وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان

تشعر الدبلوماسية الفرنسية بكثير من الإحباط بسبب مراوحة الملف الليبي مكانه، لا بل تقهقره وفق ما تبدى إثر المعارك، التي أدمت العاصمة طرابلس خلال الأيام العشرة الأخيرة، وأوقعت عشرات الضحايا، وأرجعت حالها شهورًا إلى الوراء.

والأخطر من ذلك أنها عرّت هشاشة الوضع الأمني، وصعوبة الالتزام بتنفيذ "خريطة الطريق"، التي تم التوافق بشأنها في اجتماع باريس الربيع الماضي.

ويضاعف المسؤولين الفرنسيين , جهودهم على كل المستويات, فوزير الخارجية جان إيف لو دريان زار ليبيا ثلاث مرات، آخرها في 24 من يوليو /تموز الماضي، كما أنه على تواصل دائم مع كل الأطراف الموقعة على "ورقة" باريس ومع الجهات غير الموقعة.

واستضاف رئيس الجمهورية اجتماعين رئيسيين بشأن ليبيا: الأول صيف عام 2017 في قصر سيل سان كلو، والثاني في قصر الإليزيه في شهر مايو /أيار الماضي، وهو عازم على تحقيق اختراق في الملف الليبي، لما له من تداعيات على استقرار شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، وتدفق الهجرات باتجاه أوروبا.

ولم تفلح الجهود الفرنسية والأوروبية والدولية ,حتى اليوم في تحقيق اختراق من شأنه التأثير على مسار الوضع في ليبيا وفق تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط.

و اتصل الرئيس ماكرون برئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، الذي تبدو سلطته بالغة الهشاشة، ليؤكد له دعم فرنسا للمجلس الرئاسي، الذي "يحظى باعتراف الأسرة الدولية"، وللمسار السياسي المفترض أن يفضي إلى "ترسيخ السلام في ليبيا ديمقراطية، والمحافظة على وحدتها وسيادتها"، وفق ما جاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه.

وكن رغم ما تعتبره باريس تدخلًا من أطراف خارجية تعيق العملية السلمية وتحقيق الاستقرار، فقد دعا البيان الأسرة الدولية للبقاء "متحدة وحازمة" في العمل ضد من يسعى إلى إيقاف أو إبطاء المسار السياسي، الذي يتعين أن يقود إلى انتخابات في العاشر من ديسمبر /كانون الأول المقبل، وهو ما اتفقت عليه الأطراف المجتمعة في باريس.

وذكر البيان الرئاسي أنه تم التصديق على "خريطة الطريق" من قبل مجلس الأمن الدولي في يونيو /حزيران الماضي، وبالتالي أصبحت لها قيمة دولية.

ويعمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة على تنفيذ مضمونها. حقيقة الأمر أن مشكلة فرنسا تكمن في أن هدف إجراء هذه الانتخابات قبل نهاية العام الحالي لا يبدو لكثيرين في متناول اليد، وذلك بسبب الوضع الأمني، والحاجة إلى تدابير دستورية، وإقرار نصوص يمكن أن تجري الانتخابات على أساسها. يضاف إلى ذلك أن باريس تواجه في تحرُّكها ممانعة أوروبية، بخاصة من قبل إيطاليا. ولعل أبرز دليل على ذلك أنه ما كاد الوزير لو دريان يغادر طرابلس في 24 من يوليو/تموز الماضي حتى حطت طائرة وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترانتا، التي لم تتردد في التنديد بـ"التدخلات الخارجية" في الشؤون الليبية.

وقالت الوزيرة الإيطالية إن بلادها "تقف إلى جانب طرابلس من أجل مساعدتها على جبه التدخلات الخارجية"، مضيفة أنها "لا تعتقد أن تسريع المسار الانتخابي من شأنه أن يوفر الاستقرار إذا لم تصاحبه مصالحة الليبيين وتوافر الأمن".

ويتضح من هذا الكلام أن روما تسير بعكس تيار فرنسا. فروما تأخذ على باريس سعيها إلى "الاستحواذ" على الملف الليبي، وإبعادها عنه. وما يزيد الفراق بين الطرفين خلافهما بشأن مسألة المهاجرين غير الشرعيين، والجدل الحامي القائم بين الرئيس ماكرون ووزير الداخلية الإيطالي سالفيني والحكومة الإيطالية "الشعبوية"، عامة، بشأن مسألة حساسة بالنسبة للرأي العام في البلدين.

وتهمس الأوساط الإيطالية بأن فرنسا تدعم حقيقة المشير خليفة حفتر، الذي تعتبره أمضى سلاح لمحاربة التطرف، بينما تركز روما على دعم فائز السراج.

وليس سرًّا أن علاقتها مع حفتر كانت بالغة السوء، لكنها تحسنت قليلاً في الأشهر الأخيرة.

و تركّز باريس ، وفق البيان الرئاسي، على ثلاثة أهداف رئيسية، أولها محاربة المجموعات المتطرفة، وثانيها السيطرة على ملف الهجرات، وثالثها العمل على تنفيذ مضمون الأجندة السياسية والانتخابية، بما يوفر الاستقرار لليبيا ويحفظ الحريات الأساسية. إزاء هذه الرؤية الرئيسية، كان من الطبيعي أن يشدد السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر في مداخلته أمام مجلس الأمن، أول من أمس، على أهمية الانتخابات، واعتبار أن "المضي قدمًا في عمليّة التحوّل الديمقراطي يعد اليوم أهمّ من أي وقت مضى".

وأكد دولاتر، أن إجراء الانتخابات هو "السبيل الوحيدة" لإخراج ليبيا من وضعها الراهن. 

وندد دولاتر بالذين يريدون "تأخير المهل بحجة أنّ الوضع لا يسمح" بإجراء الانتخابات في الموعد المتفّق عليه، ما يشير إلى روما وتحفظاتها.

ويرى المندوب الفرنسي أن "الوفاء بهذه الالتزامات أمر ضروري للخروج من حالة الجمود، التي لا تؤدي إلا إلى انعدام الاستقرار. الليبيون بحاجة لأن يمضوا قدمًا، وهم يريدون انتخابات".

وكان لودريان قد تواصل مع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، ومع سلامة لينقل لهما الرسالة نفسها، وليعيد تأكيد دعم فرنسا للجهود الدولية.