول في انتقاد رئاسة ترامب فإن لشهادة هذا الكاتب صدى مختلفا لدوره الرئيسي في كشف فضيحة "ووترغيت" التي دفعت الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة عام 1974، واقترح الرئيس ترامب، في هذا الصدد، بأن يعدّل الكونغرس القوانين المتعلقة بالتشهير، وكتب في تغريدة له عبر "تويتر": "أليس معيبا أن يكتب أحدهم مقالة أو كتابا يختلق فيه القصص بشكل كامل ويكوّن صورة عن شخصٍ هي تماما النقيض للحقيقة، ثم ينفذ بفعلته دون قصاص أو ثمن يدفعه"، وأضاف "لا أعلم لماذا لا يغيّر سياسيو واشنطن قوانين التشهير؟".

وشكك الرئيس الأميركي في مصداقية وودورد، واتهمه بأنه يعمل لصالح الحزب الديمقراطي، ونشر ردود كبار المسؤولين في إدارته عبر حسابه على "تويتر"، موجها الشكر لهم لتفنيد ما صدر في الكتاب على لسانهم.

وشكر وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي وصف كتاب وودورد بأنه منتج لشخص يملك الكثير من الخيال، ونشر أيضا البيان الذي أصدره كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، الذي وصف الكتاب بالخيالي وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط.

واعتبرت الناطقة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، أن الكتاب مليء بالقصص الملفقة، وقالت في بيان أصدره البيت الأبيض مساء الثلاثاء، إن الكتاب ليس أكثر من قصص ملفقة، والكثير من القصص الواردة به جاءت من موظفين سابقين حاقدين على طرد ترامب لهم، وأضاف بيان البيت الأبيض، أن الكتاب غرضه إظهار الرئيس بمظهر سيئ، لافتا إلى أن ترامب اخترق العملية البيروقراطية لتحقيق نجاحات غير مسبوقة للشعب الأميركي، واعتبر أنه في ما يكون غير تقليدي أحيانا، إلا أنه يحقق نتائج دائما، وألقى البيت الأبيض باللوم على الديمقراطيين و"حلفائهم" في وسائل الإعلام.

وفنّد الجنرال كيلي ادعاء أنه وصف الرئيس ترامب بـ"الأحمق" في مايو/ أيار، وقال إنه يقضي الكثير من الوقت مع الرئيس، وإن علاقتهما "صريحة وقوية"، وأضاف كيلي "أنا ملتزم للرئيس وجدول أعماله وبلدنا، وهذه محاولة أخرى مثيرة للشفقة لتشويه سمعة المقربين من الرئيس ترمب وتشتيت الانتباه عن نجاحات الإدارة الكثيرة".

وقال الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع في بيان له، إنه لم يتلفظ بالكلمات التي أوردها الكتاب على لسانه ضد الرئيس ترامب، وذكر "في حين أن انتهاج سياسات مسؤولة (...) هو أمر فوضوي بطبيعته، إلا أنه من الضروري أيضا أن نتحدى كل افتراض للتوصل إلى الخيار الأفضل. أعتنق مثل هذا النقاش والمنافسة المفتوحة للأفكار. في غضون ما يزيد على العام بقليل، أسفرت هذه المناقشات والمداولات عن نتائج مهمة، بما في ذلك الإبادة شبه الكاملة لـ(داعش)، ومشاركة غير مسبوقة لأعباء حلفائنا في حلف الناتو، وإعادة رفات جنود أميركيين من كوريا الشمالية، وتحسين استعداد قواتنا المسلحة.. لقد حظيت سياساتنا الدفاعية بدعم كبير من الحزبين في الكونغرس"، وشدد ماتيس على أن ما ذكره وودورد من "ازدراء" للرئيس ترامب من محض خياله.

مقابلات استمرت مئات الساعات
ونشرت صحيفة "ذي واشنطن بوست" مقاطع من الكتاب الذي سيصدر في 11 سبتمبر/ أيلول المقبل، رسم فيه وودورد صورة قاتمة عن يوميات موظفي البيت الأبيض، واستند كتاب "خوف"، المكون من 448 صفحة، إلى مقابلات عميقة مع مسؤولين في الإدارة ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى.

وأوضح وودورد أن كتابه قائم على مقابلات امتدت لمئات الساعات مع مشاركين وشهود رئيسيين على اطّلاع مباشر بما يحصل في البيت الأبيض، وتم إجراؤها على "خلفية عميقة"؛ مما يعني أنه يمكن استخدام المعلومات، لكنه لن يكشف عن مصدرها، كما تعتمد روايته على أوراق اجتماعات، ومذكرات شخصية، ووثائق حكومية، كما نقلت الصحيفة الأميركية.

وسعى وودورد، المحرر المشارك في "ذي واشنطن بوست"، إلى إجراء مقابلة مع ترامب عبر الكثير من الوسطاء، لكن دون جدوى، حسب ما ذكر. واتّصل الرئيس بوودورد في بداية أغسطس/ آب بعد الانتهاء من الكتاب ليقول له، إنه كان يريد المشاركة.

