حشد عسكري يبدو الأكبر على الحدود الروسية

دبابات وطائرات بدون طيار الى جانب حوالي 800 جندي سوف ترسلهم الحكومة البريطانية إلى استونيا، في إطار حشد عسكري يبدو الأكبر على الحدود الروسية، منذ الحرب الباردة، بحسب ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية. ويقول وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن القوات البريطانية سوف يتم إرسالها إلى إستونيا، موضحا أن قوات أخرى من الدنمارك وفرنسا سوف تلحق بهم في الأيام القليلة المقبلة.

الإعلان البريطاني يأتي بعد يوم واحد من نشر الجانب الروسي لأول صاروخ باليستي عابر للقارات، ذي قدرات نووية، حيث أنه يمكنه محو المملكة المتحدة، على حد وصف الصحيفة البريطانية.

وقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأول بإطلاق صاروخ باليستي من طراز "أر إس 18"، كاختبار لمعرفة قدرات الصاروخ، ومدى إمكانيته على هزيمة أنظمة الدفاع الأميركية. في حين أن 130 مركزا عسكريا في روسيا والدول الست المحيطة بها أعلنت حالة التأهب القصوى، حيث قامت بتدريبات مشتركة لكيفية الرد إذا ما تعرضت المنطقة لأي هجوم من قبل الغرب.

الولايات المتحدة من ناحيتها تأمل في أن تفي أوروبا بالتزاماتها بإرسال أربع مجموعات قتالية مكونة من حوالي أربعة ألاف جندي، في إطار تجهيزات حلف شمال الأطلسي "ناتو" للرد على إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014. ومن المتوقع أن تضم المجموعات القتالية الأربع قوات من كل من إيطاليا والدنمارك وفرنسا بالإضافة إلى حلفاء أخرين من أعضاء الناتو، وذلك للانتشار في بولندا وليتوانيا واستونيا ولاتفيا، حيث تتراوح المعدات العسكرية بين مدرعات مشاة وطائرات بدون طيار.

وتزايدت حدة التوتر بصورة كبيرة بين روسيا والغرب على خلفية تصعيد الموقف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقادة الغربيين، على خلفية الخلاف المتنامي بين الجانبين حول الموقف في سورية، والإصرار الروسي على تقديم الدعم لنظام الرئيس الروسي بشار الأسد وقصف معاقل المعارضة السورية.

وكان الرئيس بوتين أرسل أسطولا بحريا ضخما ضمنه حاملة طائرات، إلى الأراضي السورية الأسبوع الماضي، حيث مر الأسطول الروسي عبر السواحل البريطانية إلى بحر المانش ومنه إلى البحر المتوسط، وهو الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية إلى إرسال أسطول بحري لرصد الموقف، بالإضافة إلى نشر طائرات مقاتلة تابعة سلاح الجو الملكي البريطاني للتعامل مع أي موقف طارئ إبان مرور الأسطول الروسي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قام الكرملن بإجلاء ملايين الاشخاص في إطار تدريبات تهدف إلى التحضير إلى حرب نووية محتملة.

من ناحيته، أكد وزير الدفاع البريطاني، في كلمته خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي "الناتو" والذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، " التفاصيل التي نشرت اليوم حول انتشار قواتنا في استونيا خلال العام المقبل." وأضاف أن كتيبة بريطانية كاملة سوف يتم إرسالها إلى هناك مصحوبة بالدبابات والمدرعات الخفيفة وبعض المعدات العسكرية الأخرى، موضحا أن الانتشار العسكري البريطاني من المقرر أن يتم خلال الربيع المقبل، وتحديدا في شهر مايو/ايار.

وأوضح أن هناك خططًا أيضا لنشر طائرات تابعة لسلاح الجو البريطاني في منطقة البحر الأسود، وذلك في إطار الجهود البريطانية لحفظ الأمن في الأجواء الجنوبية برومانيا وبلغاريا ومنطقة البحر الأسود بشكل عام، بما في ذلك تركيا. وأضاف فالون "هذه هي بريطانيا. تقوم بدورها على الوجه الأكمل كعضو في الناتو، ونؤكد دائما قدرتنا على العطاء. وبالرغم من أننا بصدد الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه سوف نفعل كل ما في وسعنا من أجل تأمين الجناحين الشرقي والجنوبي لحلف شمال الأطلسي."

وفي الوقت نفسه، تستعد بريطانيا إلى إرسال فريق مكون من 28 جنديًا إلى كوسوفو، بينما ستتوجه قوات بريطانية ورومانية إلى بولندا لتشكل جزءا من كتيبة عسكرية هناك، سوف تعمل تحت قيادة الولايات المتحدة.

