لندن _سليم كرم
أبدى حلفاء الولايات المتحدة انزعاجهم مِن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظات الأخيرة بتأجيل التعريفة الجمركية للألومنيوم والصلب لمدة شهر، إذ تركت الاقتصاد العالمي معلقا، ففي أوروبا لم يُنظر إلى الأمر على أنه منحة أو عطية لكن اعتبرته عدم استقرار يستمر لـ30 يوما ويعطل شبكات الإمدادات العالمية ويقوض فترة نمو قوية غير معتادة.
أوروبا تُعلن عضبها مِن ترامب
يبدو أنّ القادة الأوروبيين الذين دائما ما يتوخّون الحذر غاضبين علنا من الهجوم الحمائي للرئيس ترامب، والذي يستهدف، رغم عقود من التحالف العسكري والقيم المشتركة، ويصطدم نهج الاتحاد الأوروبي الحذر والهادئ في كثير من الأحيان إزاء صنع السياسة بصورة مباشرة بعدم إمكانية التنبؤ والعدوانية لدى ترامب.
وفي هذا السياق، قالت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، في بيان الثلاثاء، إن "قرار الولايات المتحدة يطيل من فترة عدم اليقين في السوق، مما يؤثر بالفعل على القرارات التجارية"، وأكدت على أنها مستعدة لمواصلة التفاوض مع ممثلي ترامب، لكن كان من الصعب رؤية طريقة إيجاد أرضية مشتركة للجانبين.
ويريد البيت الأبيض تقليص ما يصفة بالعجز التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة، كما يسعى إلى الحصول على تنازلات، مثل تخفيض التعريفات على السيارات الأميركية المبيعة في أوروبا، إلا أن الأوروبيين يقولون إنهم سيناقشون مخاوف إدارة ترامب فقط بعد أن تتلقى الكتلة إعفاءً دائما وغير مشروط من التعريفات التي يعتبرونها غير قانونية، إذ أضافت اللجنة الأوروبية "لن نتفاوض تحت التهديد".
الخلاف يظهر فجوة الثقافتين
وأبرزت النغمة الغاضبة على نحو غير معتاد لبيان بروكسل الفجوة الثقافية الكبيرة، إذ تقدم المفوضية الأوروبية المشاورات والإجراءات، في حين تظهر إدارة ترامب ميلا لاتخاذ القرارات الخاصة، ممثلة في تأجيلها في آخر دقيقة للتعرفات في وقت متأخر من الإثنين.
وقال مجتبى رحمن العضو المنتدب في مجموعة يوراسيا الاستشارية في لندن "هناك إحباط كبير من الطريقة التي تتعامل بها الإدارة مع قطاع الأعمال".
ويقول الاقتصاديون إن أكبر خطر على الاقتصاد العالمي لا يتعلق بالتعريفات بقدر ما يتعلق بعدم الأمان الذي يزرعونه بين مديري الأعمال الذين يحاولون التخطيط لشراء أو بيع المنتجات التي تحتوي على الفولاذ أو الألومنيوم، وأظهرت الدراسات الاستقصائية الأخيرة أن الثقة في الأعمال التجارية في أوروبا تنحدر.
وقال جيرد غوتز المدير العام لمجموعة الألمنيوم الأوروبية وهي مجموعة صناعية في بروكسل، في بيان الثلاثاء "لا يزال مستقبل سلاسل قيمنا القوية عبر المحيط الأطلسي متشابكا وفي حالة عدم يقين".
تعهدات بإلحاق الضرر بالمنتجات الأميركية
وأثار النهج الاستفزازي لترامب القلق في أوروبا من أن الانتعاش الاقتصادي الذي طال انتظاره يفقد الزخم، ويضيف التهديد بالحرب التجارية إلى قائمة من المخاطر التي تجعل الشركات أقل استعدادا للاستثمار وخلق فرص العمل، بما في ذلك النهاية الوشيكة لتحفيز البنك المركزي الأوروبي، والخروج البريطاني المخطط من الكتلة والمأزق السياسي في إيطاليا.
ويعدّ الاتحاد الأوروبي التعريفة المخططة على الفولاذ والألمنيوم انتهاكا للمعاهدات الدولية وشكا بالفعل إلى منظمة التجارة العالمية، وعادة ما يكون لها الحكم على المنازعات التجارية.
وتضع الشكوى الأساس اللازم للكتلة لفرض تعريفات انتقامية على قائمة طويلة من المنتجات الأميركية، بما في ذلك الدراجات النارية الزرقاء وبوربون ودراجات هارلي ديفيدسون، في منتصف شهر يونيو/ حزيران.
