لندن ـ كاتيا حداد
كشفت مصادر في الحكومة البريطانية، عن تآمر روسيا لاغتيال رئيس وزراء دولة أوروبية، وإسقاط حكومتها في العام الماضي، وخطط ضباط المخابرات الروسية بدعم من موسكو، لمؤامرة انقلاب يوم الانتخابات، وتم الهجوم على البرلمان في الجبل الأسود، وقتل الزعيم الموالي للغرب بغرض تخريب خطة البلاد، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتم إحباط المؤامرة قبل ساعات من البدء في تنفيذها، إلا أنها كان من الممكن أن تتسبب في إراقة الدماء وإغراق البلد الصغير في حالة من الاضطراب، عشية انضمامها إلى عضوية الناتو لتصبح العضو 29 في الحلف.
وتأتي هذه المزاعم بعد انتقاد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي لحلف الناتو، معتبرًا إياه "مؤسسة الحرب الباردة"، والتي أدى توسعها إلى توترات غير مسبوقة في أوروبا، على مدى 30 عامًا مضت. وبينت مصادر رفيعة في الحكومة البريطانية أن انقلاب الجبل الأسود المخطط تنفيذه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، يعدّ واحدًا من أكثر الأمثلة الصارخة على الحملة الشرسة المتزايدة للتدخل في الشؤون الغربية، ومن المفهوم أن بوريس جونسون وزير الخارجية ونطيره الأميركي ريكس تيلرسون، ناقشا القضية الأسبوع الماضي في أول اجتماع لهم وجهًا لوجه.
ويتعقب الإنتربول حاليًا اثنين من الروس، وتقول حكومة الجبل الأسود إنهم من ضباط المخابرات الذين دبروا المؤامرة، وقضى الاثنان شهرًا للإشراف على تجنيد وتجهيز قوة صغيرة من القوميين الصرب، لمهاجمة مبنى البرلمان متنكرين في زي الشرطة المحلية، وقتل ميلو ديوكانوفيتش رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ونفى الكرملين بشدة أي تدخل، وأوقف المدعي الخاص للجبل الأسود علنًا أي مزاعم بتورط موسكو في المؤامرة، والتي ألقي فيها باللوم على القوميين الروس.
وأوضحت كتلة المعارضة الموالية لروسيا في البلاد، أن الانقلاب المزعوم كان وهميًا، إلا أن وكالات الاستخبارات البريطانية والأميركية، التي دعت لمساعدة سلطات الجبل الأسود كشفت أن لديها أدلة تشير إلى تواطؤ روسي رفيع المستوى. ويتم التحقيق حاليا في المكالمات الهاتفية المشفرة وحركة البريد الإلكتروني وشهادة المتآمرين الذين تحولوا إلى مخبرين، كجزء من تحقيق جنائي شمل 21 متآمرًا متهمين بالإرهاب وإعداد أعمال ضد النظام الدستوري في الجبل الأسود.
وأعلن بريدراج بوسكوفيتش وزير الدفاع في الجبل الأسود، أنه لا شك أن المؤامرة تم تمويلها وتنظيمها من قبل ضباط المخابرات الروسية، بجانب متطرفين محليين، وأضاف أحد المصادر "نحن نتحدث عن مؤامرة للانقلاب على الحكومة بطريقة ما، ولا يمكن أن نتخيل أنه ليس هناك نوع من التوافق"، وتم تصوير نيمانيا ريستيتش أحد المتآمرين المزعومين المطلوبين من قبل سلطات الجبل الأسود، ويقف بجوار سيرغي لافروف أثناء زيارته لصربيا، وتم الكشف عن تفاصيل المؤامرة بعد أن حذّر السير مايكل فالون وزير الدفاع، من تغير خطوات تدخل الكرملين في الدول الغربية خلال عام 2016.
