الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ - أون

يضع اختيار الدولة - المدينة سنغافورة مكانًا للقمة الأميركية الكورية الشمالية، في أجواء ودية بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ إنها حليف مقرب من الولايات المتحدة، فيما تقوم البحرية الأميركية بزيارات متكررة لموانئها. والجزيرة الثرية هي مركز للمال والشحن، وتعتبر ممرًا بين آسيا وبين الغرب، ويطلق عليها "سويسرا آسيا" في تناقض مع عزلة كوريا الشمالية التي يريد قادتها الآن تحديث اقتصادها.

 ووفقًا لهيئة البث البريطاني "بي بي سي"، فإن اختيار سنغافورة مقرًا لانعقاد القمة بين الزعيمين هو بطلب من كوريا الشمالية، والسبب يعود في ذلك إلى أن الكوريين ليست لديهم علاقات جيدة بين العديد من البلدان، فيما تحتل سنغافورة المركز الأول في القائمة البسيطة التي تحافظ كوريا الشمالية معها على علاقات مستمرة، ولكنها لم تشكل سوى 0.2 في المئة من التبادلات التجارية مع كوريا الشمالية.
وبين سنغافورة وكوريا الشمالية تاريخ "أول شركة محاماة ومطعم للوجبات السريعة في بيونغ يانغ أنشأهما سنغافوريون"، رغم أزمة في العام الماضي عندما قطعت سنغافورة علاقاتها التجارية معها امتثالًا لعقوبات دولية على بيونغ يانغ على خلفية برنامجيها النووي والصاروخي.

وتقول إيما لاهي، الباحثة الأميركية السياسية في جامعة جورج واشنطن، إن الجغرافيا السياسية في عصر الرئيس ترامب معقدة للغاية على أقل تقدير، إذ إن اختيار سنغافورة دليل على بناء الجسر الماهر مع جميع اللاعبين الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وكوريا الشمالية. وأضافت "لكن في حين أن الإدارات الأميركية السابقة ربما حاولت إقناع سنغافورة بالتوقف عن التعامل مع بيونغ يانغ كليًا، فمن المفارقة أن العلاقات الوثيقة بين الجانبين ربما ساعدت في جعل سنغافورة خيارًا مناسبًا، وفي نهاية المطاف، سنغافورة هي المكان الذي تتزايد فيه الصفقات التجارية الدولية في المنطقة، لذا كان اختيارها لقمة السلام مهمًا. ولا تفكر في هذا اللقاء بين بيونغ يانغ وواشنطن على أنه مجرد اجتماع سياسي، فكر في الأمر كمفاوضات تجارية، بقيادة اثنين من أكبر صانعي الصفقات على الساحة السياسية العالمية في الوقت الحاضر - مع لعب سنغافورة دور المحكم، ومضيف ساحر".

وتعتبر سنغافورة العصرية والآمنة والمنفتحة على الشرق والغرب معًا خيارًا طبيعيًا لاستضافة القمة التاريخية المرتقبة في 12 يونيو / حزيران المقبل بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ - أون، في لقاء هو الأول من نوعه بين العدوين اللدودين. قبل بضعة أشهر فقط كان المسؤولان يتبادلان الشتائم والتهديدات بالحرب، لذا سرت تكهنات عدة حول اختيار مكان حيادي، وشملت أيضًا المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين والصين ومنغوليا.

لكن سنغافورة التي تشبّه أحيانًا بسويسرا، نظرًا لعدم انحيازها ومركزها كعاصمة مالية، هي في موقع فريد؛ إذ ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع كل من واشنطن وبيونغ يانغ، إضافة إلى سجل حافل من استضافة لقاءات حساسة. وقال ليم تاي واي الباحث في معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، في تصريحات أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية، "كدولة حيادية وموضوعية مع مبادئ ثابتة في السياسة الخارجية، وكونها دولة صغيرة ليست لديها رغبة أو مقدرة على إلحاق الأذى بدول أخرى وبمصالحها، فإن سنغافورة تستوفي تلك المتطلبات".

تعد هذه الدولة الجزيرة، البالغ عدد سكانها 5.6 مليون نسمة، إحدى أكثر دول العالم ثراءً للفرد، ولديها جيش متطور وبنية تحتية أمنية قوية، وتعتبر أحد أكثر الأماكن على الأرض أمنًا ومن الأقل فسادًا، كما أن وجود نخبة من الفنادق الفاخرة والمواقع الأخرى المحتملة التي يمكن مراقبة وضبط الفعاليات المنعقدة فيها، لعب على الأرجح دورًا في ميل كيم لها فهو لن يرحب بأي مفاجآت. المعروف أن كيم سافر إلى الخارج للمرة الأولى هذا العام، مع زيارتين إلى الصين، ولقاء قصير عبر الحدود الخاضعة لإجراءات أمنية مشددة إلى كوريا الجنوبية لعقد قمة تاريخية مع الرئيس مون جاي - إن في أبريل/ نيسان.

