أبوظبي ـ سعيد المهيري
دعا وزير الدولة للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش، الولايات المتحدة، إلى مراجعة قرارها بشأن القدس، قائلًا في كلمة أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، السبت، إن الإمارات تؤكد دعمها الكامل للتوصل لحل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، مضيفًا «نؤكد أن قرار واشنطن لن يغير الوضعية القانونية لمدينة القدس».
فيما طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، دول العالم، بالاعتراف بدولة فلسطين وبالقدس الشرقية عاصمة لها، وذلك ردًا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قائلًا في مستهل اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالجامعة العربية، إن قرار ترامب «يدين» الدولة التي اتخذته والإدارة التي مررته، مضيفًا أن القرار يثير تساؤلات بشأن دور واشنطن وسيطًا للسلام، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع.
وأكد أبوالغيط، أن «القرار يرقى إلى مرتبة إضفاء الشرعية على الاحتلال»، مشيرًا إلى احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، ثم ضمها لاحقًا في حرب 1967، معتبرًا أن «الإجراءات الأحادية التي تستهدف فرض وقائع على الأرض باطلة ولاغية»، مضيفًا أن «القرار الأميركي بشأن القدس باطل، وما يبنى عليه باطل بالضرورة»، مشددًا على أن «قرار الإدارة الأميركية مرفوض، ولا يمكن تبريره بأي ذريعة أو منطق.. القرار الأميركي بشأن القدس تجاوز خطير لا يمكن السكوت عنه».
وذكّر أبوالغيط بأن «القدس بحسب القانون الدولي أرض محتلة ولا سيادة لإسرائيل عليها"، محذّرًا من أن «القرار الأميركي يقوض الثقة العربية في الطرف الأميركي، ويدفع الدول العربية لإعادة النظر في مسار عملية السلام.. اللحظة الراهنة تدعونا للتفكير في البدائل المتاحة»، معتبرًا أن «الرد العملي على القرار، يجب أن يكون الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس».
ومن جانبه، أعرب وزير خارجية فلسطين، رياض المالكي، في كلمته، في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، عن رفض دولة فلسطين بكل قوة للإعلان الذي أدلى به رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، والذي اعترف فيه بالقدس الشريف كعاصمة لإسرائيل، قائلًا إن «هذا الاعتراف إنما يُشكل اعتداء على كل الشعب الفلسطيني، وعلى حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف"، وأشار إلى أن «هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاهنا، هو خرق صريح لرسالة الضمانات التي أكدت الولايات المتحدة من خلالها لمنظمة التحرير الفلسطينية التزامها بعدم الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل عام 1993م، بالإضافة إلى العديد من قرارات مجلس الأمن التي لا تعترف بأي من قرارات الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية، والتي تسعى لضم القدس الشرقية».
وذكر المالكي أن إعلان الرئيس ترامب يُمثّل مكافأة للاستعمار ولانتهاكات القانون الدولي الجسيمة، بالإضافة للخرق الممنهج لحقوق الإنسان، موضحًا أن قرار الرئيس ترامب يُجرّد الولايات المتحدة الأميركية من أهليتها للعب دور الوسيط في عملية السلام، وفي العمل لإنهاء الصراع في المنطقة، ويُظهر مدى تحيّز الولايات المتحدة الأميركية وعدوانيتها تجاه حقوق الشعب الفلسطيني والقانون الدولي، كما ويقُصي بل ويعزل الولايات المتحدة عن بقية دول المجتمع الدولي، مؤكدًا أن دولة فلسطين تقدّر وبشدة الرفض والمعارضة المدوية عالميًا لهذا القرار غير القانوني، وتشكر شقيقاتها الدول العربية على هذا الموقف المشرف، واتصالاتها مع دولة فلسطين لتأكيد دعمها وتضامنها وتحركها السريع دعمًا للموقف الفلسطيني.
وأضاف المالكي «نتوقع من الدول الصديقة التي تعترف بدولة فلسطين، أن تؤكد اعترافها بالدولة وعاصمتها القدس الشرقية، علاوةً على رفضها وإدانتها لهذا القرار غير القانوني، ومطالبة الدول كافة تحديد موقفها من قضية القدس، بما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية"، مبينًا أن اجتماع وزراء الخارجية العرب جاء لمناقشة كيفية التعاطي العربي مع خطيئة أقدم عليها ترامب عن سبق إصرار بحق القدس أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي الكريم، وعاصمة دولة فلسطين. خطيئة تخطت المحتمل عربيًا، وتعدت المقبول به أو المسموح له، مهما كان أو علا شأنه.
وتابع المالكي: «القدس أقدس الأقداس ودرة التاج، وقلب العرب النابض، مدينة السلام، مدينة كنيسة القيامة وقبة الصخرة، عاصمة دولتنا. المدينة التي إن قالت تحرك القاصي والداني من كل صوب، وإن نادت لبى لها النداء كل عربي ومسلم، وإن أنّتْ تداعى لها العالم أجمع، وإن غضبت فلا مُتسع لغضبها في هذا الكون. والقدس غاضبة اليوم».