وحذر أليكس يونغر، رئيس جهاز المخابرات البريطانية MI6، في الآونة الأخيرة من محاولات لتخريب الديمقراطية من قبل دول مثل روسيا، والتي تشكل تهديدًا أساسيًا لسيادة لبريطانيا وحلفائها، وجاءت مؤامرة أكتوبر بعد تحذيرات متكررة من موسكو للجبل الأسود، بأنه يجب على البلاد التخلي عن خطط الانضمام إلى حلف الناتو في وقت لاحق هذا العام.
وحرصت موسكو على أن تظل الجبل الأسود التي يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة في مجال نفوذها أو على الحياد على الأقل، وضغطت روسيا في الماضي من أجل الوصول البحري إلى مواني البحر الأدرياتيكي. واشتُبه في الأشهر التي سبقت الانقلاب في الكرملين من خلال تدفق الملايين من الجنيهات في الحملة الانتخابية الموالية لروسيا والتي تديرها الكتلة المعارضة الرئيسية في البلاد، ممثلة في حزب الجبهة الديمقراطية، وأوضح المدعي الخاص في البلاد لجريدة "تليغراف" أن المتآمرين اختلطوا مع متظاهري الجبهة الديمقراطية خارج مبنى البرلمان في عاصمة البلاد بودغوريتشا عند الإعلان عن نتائج الانتخابات، واندست عناصر مرتدية زي الشرطة وفتحت النار على المتظاهرين، بحيث يعتقد المواطنون أن الشرطة الرسمية هي من تطلق عليهم النار، وأضاف المدعي العام بانتيس كاتنيك "حصلنا على أدلة تفيد أن الخطة لم تهدف فقط إلى الحرمان من الحرية لكن أيضا حرمان رئيس الوزراء آنذاك من الحياة".
وحاول مايك بنس نائب الرئيس الأميركي، طمآنة الدول الأوروبية التي تشعر بالقلق من اعتزام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاستغناء عنه في ظل صياغه علاقة جديدة مع فلاديمير بوتين، مشيرًا في مؤتمر الأمن في ميونيخ إلى استمرار دعم الولايات المتحدة لأوروبا، ومحذرًا بشأن ضرورة إنفاق البلدان المزيد على الدفاع، وأعلن بنس أن الرئيس ترامب وعد بالوقوف بجانب أوروبا اليوم وكل يوم، لكنه حذّر من فشل بعض الدول في الحفاظ على وعدها في حلف الناتو بشأن إنفاق 2% من الناتج المحلي على التسليح، وهو ما يقوض معاهدة الدفاع عبر الأطلسي، مضيفًا "الفشل في تلبية إتفاق الناتو يؤدي إلى تآكل أساس تحالفنا، ويتوقع الرئيس الأميركي من حلفائنا الالتزام بكلمتهم وإنجاز هذا الالتزام، ويعني ذلك أنه حان الوقت لفعل المزيد".
ويلتزم 5 أعضاء فقط من الناتو بما في ذلك بريطانيا وأميركا، بإنفاق 2% على التسليح بينما تنفق أكبر القوى الاقتصادية في أوروبا نصف النسبة فقط، وأعلن لافروف للقادة الأوروبيين المجتمعين في مؤتمر ميونيخ، أن روسيا ترغب في إيجاد نظام عالمي للغرب ما بعد الحرب، مضيفًا "ترغب روسيا في إنشاء علاقات براغماتية واحترام متبادل مع فهم مسؤولياتنا الخاصة تجاه الاستقرار العالمي، لدينا إمكانيات هائلة لم يتم الاستفادة منها، ونحن منفتحون لذلك بنفس قدر انفتاح الولايات المتحدة، وأتمنى أن يختار القادة المسؤولون إنشاء نظام عالمي وهو ما يمكن تسميته بالنظام العالمي للغرب ما بعد الحرب".
وبين الجنرال بيتر بافل رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، أن روسيا تقف وراء تقرير كاذب عن اغتصاب الجنود الألمان في ليتوانيا لفتاة عمرها 15 عامًا، بالقرب من ثكنة للجيش الألماني الأسبوع الماضي، موضحًا أن التقرير لا يستند على أحداث حقيقية.