في 2015 استضافت سنغافورة لقاءً تاريخيًا بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس تايوان آنذاك ما ينغ - جيو هو الأول من نوعه بين الجانبين، منذ انفصال تايوان عن الصين في عام 1949، وقطيعة استمرت عقودًا، ولديها خبرة أيضًا في استضافة قمم واجتماعات أخرى لزعماء وقادة مثل القمة السنوية لرابطة دول جنوب شرقي آسيا "آسيان" والاجتماع السنوي لحوار "شانغري - لا"، وهو منتدى دفاعي يجمع رؤساء وقادة دول ووزراء دفاع وكبار القادة العسكريين.

ويأتي منتدى هذا العام في فندق "شانغري – لا" قبل أسبوع من قمة ترمب وكيم، ما يعني أن سنغافورة ستكون في حالة استنفار أمني عالٍ، ما يغذي التكهنات أن يكون هذا الفندق مكان استضافة القمة. من وجهة نظر ترامب، فإن سنغافورة المراعية لقطاع الأعمال هي من بين أقرب الشركاء التجاريين والأمنيين في آسيا.

والسفر إلى سنغافورة يجنب ترامب المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، التي ربما تبدو مكانًا مريحًا لكيم، فيما قمة في بكين ربما تسمح للصين بممارسة الضغوط، وقالت سارة تيو الخبيرة في الأمن الإقليمي في كلية "راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن سنغافورة "لا تحمل عبئًا تاريخيًا أو سياسيًا" كمواقع أخرى. وستكون مقبولة أيضًا لدى بكين، الحليف الكبير الوحيد لكوريا الشمالية، التي لا تزال تتمتع بنفوذ قوي لدى بيونغ يانغ. وطالما ارتبطت سنغافورة بعلاقات سلسلة مع الصين. وذكرت مقالة في صحيفة "ستريتس تايمز" الصادرة في سنغافورة أن "قمة ناجحة ستكون مفخرة كبيرة لسنغافورة تزيد من شهرتها كمكان حيادي وللتعامل العادل".

وأكدت كوريا الجنوبية، يوم الخميس، أنها تعلق آمالًا كبرى على القمة، مضيفةً: "نأمل أن تنجح هذه القمة في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية وتحقيق السلام الدائم بها". وقال ترامب إنه يعتقد أن كيم يريد أن يضم كوريا الشمالية "للعالم الحقيقي".

وأثارت الخطوة تساؤلات حول ما إذا كانت كوريا الشمالية، الآن، أقل ميلًا للتفاوض على برنامجها النووي مع واشنطن. وتحدث ترامب مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي هاتفيًا، وقال البيت الأبيض إن الزعيمين "أكدا على الهدف المشترك الخاص بتخلي كوريا الشمالية عن برامج أسلحتها للدمار الشامل غير المشروعة وبرامج الصواريخ الباليستية".

وكشف مسؤولون بالبيت الأبيض، دون ذكر تفاصيل، أن من الممكن إلغاء الاجتماع إذا قامت كوريا الشمالية بأي تصرف غير مقبول خلال الشهر المقبل. وقالت فيكتوريا كوتس، المسؤولة بمجلس الأمن القومي للصحافيين "ليست لدينا أي أوهام بشأن طبيعة هؤلاء الناس... نعلم مع من نتعامل". وكوريا الشمالية لا تزال في حالة حرب رسميًا مع الولايات المتحدة وحليفتها كوريا الجنوبية، لأن الحرب الكورية التي دارت بين عامي 1950 و1953 انتهت بهدنة، وليس بتوقيع معاهدة سلام.

- 71 % من الشعب الأميركي يدعمون المفاوضات

 أعلنت مؤسسة "بيو" للأبحاث والدراسات الاستطلاعية، من خلال دراسة، أن الشعب الأميركي يدعم بأغلبية ساحقة المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. إذ إن نحو سبعة من أصل عشرة "71 في المئة" يوافقون على هذه المحادثات، في حين أن 21 في الائة فقط لا يوافقون عليها، ومع ذلك، فإن الجمهور يشك فيما إذا كان قادة كوريا الشمالية جادين في معالجة المخاوف بشأن برنامجها النووي.

وبينت الدراسة، أن 49 في المئة يعتقدون أن قيادة كوريا الشمالية ليست جادة في معالجة المخاوف الدولية بشأن برنامج التخصيب النووي في البلاد، بينما يعتقد 38 في المئة أن قادة كوريا الشمالية جادون في معالجة تلك المخاوف.