وأردف المالكي: «لا بد من كلمة لكل مَن ابتهج لهذا القرار واحتفى به وتَسرَّعَ بالقول إن هذا القرار يضمن لإسرائيل أن أيَّ مفاوضات مستقبلية ستنطلق من حقيقة جديدة أن القدس هي عاصمة لدولة إسرائيل، هنا لا بد من القول وبكل وضوح وثبات، أن أي إعلان يأتي من إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، أو من الولايات المتحدة، بشأن واقع مدينة القدس لن يُغير من حقيقة أن الأرض الفلسطينية المُكونة من قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، هي أرض محتلة وفق القانون الدولي، وهي حقيقة راسخة قانونيًا. وأن الحقوق الوطنية الفلسطينية وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني هي حقوق غير قابلة للتصرف، وهي أيضًا حقائق قانونية وسياسية راسخة بموجب القانون الدولي، وإجماع ودعم من المجتمع الدولي. ولن تتغير هذه الحقيقة بالإعلان غير القانوني للرئيس ترامب بنقل السفارة أو بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل». لذلك يجب أن نؤكد بمجال لا يدعُ للشك أنه ليس لهذا القرار أو الإعلان أو الوعد أي توابع على المكانة القانونية لمدينة القدس التي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، أو لحقوق الشعب الفلسطينية المكفولة في القانون الدولي، مشددًا على أنه لن يكون هناك سلام من دون إقامة الدولة الفلسطينية، والدولة الفلسطينية لن تقوم من دون أن تكون القدس الشرقية عاصمتها.
من جانبه، أكد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، أنه سبق وأن حذرت حكومة السعودية أن أي إعلان أميركي بشأن القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام، ويجعلها أكثر تعقيدًا، كما أن من شأن ذلك تقويض كل الجهود المبذولة في هذا الصدد، وتشكل استفزازًا لمشاعر المسلمين حول العالم.
وأبرز الجبير خلال كلمته في اجتماع وزراء الخارجية العرب، أن قرارات الشرعية الدولية تؤكد أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967م، وتعتبر كل الإجراءات والانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف مدينة القدس الشرقية ومقدساتها وهويتها وتركيبتها الديمغرافية، لاغية وباطلة.
وبيّن الجبير أن السعودية تؤكد أن القدس تعتبر من قضايا الحل النهائي الذي ينبغي أن يحدده مسار المفاوضات بين طرفي النزاع، والتي لا ينبغي أن تخضع لقرارات أحادية الجانب من شأنها التأثير على سير المفاوضات، مضيفًا أن هذه الخطوة وإنْ كانت لن تغير أو تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة، كما أنها لن تتمكن من فرض واقع جديد على الأرض، إلا أنها تمثل تراجعًا كبيرًا في جهود الدفع بعملية السلام وإخلالًا بالموقف الأميركي.
فيما أشار سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إلى أن مصر لم تألُ جهدًا للحيلولة دون صدور القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، موضحًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي سعى لمنع القرار، وتواصل مع نظيره الأميركي ولكنه لم يبد تجاوبًا، وأكد أن دعوات الرئيس السيسي لاستئناف عملية السلام لم تلق التفاعل الكافي. وشدد على أن مصر ترفض الاعتراف جملة وتفصيلًا بأي نتائج للقرار الأميركي.
ونوه شكري بدعم مصر لانتفاضة الشعب الفلسطيني، وقال: «أي رد فعل يتوقع المجتمع الدولي إلا أن ينتفض شعب يرزح تحت الاحتلال لعقود، وتنتهك مقدساته وسط صمت عالمي»، مضيفًا أن الأبرياء الفلسطينيين يبذلون دماءهم قبل أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا، مبرزًا أن «الوضع في فلسطين يضع المنطقة برمتها على حافة الانفجار.. الإرهابيون والمتطرفون يحاولون استغلال التطورات الراهنة لجذب مؤيدين وتنفيذ هجمات وتبرير أعمالهم"، معتبرًا أن «على المجتمع الدولي إيجاد السبل لتنفيذ حل الدولتين»، متابعًا: «لم يعد ممكنًا التغاضي عن حقوق الفلسطينيين في دولتهم».
بدوره، لفت وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، إلى أن «لا سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون القدس»، معلنًا رفض عمّان لاعتراف أميركا بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وحذّر من أن «لا استقرار أو أمن في المنطقة إذا لم يشعر به الفلسطينيون"، معتبرًا أن «المس بهوية القدس وتهجير أهلها، جريمة تتطلب إدانة دولية.. لا بد من مواجهة القرار الأميركي بفعل عربي مؤثر وقادر.. نحتاج للتحرك مع المجتمع الدولي لتأكيد بطلان القرار الأميركي». وحث المجتمع الدولي ومؤسساته على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل رسمي.
من جانبه، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن «القرار الأميركي يجر المنطقة لمزيد من التوتر والاحتقان.. القرار الأميركي ينقل المنطقة لصراع ديني مجهول المعالم»، مواصلًا إنه «يجب التأسيس على الحملة الدولية المشرفة الرافضة للقرار الأميركي بشأن القدس»، مضيفًا أنه «يجب مواجهة القرار الأميركي بالسبل القانونية».
وعلى سياق متصل، صرح وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، إن قرار الرئيس الأميركي «مؤسف ويخالف القرارات الدولية"، بينما وصف وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأنه «خرق لقرارات الشرعية الدولية»، فيما اعتبره وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل «تعديًا غير مسبوق على المقدسات».
وأفاد وزير خارجية لبنان جبران باسيل أمس إنه يجب على الدول العربية النظر في فرض عقوبات اقتصادية على الولايات المتحدة لمنعها من نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وقال إنه يجب اتخاذ إجراءات ضد القرار الأميركي «بدءً من الإجراءات الدبلوماسية، ومرورًا بالتدابير السياسية، ووصولًا إلى العقوبات الاقتصادية والمالية»