وانتقد ترامب الرئيس الكتاب، ووصفه بـ"السيئ"، وذلك حسب تسجيل صوتي للمحادثة، وأجاب وودورد عليه قائلا، إن عمله (أي كتابه) سوف يكون "قاسيا"، لكنه مليء بالحقائق، ومعتمد على ما حصل عليه من أخبار ومعلومات.

قلق في مجلس الأمن القومي
تحدّث وودورد عن "صدمة" فريق الأمن القومي لترامب بسبب "افتقار الرئيس إلى الفضول والمعرفة في ما يتعلق بالشؤون العالمية، وازدرائه وجهات النظر السائدة الخاصة بقادة الجيش والاستخبارات"، وفق ما ذكرت "ذي واشنطن بوست".

وقال وودورد إن ترامب تجاهل خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني أهمية الوجود العسكري الأميركي الكبير في شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك عملية استخباراتية خاصة تسمح للولايات المتحدة برصد أي عملية إطلاق صاروخي تقوم بها كوريا الشمالية في غضون سبع ثوانٍ، بعدما كانت المدة 15 دقيقة، من ألاسكا.
وتساءل ترامب عن سبب إنفاق الحكومة موارد في تلك المنطقة بالأساس، وأخبره جيم ماتيس، وزير الدفاع "نحن نقوم بذلك لمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة".

وبعدما غادر ترامب الاجتماع، حسب رواية وودورد "كان ماتيس ثائرا وقلقا، وأخبر زملاءه المقربين بأن الرئيس تصرف، وكان يفهم الأمر، كأنه طالب في الصف الخامس أو السادس". وكان الكثير من كبار المستشارين في موقف ضعف وخوف بسبب أفعال ترمب، بحسب ما ذكره وودورد، وأعربوا عن آرائهم السلبية فيه، حيث قال ماتيس لأصدقائه في إحدى المرات "لا يختار وزراء الدفاع دوما الرئيس الذين يعملون معه".

وأثار وودورد كذلك غضب جون كيلي، رئيس موظفي البيت الأبيض، الذي أخبر زملاءه بأنه يعتقد بأن الرئيس كان "غير متزن عقليا"، وفق الكاتب. وقال كيلي عن ترامب خلال أحد الاجتماعات "إنه أحمق. من غير المجدي محاولة إقناعه بأي شيء. لقد خرج عن السيطرة، وأصبحنا في مدينة الجنون.. أنا لا أعلم حتى سبب وجود أي منا هنا. إنها أسوأ وظيفة حظيت بها على الإطلاق".

نوبات غضب
تطرّق الكتاب، وفق "ذي واشنطن بوست"، كذلك إلى غضب الرئيس من مساعديه وأفراد في إدارته، ونقل أن ترامب قال لويلبور روس، وزير التجارة، وهو مستثمر ثري أكبر منه بثمانية أعوام "لا أثق بك. لا أريد منك القيام بأي مفاوضات.. لقد تجاوزت مرحلة النجاح". كما ذكر وودورد، أن جيف سيشنز، وزير العدل، كان هدفا شبه دائم لهجمات الرئيس، حيث أخبر ترامب أحد مساعديه المقربين بأن سيشنز كان "خائنا" لأنه نأى بنفسه عن التحقيق الخاص بروسيا.

وأضاف ترامب ساخرا من نبرة سيشنز في الحديث قائلا "هذا الرجل متخلف عقليا. إنه ذلك الأحمق الغبي القادم من الجنوب.. إنه لا يصلح لأن يكون محاميا لشخص واحد في ألاباما".
وتحدث الكتاب كذلك عن هجوم ترامب على جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أريزونا الذي توفي قبل أيام، وأحد أبرز منتقديه، خلال حفلة عشاء مع ماتيس، واللواء جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وآخرين. وصوّر ترامب قائد البحرية السابق على أنه شخص جبان، مشيرا إلى أن أنه تم منحه إطلاق سراح مبكر من أحد معسكرات أسرى الحرب في فيتنام بفضل منصب والده العسكري، وأنه ترك زملاءه هناك. وسرعان ما صحح ماتيس كلام الرئيس، موضحا "لا سيدي الرئيس، أعتقد بأنك عكست الأمر". وأوضح وزير الدفاع أن ماكين رفض إطلاق سراحه مبكرا، وتم تعذيبه بقسوة ووحشية خلال السنوات الخمس التي قضاها في هانوي. ورد ترامب قائلا "حسنا"، طبقا لرواية وودورد.

