دبي -صوت الإمارات
استهدف الإرهاب الأسود أمس المملكة العربية السعودية متنقلا بين هجوم متطرف قرب المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة؛ أسفر عن استشهاد رجلي أمن وإصابة 4 بجروح خطيرة، وهجوم مزدوج قرب مسجد القطيف في المنطقة الشرقية لم يسفر سوى عن مقتل المنفذَين، بعد ساعات من هجوم آخر داخل موقف مستشفى سليمان فقيه في جدة أسفر عن إصابة رجلي أمن إصابات طفيفة.
وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة إدانتها الشديدة للهجمات الإرهابية الخسيسة التي طالت جدة والقطيف ومحيط المسجد النبوي الشريف. وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي "إننا نقف صفا واحدا مع أشقائنا في المملكة العربية السعودية في تصديهم للإرهاب المجرم الذي يستهدف الترويع والتكفير والفتنة". مؤكدا وقوف الإمارات وتضامنها التام مع قيادة وشعب المملكة الشقيقة في اتخاذ كل الإجراءات لاستئصال خطر الإرهاب الذي يهدف لزعزعة الأمن والأمان، ولا يراعي حرمة هذا الشهر الفضيل وقدسية المسجد النبوي الشريف وأماكن العبادة الأخرى التي يستهدفها بجرائمه.
وأكد أن استقرار المملكة العربية السعودية هو الركن الأساسي في استقرار الإمارات ومنطقة الخليج العربية؛ ومن هذا المنطلق فإننا نرى في هذه الجرائم استهدافا للإمارات ومدنها وشعبها. وقال "إننا على ثقة بأن القيادة السعودية ستتمكن من القضاء على تهديد الإرهاب بكل أبعاده وأشكاله، وأن هذه الفئة الضالة لن تنجح في مساعيها الإجرامية أمام التكاتف والتلاحم الوطني الذي يدرك عبث مقصدها ودموية جرائمها وضلال دعوتها". مؤكدا "أن ديننا الإسلامي براء من هذا الفكر المتطرف الشاذ الذي لا يمت بصلة للإسلام وتقاليدنا وتاريخنا".
وشدد على أن ملف الإرهاب الذي نواجهه جميعا يتطلب منا التعاون والتنسيق والمثابرة وأن هذه الجرائم التي تستهدف المملكة العربية السعودية الشقيقة وغيرها من دولنا لن تزيدنا إلا عزما وإصرارا على التصدي الحازم لها بكل قوة ولمن يسعى للعبث بديننا الحنيف وقيمه الإنسانية الحضارية وأمننا واستقرارنا. وتقدم بخالص العزاء للقيادة السعودية وللشعب السعودي الشقيق ولأسر الضحايا، متمنيا الشفاء العاجل للجرحى والمصابين. وقالت مصادر أمنية "إن متطرفا فجر نفسه وسط 7 من رجال الأمن بعد أن أظهر لهم رغبته في تناول الإفطار معهم داخل موقف سيارات قرب كل من الحرم النبوي والمقر الرئيسي للمحكمة الشرعية في المدينة المنورة"، وأضافت "أن الانفجار أسفر عن استشهاد رجلي أمن بالإضافة إلى إصابة 4 بجروح خطيرة".
وأظهر مقطع فيديو أرسله شاهد لـ"رويترز" بعد انفجار المدينة المنورة سحابة دخان هائلة وسيارات متوقفة مع حلول الليل مع صوت صافرات الإنذار في الخلفية. وأظهرت صورة أرسلت لـ"رويترز" رجلا مصابا بحروق وينزف راقدا فوق محفة في أحد المستشفيات. وبينت صور أخرى متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي دخانا أسود يتصاعد من ألسنة اللهب قرب المسجد النبوي. من جهتها، وقالت مصادر أمنية "إن تفجيرا مزدوجا وقع بجوار جامع الشيخ فرج العمران وسط القطيف". وأوضحت المصادر "أن انتحاريين حاولا الدخول للجامع الذي يخطب فيه الشيخ حسين العمران، إلا أنهما لم يستطيعا الدخول بسبب الحواجز الأمنية، فقام أحدهما بتفجير نفسه بوساطة حزام ناسف، ثم تبعه الآخر أيضا بتفجير نفسه بحزام ناسف داخل إحدى المركبات التي كانا يستقلانها لدخولهما للمحافظة في مواقف سيارات الجامع مع رفع أذان المغرب".