وهيمنت مزاعم اختراق روسيا للتنظيمات السياسية بغرض تقويض الديمقراطية الأميركية على الانتخابات الأميركية 2016 والأسابيع الأولى في إدارة الرئيس ترامب، وتعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية أن الكرملين أمر بسلسلة هجمات إلكترونية استهدفت حملة هيلاري كلينتون بغرض التأثير على التصويت لصالح ترامب، وفي الوقت نفسه أطلق خبراء الدعاية وابلًا من التضليل والأخبار المزيفة على وسائل الإعلام الاجتماعية، وأوضح السيناتور الجمهوري جون ماكين أن النتيجة تمثل هجومًا غير مسبوقًا على الديمقراطية.
وضمت روسيا شبه جزيرة القرم في أوائل 2014 ودعمت الانفصاليين المسلحين في شرق أوكرانيا ما مثل رقمًا قياسيًا جديدًا في عدوان موسكو، بصورة وقحة في ظل حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، أطلقت روسيا حملة متطورة من الهجمات الإلكترونية والدعاية مع تمويل الميليشيات المحلية في الوقت نفسه.
ويطلق المحللون العسكريون على هذه الحملة اسم "الحرب الهجينة"، والتي صممت لتكون غامضة ويمكن إنكارها بما يصعب على الغرب الرد، وهو ما يؤسس لنمط أي تدخل روسي في المستقبل، وتعاني أوكرانيا منذ 3 أعوام من الصراع، الذي لم يحل في الشرق ولم تتمكن من الانضمام إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي.
ويعد اغتيال الجاسوس الروسي السابق في لندن تحت سمع وبصر الحكومة البريطانية مؤشر مبكر على شروع موسكو في مرحلة جديدة من العدوان، وهرب الكسندر ليتفينينكو إلى بريطانيا في عام 2000، وأصبح من أبرز المنتقدين لوكالات الاستخبارات الروسية وبوتين، وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2006 شرب ليتفينينكو شاي يحتوي على مادة البولونيوم 210 وهو عنصر قاتل مشع في مقهى في غرب لندن، خلال لقاءه مع رجال أعمال روس، وتوفى نتيجة التسمم الإشعاعي بعد أيام في وقت لاحق، وأوضح التحقيق الذي تلى الواقعة أنه هناك احتمال قوي أن جهاز الأمن الفيدرالي وهو وكالة الاستخبارات، التي خلفت جهاز KGB السوفيتي نظمت القتل وربما كان ذلك بموافقة بوتين.
وأثارت إستونيا عام 2007 غضب روسيا، عندما قررت نقل نصب تذكاري للجنود السوفييت الذين قُتلوا في الحرب، وبعد خلاف علني تعرضت البلاد إلى ثلاثة أسابيع من الهجمات الإلكترونية ضد أجزاء هامة من الحكومة والإعلام والبنية التحتية المصرفية، ونفت روسيا تورطها في الهجوم إلا أن المسؤولين الإستونيين وحلف الناتو على يقين من تنظيم روسيا للهجوم، واضطر الحادث الناتو إلى تحسين الأمن الإلكتروني وأصبح مقر الدفاع السيبراني حاليا في تالين، وبين خبراء الاستخبارات أنه من الصعب إلقاء اللوم على الهجمات الإلكترونية، ولكن يعتقد أن ذلك جزء من عقيدة روسيا في الحرب الهجينة.
وانقطع إرسال محطة TV5Monde الفرنسية في أبريل/ نيسان 2015 بعد تعرضها لهجوم إلكتروني من مجموعة أطلقت على نفسها " سايبر الخلافة" إلا أن التحقيق الفرنسي أشار بأصابع الاتهام إلى الكرملين، واتهمت وكالة المخابرات الداخلية الألمانية روسيا، بالوقوف وراء الهجمات الإلكترونية على أنظمة كمبيوتر الدولة الألمانية والبرلمان الألماني عام 2015.