فلاديمير بوتين وباراك أوباما

أثار الانتصار الانتخابي الذي حققه دونالد ترامب، بفوزه بمقعد الرئيس على حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، الذعر في نفوس قطاع كبير من دوائر النخبة الليبرالية، مؤكدين أن تلك اللحظة تعتبر نهاية الغرب، ولكنها في الواقع نهاية حقبة من التدخلات الخارجية غير المدروسة، وخمسة عشر عامًا من الحروب المتواصلة.

وأضافت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن الحديث عن نهاية الغرب يبدو أمرًا سابقًا لأوانه، لا سيما وأنه مازال لا أحد يعرف ماهية تشكيل فريق السياسة الخارجية، الذي سيعمل مع الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، والذي يبلغ من العمر 70 عامًا، في ظل وجود مؤسسات قوية في الداخل الأميركي، بداية من المحاكم وحتى الكونغرس، يمكنها مراجعة القرارات التي قد تتخذها الإدارة.

وأكدت أنه دائمًا ما تعاد هيكلة النظام العالمي بعد الحروب الرئيسية التي يشهدها العالم، وهو ما حدث بعد حرب الثلاثين عامًا في عام 1648، ثم في أعقاب الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إلا أننا ربما نكون بصدد صياغة نظام عالمي جديد في زمن السلم. وتمكن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من استخدام التعليقات الحيادية التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنه، للحديث عن صفقة كبرى محتملة ربما تجمع بينهما في المستقبل، لا سيما فيما يتعلق بالقضاء على تنظيم "داعش".

وتؤدي القوات العاملة تحت إشراف الولايات المتحدة، عملًا جيدًا للغاية في المرحلة الراهنة، في ظل النجاح الكبير الذي تحققه القوات العراقية في ظل تقدمها في مدينة الموصل، بينما الروس يبدو وأنهم أكثر عزمًا على سحق المعارضة السورية المعتدلة.

وشعرت دول البلطيق، من أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بالقلق من احتمالات تجاهلها من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، وعدم تدخل الولايات المتحدة حيال إقدام الرئيس الروسي على انتزاع جزءًا من أراضيهم، في إطار سعيه لاستعادة المجد السوفيتي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على أوكرانيا. ويبدو أن هناك من قدم النصيحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن ترامب شخصية غير معروفة، وبالتالي فإنه لا يمكن التنبؤ بمواقفه، ومن هناك تكون محاولات الخداع معه بمثابة خطأ كبير.

ويدرك ترامب أن الروس يجمعون بين المتناقضات، فهي دولة متخبطة اقتصاديًا، ولكنها في الوقت نفسه لديها حالة من الاعتزاز بالنفس، وهو الأمر الذي سيسعى لاستغلاله من أجل تحقيق قدر من التوازن أفضل، من أوباما أو كلينتون التي كانت تتأهب للصراع.

وفي الشرق الأوسط، لا يستطيع الرئيس الأميركي الجديد أن يفعل شيئًا لوقف حالة الانتروبيا العامة، التي تؤثر بصورة كبيرة على النظام في المنطقة، والتي تساهم بصورة ملحوظة في تسريع سقوط دوله في هوة الفشل، إلا أن الصفقة المحتملة التي قد تجمع ترامب وبوتين، ربما ستواجه تحديًا رئيسيًا في تلك المنطقة المفعمة بالصراعات.

ويسعى الروس إلى النجاح في تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في حلب، قبل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد في كانون الثاني/يناير المقبل، بينما الأميركان، تحت إدارة أوباما، سيتباهون بالنجاح في تحرير الموصل، وفي النهاية تتحقق النجاحات لكل الأطراف ويبقى مدنيو سورية هم الخاسر الوحيد بينهم.

وبصفة عامة، فإن خفض التدخل الأميركي في الشؤون العالمية، سيكون تطورًا إيجابيًا إذا كان ذلك يعني سياسة خارجية أقل عسكرية، خاصة وأن العمل العسكري كان بالتأكيد أحد الأولويات التي كانت ستتبناها كلينتون إذا ما وصلت إلى منصب الرئيس. والمحافظون الجدد الذين احتشدوا لدعم السيدة كلينتون، كانوا يستعدون لمد نطاق الحرب لخمس عشرة سنة جديدة في سورية وهو الأمر الذي يعني أن المواجهة المباشرة مع الروس، ستصبح حتمية ولا مفر منها، وبالتالي فإن انتصار ترامب، هو هزيمة لحزب الحرب في أميركا.