احتواء قرار "اغتيال الأسد"
يقول وودورد في كتابه إن الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين عملوا على "احتواء غضب ترامب"، خاصا بالذكر ماتيس وغاري كوهين، كبيرَي المستشارين الاقتصاديين للرئيس سابقا، اللذين عملا على التصدي لما اعتبراه "قرارات خطيرة". وإحدى عمليات "الاحتواء" انطبقت على موقف ترامب من الأزمة السورية، فبعد أن شنّ الرئيس السوري بشار الأسد هجوما كيماويا على المدنيين في أبريل/ نيسان 2017، اتصل ترامب بماتيس وقال إنه يرغب في اغتيال ذلك الحاكم المستبد، حيث جاءت كلماته بحسب وودورد "فلنقتله. هيا لنفعلها، فلنقتل الكثير منهم". وأخبر ماتيس الرئيس بأنه سيفعل ذلك فورا، لكن بعد إغلاق الخط، قال لأحد كبار مساعديه "لن نفعل أيا من ذلك. سوف نكون أكثر اتزانا". ووضع فريق الأمن القومي خيارات للهجوم الجوي الأكثر تقليدية، وأمر ترمب بشنّه لاحقا.

سرقة وثائق الرئيس
وذكر وودورد أن كوهين "سرق خطابا من مكتب ترامب" كان من المفترض أن يوقّعه الرئيس من أجل انسحاب الولايات المتحدة رسميا من اتفاقية التجارة مع كوريا الجنوبية، وأخبر كوهين أحد زملائه لاحقا بأنه أبعد ذلك الخطاب لحماية الأمن القومي، وأن ترامب لم يلاحظ اختفاءه.

ودبّر كوهين حيلة مشابهة لمنع ترامب من اتخاذ قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة بأميركا الشمالية؛ الأمر الذي لطالما هدد الرئيس بفعله. في ربيع 2017، أبدى ترامب رغبته الشديدة في الانسحاب من "نافتا" وأخبر أحد مساعديه وفق "ذي واشنطن بوست"، "لماذا لا ننجز هذا الأمر؟ نفذ عملك. (...) أود منك إنجاز هذا الأمر".

استهداف كوريا الشمالية
يسرد وودورد مواقف متكررة سيطر خلالها القلق على الحكومة الأميركية بسبب أسلوب تعامل ترمب مع التهديد النووي الصادر عن كوريا الشمالية. يذكر أنه بعد مرور شهر واحد على توليه الرئاسة، طلب ترامب من دنفورد إمداده بخطة لتوجيه ضربة عسكرية استباقية ضد كوريا الشمالية؛ الأمر الذي أصاب الأخير بقلق عارم. وفي خريف 2017، تفاقمت حرب التصريحات بين ترمب وكيم جونغ أون. وأطلق ترامب على ديكتاتور كوريا الشمالية لقب "رجل الصواريخ الصغير" في خطاب ألقاه أمام الأمم المتحدة؛ ما أثار قلق مساعديه من أن يسفر ذلك عن استفزاز كيم. إلا أن ترمب أخبر بورتر، حسبما ذكر وودورد، بأنه يرى الموقف باعتباره صراعا بين رجلين. وقال إن "هذا الأمر برمته زعيم في مواجهة زعيم، ورجل في مواجهة رجل. وأنا في مواجهة كيم".

حرب أفغانستان
يتناول الكتاب كذلك بالتفصيل نفاد صبر ترمب إزاء الحرب في أفغانستان، التي أصبحت الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة. وأثناء اجتماع لمجلس الأمن الوطني في يوليو/ تموز 2017، وجه ترامب انتقادات قاسية لجنرالاته ومساعديه على امتداد 25 دقيقة، واشتكى من أن الولايات المتحدة تخسر الحرب، حسبما ذكر وودورد.
وأخبر ترامب الحاضرين "الجنود الموجودون على الأرض بإمكانهم إدارة الأمور على نحو أفضل بكثير منكم. وبمقدورهم الاضطلاع بالمهمة على نحو أفضل بكثير. لا أدري ماذا تفعلون؟!". ومضى ترامب في طرح تساؤلات على النحو التالي "كم عدد القتلى الذين لم يسقطوا بعد؟ كم عدد الأطراف التي لم تبتر بعد؟ إلى متى سنبقى هناك؟".

شبح تحقيق مولر
وخيم تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية فوق سماء البيت الأبيض، وفق "ذي واشنطن بوست". ويسرد الكتاب بتفاصيل حية الجدال المستمر بين ترامب ومحاميه بشأن ما إذا كان يتعين على الرئيس الجلوس في مقابلة مع مولر.

وركّز الكتاب بشكل خاص على مداولات ما إذا كان ينبغي على الرئيس أن يدلي بإفادته، وذكرت "ذي واشنطن بوست" أن جون داوود، أحد محامي الرئيس، كان مقتنعا بأن موكّله سيرتكب جريمة الشهادة الزور إذا تحدث إلى مولر. وفي مسعى لإقناع الرئيس، عقد داوود في 27 يناير جلسة تجريبية في محاولة لتأكيد وجهة نظره. وفي مقرّ البيت الأبيض، أمطر داوود ترامب بأسئلة عن التحقيق الخاص بروسيا، مثيرا عقبات وتناقضات وأكاذيب إلى أن فقد الرئيس أخيرا أعصابه. انفجر ترامب في بداية نوبة الغضب التي استمرت 30 دقيقة، قائلا "إن هذا الأمر خدعة وأكذوبة"، وانتهى بقوله "لا أريد الإدلاء بشهادة"، كما نقلت الصحيفة الأميركية.