وأضافت المصادر أنه بعد التفجير شوهدت أشلاء جثث لم يتم التعرف عليها إلى الآن، في ما نتج عن الاعتداء أيضا احتراق مجموعة من المركبات المتوقفة بجوار الجامع إضافة إلى إصابات بسيطة عولجت في نفس الموقع، وباشرت الجهات الأمنية التحقيقات وفرضت حصارا أمنيا. وقال أحد سكان القطيف تم التواصل معه عبر الهاتف إن من المعتقد عدم وجود قتلى هناك باستثناء المهاجمين نظرا إلى أن المصلين كانوا قد غادروا بالفعل إلى بيتوهم لتناول الإفطار، وأضاف أن قوات الدفاع المدني تقوم بتنظيف المنطقة والشرطة تحقق في الواقعة. وأظهر فيديو جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي حشدا بأحد الشوارع بينما تشتعل النار قرب مبنى وجثة مخضبة بالدماء على الأرض.
وكان المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية السعودية قال في وقت سابق "إن انتحاريا فجر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه داخل مواقف مستشفى سليمان فقيه في جدة ما أسفر عن مقتله وإصابة رجلي أمن بإصابات طفيفة. ونقلت "وكالة الأنباء السعودية" عن المتحدث قوله "إنه عند الساعة الثانية و15 دقيقة فجرا وعند تقاطع شارع فلسطين مع شارع حائل بالقرب من مواقف مستشفى سليمان فقيه في جدة اشتبه رجال الأمن في وضع أحد الأشخاص وتحركاته المريبة وعندما بادروا باعتراضه والتحقق منه والتعامل معه بما يقتضيه الموقف بادر بتفجير نفسه بحزام ناسف كان يرتديه داخل مواقف المستشفى؛ ما أسفر عن مقتله وإصابة رجلي أمن بإصابات طفيفة نقلا على إثرها إلى المستشفى، فيما لم يتعرض أحد من المارة أو المتواجدين بالموقع لأذى سوى تلفيات في بعض السيارات المتوقفة بالموقع". وأشار إلى مباشرة الجهات الأمنية إجراءات الضبط الجنائي للجريمة والتحقيق فيها وتحديد هوية الجاني.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي في وقت لاحق إن منفذ هجوم جدة في العقد الثالث من العمر، وهو ليس سعوديا بل هو من المقيمين في المملكة، و"الحزام الناسف للانتحاري لم ينفجر بشكل كامل، وعثر رجال الأمن على عدد من العبوات الناسفة في مكان الحادث، وتعامل معها رجال الحماية المدنية بشكل سريع". وقالت صحيفة "سبق" الإلكترونية "إن الانتحاري فجر نفسه بالقرب من القنصلية الأميركية في جدة. وأظهرت صور نشرتها الصحيفة جزءا كبيرا من جثة ممددة على الأرض بين سيارة أجرة وباب سيارة أخرى وقد تضررتا بشظايا ناجمة عن التفجير". في وقت قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم كشف اسمه "نحن على علم بالتقارير عن انفجار في جدة ونعمل مع السلطات السعودية لجمع مزيد من المعلومات"، وأضاف انه تم إحصاء وجود كل أفراد أعضاء طاقم البعثة الدبلوماسية الأميركية.
واستنكر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق علي الغانم بشدة الهجوم المتطرف في جدة، وقال في برقية لرئيس مجلس الشورى السعودي عبدالله بن محمد بن ابراهيم "نقف معكم صفا واحدا وجنبا الى جنب لدحر الإرهاب والفئة الضالة وما يمس أمن المملكة يمسنا جميعا". وأضاف "أن جميع دول مجلس التعاون في مركب واحد لمواجهة أعمال التخريب والإرهاب الذي يهدد أمن المنطقة والعالم أجمع". لافتا إلى أن الأحداث تتسارع والتهديدات تتزايد ضد أمن دول مجلس التعاون والمنطقة عامة ما يستوجب تضافر الجهود والتنسيق المستمر لحفظ أمن واستقرار المنطقة والقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه أمنيا وفكريا. وجدد التأكيد أن الإرهاب لا ملة له ولا مذهب؛ فهو لا يمثل سوى القتل والدمار الذي ترفضه جميع الشرائع السماوية، مشددا على موقف الكويت الواضح في محاربة الإرهاب ودعم جهود المجتمع الدولي بهذا الشأن.
وأدان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية الهجوم الإرهابي في جدة، مؤكدا وقوف بلاده وتضامنها الكامل حكومة وشعبا مع السعودية في مواجهة الإرهاب الآثم الذي يستهدف أمنها واستقرارها، وكذلك كل ما تتخذه من إجراءات لمواجهة أعمال العنف والإرهاب. وشدد على الموقف المصري الثابت القائم على ضرورة تكاتف الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الإرهاب الذي يتنافى مع كل المبادئ والقيم الإنسانية، والعوامل المؤدية لها ووقف مصادر تمويلها.