ألمانيا الأكثر تضررا
وفي الوقت الذي قال فيه المسؤولون في بروكسل إنهم لا يريدون مكافأة انتهاك إدارة ترامب للقواعد الدولية بتنازلات، فإن ألمانيا، البلد الأكثر عرضة للخسارة، أشارت إلى استعدادها لأن تكون أكثر مرونة، حيث يشكل الصلب نحو خمس الصادرات الألمانية خارج الاتحاد الأوروبي، وستتأثر شركات صناعة السيارات الألمانية مثل "بي أم دبليو" بأقسى العوامل إذا عمل ترامب على التهديد بمعاقبة استيراد السيارات.
من جانبها، قالت مارتينا فيتز، المتحدثة باسم الحكومة الألمانية، في بيان يوم الثلاثاء، إنه من المهم بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي مواصلة المحادثات مع الولايات المتحدة وتطوير أجندة تجارية تخدم مصالح الطرفين.
وذهب وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قال في مقابلة مع إذاعة ويتشلاند فونك قبل الإعلان عن تمديد الإعفاء "أنا شخصيا أعتقد بأنه ينبغي علينا تقديم عرض، شيء ملموس، سيكون ذلك أساسا لمزيد من المحادثات"، وكان تصريحه على خلاف مع رفض المفوضية الأوروبية للتفاوض حتى تزيل إدارة ترامب التهديد من تعريفة الصلب والألومنيوم، وأدت احتمالية حدوث خلاف بين برلين وبروكسل إلى احتمال أن ينجح السيد ترامب في زعزعة الوحدة الأوروبية.
واشتكى عضوان من البرلمان الأوروبي الثلاثاء من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قوضا الموقف الأوروبي عندما ناقشا مسألة التجارة مع السيد ترامب أثناء زيارتهما إلى واشنطن في الأسبوع الماضي.
وقال يانيك جادوت وسفين جيغولد، وهما عضوان في جماعة البيئة الخضراء في البرلمان، في رسالة إلى سيسيليا مالمستروم، مفوضة التجارة الأوروبية "هذا التظاهر المفتوح للأولويات الأوروبية المختلفة يبعث على الأسى في وقت التوتر السياسي الشديد".
وبدأت بعض مجموعات رجال الأعمال الألمان في مطالبة أوروبا بالنزاع مع الولايات المتحدة لإعادة فتح المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة واسعة من شأنها أن تقضي إلى حد كبير على الرسوم الجمركية والحد من العقبات التنظيمية، فعلى سبيل المثال من خلال الاتفاق على معايير السلامة المشتركة للسيارات.
وأشار البيان الذي قدمته السيدة فيتز نيابة عن الحكومة الألمانية إلى هذا الموضوع، حيث قال "ستستفيد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تعميق العلاقات التجارية".
واتبعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مثل هذا الاتفاق لسنوات، لكنه كان محكوما إلى حد كبير حتى قبل تولي ترامب السلطة، وذلك جزئيا بسبب المعارضة الشعبية في ألمانيا، ومن شأن إجراء مفاوضات متجددة بشأن اتفاقية شاملة أن يوفر من الناحية النظرية مكانا لمعالجة شكوى السيد ترامب بأن أوروبا تستفيد من العلاقة التجارية أكثر من الولايات المتحدة، وهو نزاع تنازع عليه الاقتصاديون، ولكن فرص مثل هذه المحادثات ربما تكون ضئيلة بسبب ازدراء السيد ترامب للاتحاد الأوروبي وشكاواه بشأن السيارات الألمانية.
وقال السيد ترامب في مارس/ آذار، إنه إذا ردت أوروبا على بعقاب المنتجات الأميركية، فإنه سيفرض ضرائب على الواردات من السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، والتي من الناحية العملية ستضرب قطاع السيارات الألماني.
الصين الفائز في نزاع الطرفين
أما الصين التي دعمت الشركات المملوكة للدولة والقيود على الاستثمار الخارجي منذ فترة طويلة أحبطت السياسيين على جانبي المحيط الأطلسي، حيث تقدم فرصة أخرى لأوروبا والولايات المتحدة لتكوين قضية مشتركة.
وقال السيد رحمن من مجموعة يوراسيا إنه سرا يشعر بعض القادة الأوروبيين بالسعادة لأن السيد ترامب تحدى الصين، التي يشكل اقتصادها الكبير والمتطور بشكل متزايد تهديدا لأوروبا.
وستكون أوروبا سعيدة بالتعاون مع الولايات المتحدة للضغط على الصين في قضايا مثل حماية الملكية الفكرية، ولكن في ظل المناخ الحالي، يبدو من غير المحتمل أن يكون الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قادرين على الانضمام والتعاون معا.
وأضاف السيد رحمن "قد لا تكون الطريقة التي يعمل بها ترامب هي الأكثر فاعلية، لكنه يضعها على جدول الأعمال، وهناك بعض التعاطف، ولكن الأمر صعب للغاية، وتبدو العملية مكسورة تماما".