رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي

يتطلّع العراقيون إلى تحديد مسار بلادهم لعام 2018، ولذلك يجب استثمار إنجازات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التي قام بها، كاسترجاع مدن عراقية، على رأسها الموصل، من قبضة "داعش"، الثانية الانفتاح الفعلي على العالم العربي من خلال توطيد العلاقات مع المملكة العربية السعودية والانفتاح على دولة الإمارات وفتح الحدود مع السعودية والأردن، والثالثة تخطي استفتاء إقليم كردستان ومنع تقسيم العراق وبناء تحالف سياسي على أسس توجه استراتيجي سياسي يجمع بينه وبين عناصر عراقية بعيداً عن التعريف الضيق للمصالح السياسية .

يتوجب إعادة إعمار ترميم المدن والمجتمع من خطر ترك مدن وقرى بسكانها من دون مأوى ، مما سيؤثر على إمكانية خروج جماعات مسلحة متطرفة أخرى، كما أنه ما زال 1.1 مليون عراقي نازح في بلاده يبحث عن عودة إلى منزله وحياة كريمة. لا يوجد شك في أن هناك وعياً عراقياً ودولياً من هذا الخطر، ومؤتمر المانحين المرتقب عقده في الكويت في فبراير (شباط) المقبل يعتبر فرصة لانطلاق العام المقبل لتحريك المجتمع الدولي على تمويل جزء من إعادة الإعمار، ولكن لا يمكن للمؤتمر أن يقوم بواجب إعادة تأهيل المجتمع ومعالجة الشرخ الاجتماعي الذي سعى "داعش" إلى تحقيقه .

ووصل العراق إلى عام 2018 وهو أكثر تماسكا مما كان عليه في السنوات الثلاث الأخيرة، فحكومته تبدو أكثر عقلانية وانفتاحا في علاقاتها الداخلية والدولية، وقواه الأمنية والعسكرية التي حقتت الانتصار في الميدان وتمتلك المبادرة لهزيمة التطرّف وتثبيت سيطرة الدولة على الأرض، والمخاوف الاقتصادية خفت حدتها قليلا مع برنامج القروض الدولية والتحسن الحاصل في أسعار النفط بعد اتفاق المنتجين على خفض سقف الإنتاج، والمشاعر الشعبية تزداد وطنية وبعدا عن الانتماءات الفرعية، وحركة النزوح الداخلي بدأت تأخذ اتجاها عكسيا بعودة النازحين إلى مناطق سكناهم الآمنة، ولكن هذه المؤشرات الإيجابية يجب أن لا تخدع المراقبين للوضع في العراق، فضلا عن صناع القرار والشعب في هذا البلد، فالعراق ما زال في دائرة الخطر ولم يغادرها، والخوف من الأسوأ ما زال –أيضا- حاضرًا بقوة ويسمح بتخيل كل الاحتمالات.

ويتمثّل التحدي الأول في كيفية إعادة الحياة لمناطق نكبها "داعش". خطر ترك مدن وقرى بسكانها من دون إعادة إعمار وإعادة ترميم المجتمع يعني إمكانية خروج جماعات مسلحة متطرفة أخرى. كما أنه ما زال 1.1 مليون عراقي نازح في بلاده يبحث عن عودة إلى منزله وحياة كريمة. لا يوجد شك في أن هناك وعياً عراقياً ودولياً من هذا الخطر، ومؤتمر المانحين المرتقب عقده في الكويت في فبراير (شباط) المقبل يعتبر فرصة لانطلاق العام المقبل لتحريك المجتمع الدولي على تمويل جزء من إعادة الإعمار. ولكن لا يمكن للمؤتمر أن يقوم بواجب إعادة تأهيل المجتمع ومعالجة الشرخ الاجتماعي الذي سعى لتحقيقه "داعش"، وهناك مساعٍ من بعض الأطراف الى تهدئة الساحة السياسية يقف على رأسها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وزعامة التحالف الوطني الجديدة، تدعمهما قوى من مختلف المكونات إلا أن هذا التوجه ليس مرحبا به تماما من جميع الأطراف، ومن قيادات رئيسة تحولت من مجرد قيادات سياسية إلى قيادات سياسية-عسكرية بشكل أو آخر.

وبدأ رئيس الوزراء حيدر العبادي ولايته الحالية في سبتمبر-أيلول عام 2014 بتعهدات صريحة قدمها لشعبه في محاربة الفساد الإداري والمالي المتغلغل في جسد الدولة حتى لو اقتضى تحقيق هذا الهدف التضحية بنفسه، ولكن مع دخول عام 2018 لا زال البلد يحتل مراكز الصدارة في الفساد الإداري والمالي، ولا زالت حيتان الفساد -كما سماها العبادي- آمنة على مواقعها وبعيدة عن قدرة الحكومة على محاسبتها ومعاقبتها، مما يدل على عمق نفوذها وتأثيرها في مؤسسات الحكومة، ان مشكلة الفساد تتمثل في أنه يفسد برامج الحكومة وخططها، ويضعف أدائها، فيقطع جسور الثقة بينها وبين مواطنيها؛ لأنه يمنعها من تحسين مستوى معيشة شعبها، لتكون النتيجة إدارة حكومية مشلولة وغير فاعلة مهما كانت إمكانيات ونوايا القائمين عليها. وضعف الحكومة يشكل خطرا كبيرا على نجاح تجربة الديمقراطية الناشئة في العراق، فالديمقراطية من دون حكومة قوية تحميها مجرد شعارات وأمنيات غير واقعية، ولا يمكن لحكومة ان تكون قوية بدون امتلاكها للقدرة على تنقية مؤسساتها من الفاسدين الذين يخربونها من الداخل.

