طرابلس ـ فاطمة السعداوي
قطع مجلس النواب الليبي شوطًا كبيرًا في مناقشة مواد مشروع قانون الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم للبلاد، إذ حدد يوم الاثنين المقبل موعدًا نهائيًا للتصويت عليه، فيما ينتظر المشروع المرتقب عاصفة من الانتقادات تقودها جبهة الرافضين لطرحه للاستفتاء العام، غالبيتهم من شرق البلاد، في مواجهة المتمسكين بضرورة عرضه أمام الشعب لإبداء الرأي فيه، وهؤلاء ينتمون إلى منطقة الغرب.
وقال مجلس النواب أمس "إنه انتهى من مناقشة مشروع القانون، ووجه الدعوة لأعضائه بضرورة حضور جلسة التصويت عليه".
وأشار عبد الله بليحق المتحدث باسم مجلس النواب، إلى أنه "سيتم التصويت على مشروع قانون الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم للبلاد بعد انتهاء المجلس من مناقشته".
وناقش مجلس النواب خلال الجلسة الماضية بند تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر، وحصول الدستور على أغلبية الثلثين، زائد واحد على مستوى ليبيا، بالإضافة إلى التصويت بـ"نعم" أو "لا"، من دون اشتراط ذكر الأسباب لمن يقول "لا".
وبرزت جهود دولية وأممية خلال الأيام الماضية للدفع بالبلاد نحو الانتخابات، وذلك من خلال دعم مادي وسياسي، وقد عبرت عن ذلك ستيفاني ويليامز، نائبة المبعوث الأممي لدى ليبيا للشؤون السياسية، التي التقت في مقر البعثة بالعاصمة طرابلس، مساء أول من أمس، أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، حيث أكدت دعم البعثة المستمر لعمل الهيئة وللعملية الدستورية في البلاد، وجاء ذلك بالتزامن مع اقتراب انعقاد جلسة البرلمان في الثلاثين من الشهر الحالي.
وبدأت قُبيل أيام من خروج مسودة الدستور من "نفق" البرلمان، تتصاعد حدة المطالب بضرورة الاستفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المرتقبة، إذ رأى عدة نواب من غرب البلاد، وأعضاء بالمجلس الأعلى للدولة، تحدثت معهم جريدة "الشرق الأوسط"، ضرورة إخضاع مشروع القانون للاستفتاء الشعبي.
كما دافعت الهيئة التأسيسية للدستور عن هذا الحق، حيث دعا ضو المنصوري، عضو الهيئة، إلى احترام حق المواطنين في إبداء رأيهم في دستور بلادهم، وقال لـ"الشرق الأوسط"، "إنه لا شرعية لأي انتخابات من دون الاستفتاء على الدستور".
وحذر نوح عبد السيد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مدير مركز الحوار الإنساني في جنيف "روماني غرانغا" استكمالًا لذلك، من "المساس بمشروع الدستور الليبي الذي أقرته الهيئة التأسيسية"، مُرجعًا هذه المخاوف إلى تجاهل "الملتقى الوطني"، الذي نظمه المركز في أنحاء مختلفة من البلاد، دعوة أعضاء الهيئة الموافقين على مشروع الدستور في المناطق التي أقيمت فيها لقاءات الملتقى، مثل بنغازي وطبرق وبني وليد.
واتهم نوح في بيانه "مركز الحوار" بأنه "غير حيادي" لأنه "ينتقي أعضاء الهيئة التأسيسية من الشرق الليبي، وهم جميعًا من المعارضين لمشروع الدستور"، كما تمسك نوح بـ"حق الشعب في تقرير مصيره من خلال الاستفتاء على مشروع الدستور، وقول كلمته الفاصلة، ووضع بصمته القاطعة لكل الجدل، إما بقبول مشروع الدستور ليكون دستورًا نافذًا، أو رفضه".
وتنص "خريطة الطريق"، التي وضعها المبعوث الأممي غسان سلامة على إجراء استفتاء على الدستور، وعقد مؤتمر وطني جامع لجميع الأحزاب والقوى السياسية، وإجراء الانتخابات بحلول نهاية عام 2018.
وذهب إبراهيم الدباشي مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة، في موزاة ذلك، إلى أن "الاستفتاء على الدستور في هذه المرحلة سيؤجل انتقال السلطة إلى مسؤولين جدد نحو سنة كاملة"، وقال "إن هناك شريحة كبيرة في البلاد ترغب في سرعة حل الأزمة عن طريق الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية العام الحالي".
وأضاف الدباشي في مداخلة تلفزيونية، أن "الهيئة التأسيسية لم تستعن بالخبراء في إعداد المسودة، ولم تتواصل بشأنها مع الجمهور، ولم يطرحوا مشروعاتهم للنقاش"، مبرزا أن "الآلية التي تمت بها صياغة المشروع لم تحدث في أي دولة في العالم، خاصة أن المشروع للأسف صيغ في وقت البلد فيه غير مستقر ولم ينزع منه السلاح".
واقترح الدباشي "جعل الإعلان الدستوري أساسًا للعملية الانتخابية المقبلة، وأخذ في الاعتبار مقترحات لجنة فبراير (شباط) وقرار مجلس النواب الخاص باختصاصات الرئيس، والاتجاه مباشرة إلى الانتخابات"، متمنيًا أن ينتخب الشعب أشخاصًا مختلفين عن الفئة التي تحكم اليوم".
ورأى إبراهيم هيبة أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس الأميركية، في السياق ذاته، أن الرؤية المطروحة حول تغيير النظام السياسي، من نظام برلماني إلى رئاسي، أو شبه رئاسي في مشروع الانتخابات، وفي مسودة الدستور "المعيبة" سيدفع البلاد إلى تحويل معادلة الصراع الأهلي والتنافس السياسي إلى معادلة صفرية.