وأدان أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بأشد العبارات التفجيرات الإرهابية التي وقعت في المملكة العربية السعودية خارج الحرم النبوي الشريف وفي القطيف. وقال في بيان "إن هذه التفجيرات المشينة تأتي لتؤكد مرة أخرى أن الإرهاب ليس له دين أو وطن، خاصة أن من قاموا بهذه الجرائم الشنيعة لم يراعوا حرمة شهر رمضان الكريم أو حرمة المقدسات"، مجددًا في هذا الإطار الموقف الثابت والقوي لجامعة الدول العربية من إدانة الإرهاب بصوره ومظاهره كافة.
وأوضح أن مثل هذه العمليات الإرهابية تعيد تسليط الضوء على ضرورة العمل لتكثيف الجهود على المستوى العربي والإسلامي والدولي لمواجهة الخطر المستشري للإرهاب من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات المشتركة السريعة والقوية للقضاء على هذه الظاهرة بشكل تام، وبما يضمن إعادة كامل الأمن والاستقرار إلى الدول العربية كافة. وقال "إن مثل هذه الأفعال الإجرامية، إنما يجب أن توضح لشباب الأمة ضرورة التنبه لمخاطر الفكر المتطرف الذي يسهل الانزلاق إلى العنف والإرهاب، وهو ما يحتم لفظه من البداية درءًا لمخاطره وأضراره الجسيمة".
وأعرب مجلس حكماء المسلمين عن إدانته الشديدة للتفجيرات الإرهابية التي وقعت قرب الحرم النبوي الشريف والقطيف. وأكد برئاسة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس المجلس في بيان رسمي أن مرتكبي هذه التفجيرات الإرهابية الخسيسة الذين استحلوا دماء الأبرياء وانتهكوا حرمات الله بلا أخلاق ولا ضمير إنسانيا ولا وازع دينيا يردعهم عن الاجتراء على قتل النفس البشرية البريئة وتفجير أشرف بقاع الأرض، فأي دين وأي خلق وأي ضمير إنساني يجعلهم يفجرون انفسهم في أبرياء عزل ومتعبدين في بيوت الله الآمنة. موضحا أن الساعين في تخريب الحرم النبوي الشريف وسائر بيوت الله-عز وجل- توعدهم الله بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم.
وشدد البيان على ضرورة تنسيق الجهود والمساعي الدولية للتصدي بكل قوة وحسم لهذه الفرق الضالة الباغية التي تعيث في الأرض فسادا وتهدد بفعلتها النكراء أمن واستقرار مقدساتنا وبلداننا العربية والإسلامية بل والسلام العالمي الذي تنشده الإنسانية جمعاء. وقال إن مجلس حكماء المسلمين إذ يدين هذه التفجيرات الإرهابية الخبيثة، فإنه يتقدم بخالص تعازيه ومواساته للمملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا ولأسر الضحايا، سائلًا الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش في تعليق على الضربات الاستباقية في الكويت والتفجير الانتحاري في جدة "الحرب ضد التطرّف والإرهاب ستطول وأدواتها أمنية وفكرية ومالية، قارب واحد يجمعنا"، وأضاف في تغريدات على حسابه في "تويتر" "في الحرب ضد التطرّف والإرهاب تثبت الأحداث أن توجه الإمارات كان صحيحًا ومتقدمًا، فما تعانيه المنطقة تفريخ لتراكم التشدد والتطرّف عبر السنوات". مضيفا "النجاح ضد التطرّف والإرهاب أساسه الإدراك أن المعركة طويلة، والأدوات تقويض وتجفيف الحاضنة الفكرية والمالية، والانفتاح على العالم ضروري"، متابعا "النجاح ضد التطرّف والإرهاب لا يقتصر على التصدي للجنود الانتحاريين، فأهم من البيادق قادة الفكر المحرضين الذين خلقوا البيئة الحاضنة عبر السنوات، فلا يستوي أن يسوق قادة الفكر المتشدد الشباب إلى تكفير مجتمعاتهم وترويعها بإرهابهم، بينما ينعمون بالأمن والمال والموقع الاجتماعي". مختتما "جربت المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية التشدد والتطرّف فكرًا وممارسة والنتيجة دموية كارثية، فلنجرب الاعتدال والوسطية والانفتاح، وسنرى الفرق".
وقال قرقاش في تغريدة على "تويتر" "هي لحظة التضامن مع السعودية الشقيقة، لحظة التعاضد ضد التطرّف والإرهاب، سننتصر ونحمي حمانا ونستأصل من يسعى إلى اختطاف ديننا وتشويه إنسانيتنا". وقال الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في تغريدة على حسابه في "تويتر" "إن من تجرأوا وبغوا على بلاد الحرمين ذهبوا وبقيت المملكة بقيادتها وشعبها شامخين". مشيرا إلى حديث رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله"، وتابع منوها بأنه جاء في القرآن الكريم، قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) صدق الله العظيم.