وتابعت "ديلي ميل"، "دعونا أولًا نضع القلق المهيمن من جراء التأثير الذي  سيتركه وصول ترامب إلى البيت الأبيض، على العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وحلفاءها جانبًا، إذا ما نظرنا إلى الأمر بقدر من الواقعية، نجد أن التعاون الوثيق على المستويين الاستخباراتي والعسكري، لن يتأثر كثيرًا بالمستجدات التي طغت مؤخرًا على المشهد في الولايات المتحدة، وربما يكون موقف ترامب من "الناتو" مقلقًا في ظل رؤيته بأن الحلف أصبح بلا فائدة، وكذلك رفضه لتفعيل المادة الخامسة من الميثاق، إذا ما تعرضت إحدى الدول أعضاء الحلف لهجوم عسكري، وتنص أنه في مثل هذه الحالة يكون لزامًا على كافة أعضاء الحلف الدفاع عنها عسكريًا".

ويرى الرئيس الجديد للولايات المتحدة، أن باقي أعضاء "الناتو" يمثلون عبئًا ثقيلًا على الولايات المتحدة في ظل التزام الجانب الأميركي بتغطية أكثر من 70% من ميزانية الحلف، فدعا إلى ضرورة زيادة إنفاق الدول الأخرى أعضاء الناتو على مسألة الدفاع.

ورحب الرئيس الصيني شي جين بينغ، بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي أسفرت عن صعود ترامب إلى منصب الرئيس في الولايات المتحدة، لا سيما وأن ذلك ربما سيساهم في تقليل الضغوط التي كانت ستتحملها الحكومة الصينية، فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، إذا ما وصلت كلينتون إلى البيت الأبيض. ويشعر الرئيس الصيني بالراحة المطلقة من جراء الفوضى التي ستضرب التحالف الإقليمي، الذي دشنه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما، في إطار السعي الأميركي لاحتواء الصعود الصيني في آسيا، ومنطقة المحيط الهادي.

وسعى ترامب إلى تخفيف الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة، لليابان وكوريا الجنوبية، وأنه يرى أن الصين والقوى الإقليمية الأخرى، ينبغي أن تتحمل مسؤولية التعامل مع التهديد الذي يمثله زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون. بل والأمر الغريب، أن السيد ترامب عرض الجلوس مع زعيم كوريا الشمالية ليتناولا سويًا وجبة من الهامبرغر، لإقناعه بالتخلي عن ترسانته النووية. هذا اللقاء يرغب فيه أيضا الرئيس الكوري الشمالي، بل وكان سببًا في حالة من الرعب سيطرت على جيرانه، لأنه بمثابة ورقة مهمه تقدمها الولايات المتحدة لهذا الديكتاتور.

وأعرب الرئيس الأميركي المنتخب عن رغبته في تقويض الاتفاق الذي عقده أوباما مع إيران، من أجل التوصل إلى اتفاق أفضل. وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الانتخابات الأميركية ونتائجها لن يكون لها أي تأثير على مستقبل الاتفاق بين طهران والغرب، مؤكدًا أن ما تم الاتفاق عليه لن يرجع إلى الوراء.

وكان ترامب أكد قفل باب الهجرة أمام المسلمين القادمين من دول لها جذور إرهابية، وهو الأمر الذي أثار قلقًا كبيرًا في المملكة العربية السعودية، وربما يساهم في ترك تداعيات سيئة في العلاقة بين البلدين في المستقبل. ومخاوف ترامب من الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين القادمين من المكسيك، دفعته للتعهد بالتصدي لمحاولات الهجرة غير الشرعية في بلاده، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه سيقوم ببناء حائط عازل على الحدود بين البلدين.

وخلفت تصريحات ترامب مخاوف كبيرة بين المسؤولين في المكسيك، خاصة وأنهم أكدوا أن نجاحه في الانتخابات، سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية كارثية، يتمثل أولها في انخفاض قيمة العملة "بيزو".