تصريحات وزير الدفاع البريطاني تأتي متزامنة مع الضغوط الكبيرة التي يمارسها الناتو على أعضائه من أجل حشد أكبر تجمع عسكري على الحدود الروسية منذ الحرب الباردة.
وردا على نشر القوات التابعة لحلف الناتو، قام الكرملن بارسال صواريخ ذات قدرة نووية إلى منطقة كالينينغراد الروسية، على الحدود مع ليتوانيا وبولندا، حيث أوضحت الرئاسة الروسية أن الخطوة تأتي في إطار تدريبات عسكرية يجريها الجيش الروسي.

ويبدو أن تحرك الأسطول الروسي على السواحل البريطانية، في استعراض للقوة من قبل بوتين، كان دافعا مهما لوزراء دفاع الناتو بالتعهد ببذل مزيد من الجهد من أجل الوفاء بالوعد الذي قطعه الحلف في يوليو/تموز الماضي بالمساهمة في إرسال قوات عسكرية إلى دول البلطيق ومنطقة شرق بولندا مع أوائل العام المقبل.

وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرغ ان الالتزامات يكون "دليلا واضحًا على قوة الترابط الأطلسي في ما بين دوله." في حين أن دبلوماسيين أكدوا انه من شأن مثل هذه الخطوة أيضا أن تقدم رسالة ضمنية إلى المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، الذي ألقى باللوم على الحلفاء الأوروبيين باعتبارهم لا يقومون بدورهم تجاه التزاماتهم من التحالف.
وفي السياق نفسه، يتوقع العديد من الخبراء أن تكون هناك مشاركة من قبل رومانيا وبلغاريا في الخطة التي تهدف إلى زيادة الدوريات البحرية والجوية في المنطقة، وكذلك الكتيبة التابعة للناتو، والتي تضم قوات متعددة الجنسيات، حيث سيتم نشرها في رومانيا وبلغاريا وتركيا.

وكان حلف شمال الأطلسي "ناتو" وافق في يوليو/تموز الماضي على نشر أربع كتائب يتراوح عدد أعضائها بين ثلاثة وأربعة ألاف جندي في بولندا ودول البلطيق، وذلك في محاولة لتعزيز الحلفاء من الكتلة السوفيتية السابقة، والذين سبق وأن أبدوا انزعاجهم من جراء قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم على خلفية الأزمة التي نشبت مع أوكرانيا، كما تعهد الحلف بزيادة عدد الدوريات البحرية والجوية في المنطقة.

ويرى الكرملن أن التوسعات الكبيرة التي يقوم بها حلف الناتو في شرق أوروبا، والتي تنظر إليها روسيا باعتبارها عمقا استراتيجيا لها، سببا مهما للقلق، حيث ترى أن تلك التوسعات تمثل تهديدا مباشرا لها، وهو الأمر الذي نفاه شتولتنبرغ حيث اعتبر أن تلك التوسعات والانتشارات العسكرية التي يعتمدها الحلف تهدف في الأساس لردع أي محاولات عدوانية، وليس من أجل استفزاز أي جانب.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قرر الغاء صفقة كانت الحكومة الروسية عقدتها مع نظيرتها الأميركية بشأن التخلص من "البلوتينيوم" المستخدم في صناعة الأسلحة، كما أنه انسحب من عدة اتفاقيات أخرى حول نزع السلاح النووي خلال الشهرين الماضيين، ملقيا باللوم على السياسات الأميركية التي وصفها بكونها سياسات غير ودية تجاه روسيا، وبالتالي يبقى الانتشار العسكري للناتو بالقرب من الحدود الروسية يحمل رمزية كبيرة.

ويقول مبعوث الولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي دوغلاس لوت إنه في حالة ما أصبح الانتشار العسكري للناتو دائما، وأصبح وجود الأسلحة النووية ، فإن الموقف الأمني في روسيا سوف يشهد تغييرا كبيرا.

التوترات الأميركية الروسية تفاقمت بصورة كبيرة منذ إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم، حيث سعى الغرب لفرض عقوبات انتقامية ضد روسيا، إلا أن الأمر ازداد سوءا بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، والذي أبرمته كل من الولايات المتحدة وروسيا في 3 أكتوبر/تشرين الاول الحالي، بالإضافة إلى الاتهامات الأميركية لروسيا باعتماد الهجمات الالكترونية لإفساد انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وكان زعماء الاتحاد الأوروبي اجتمعوا الأسبوع الماضي للنظر في إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب القصف الروسي المتواتر للمناطق المدنية في حلب، حيث قال شتولتنبرغ انه يخشى أن تشن السفن الحربية الروسية المتجهة إلى البحر الأبيض المتوسط  هجمات جديدة على المدينة السورية.

وتقول "ديلي ميل" أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتجه نحو تعليق اتفاقه مع واشنطن حول التخلص من البولتينيوم المستخدم في صناعة الأسلحة قبل انهيار وقف إطلاق النار في سورية، وهو ما يعكس نية الحكومة الروسية في استخدام نزع السلاح النووي كورقة للمساومة عند الحديث عن الخلافات الأميركية الروسية حول سورية وأوكرانيا.