وتورّط جميع جيران العراق منذ عام 2003 إلى الوقت الحاضر بشكل أو آخر بالتدخل في شؤونه الداخلية على حساب مصلحته الوطنية العليا، ومن الثمار السيئة لتدخلهم هو ولادة داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية المدمرة، واستمرار هذه التدخلات ينذر ببقاء البلد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية التي يتحمل ضريبتها الباهظة شعب العراق لا غيره. أن خطر البيئة الخارجية السلبية لا يمكن إغفاله، والاستهانة به، فلا استقرار للعراق في ظل هكذا بيئة غير مؤاتيه، ولا يمكن ردع التدخل الخارجي ما لم يمتلك العراق عوامل القوة الكافية التي تنذر جيرانه بعواقب وخيمة تصيبهم جراء أي خطوات معادية يتخذونها ويترتب عليها تهديد امنه الوطني، والتخلص من داعش لم ولن يكون هدف العراقيين، بل هو وسيلتهم إلى بناء دولتهم، واستعادة زمام المبادرة بأيديهم، والخطر الحقيقي في أن تتحول الوسيلة إلى هدف، فتمضي القيادات العراقية على اختلاف مسمياتها ومعها شعبها إلى تحرير بلدها من سيطرة القوى الإرهابية، دون أن تعرف ماذا يجب أن تعمل بعد ذلك، فيوقعها ذلك في دوامة مستمرة من الإرباك والفوضى مجهولة النتائج.

ويعتبر وجود تصوّر لبناء الدولة العراقية داخليا وخارجيا أمر مهم في المرحلة المقبلة؛ لأنه يمثل البوصلة الهادية للقيادات والناس-على حد سواء- لتحديد خياراتهم المستقبلية، وبدونها ستكون هذه الخيارات غير معلومة، وعندها سيغيب الإدراك الوطني لما هو مطلوب من الجميع أن يفعلوه من اجل الحفاظ على مكتسباتهم، وبلوغ تطلعاتهم، وهذا الخطر يمثل أسوء سيناريو يضع فيه أي سياسي شعبه ودولته؛ لأنه لا يدل على محدودية قدراته فحسب، وإنما يدل على عجزه عن القيادة، لتكون النتيجة فتح الأبواب مشرعة لكل ما يهدد أمن البلاد ومصالحها العليا.

ومن اجل تحويل المؤشرات الإيجابية في الوضع العراقي إلى مرتكزات مهمة لبناء الدولة، تسهم في تذليل العقبات والمخاوف التي تعترض طريقها توجد ثلاث استراتيجيات فرعية من المفيد جدا الالتفات إليها من قبل صانع القرار والقوى المؤثرة وهي، استراتيجية تعزيز الهوية الوطنية العراقية: تبرز أهمية هذه الاستراتيجية من خلال إعلائها لنزعة المواطنة كرابطة مهمة بين العراقيين تسمو على ما عداها من روابط قومية وطائفية وفئوية ممزقة للنسيج الاجتماعي، وهذه الحقيقة لم تكن غائبة أو مجهولة من قبل النخبة العراقية الحاكمة بعد 2003، ولكنها كانت مهملة ويتم التضحية بها لحساب هويات فرعية محددة، فكانت النتيجة غرسا للكراهية القومية والدينية والطائفية، لعب التطرّف على وترها بنجاح لينتج دمارا مرعبا على المستوى الإنساني والاقتصادي، أن قيمة تعزيز الهوية الوطنية تنبع من أنها متى ما علت على ما سواها فأنها تشعر الناس بالانتماء لوطنهم، وهذا الانتماء كفيل بخلق الولاء له بينهم لحمايته والمحافظة عليه. ولكن العمل بهذه الاستراتيجية لا يكون بدون خطة، أو مجرد شعارات لفظية وقتية، بل يتطلب عملا مدروسا وبرنامجا متكاملا، يأخذ في الحسبان الأسباب التي تضعف شعور المواطن بهويته الوطنية الجامعة؛ للعمل على تجاوزها أو على الأقل تخفيفها لبدأ صفحة القبول المتبادل من الجميع للجميع، والممهدة لمرحلة الاحترام المتبادل بينهم، وصولا إلى الإيمان بالتعايش المتبادل بينهم بصرف النظر عن عقد الماضي ومآسيه، وعن الانتماءات الضيقة الناتجة عنه. وقد تطول مدة تنفيذ هذه الاستراتيجية إلا انه لا غنى عنها من اجل عراق آمن موحد، و- استراتيجية شاملة وموحدة للأمن الوطني، فعندما تسأل القيادات الأمنية والعسكرية عن الاستراتيجية الأمنية العليا للعراق تتفاجأ بجهل هذه القيادات بها؛ لأنها صراحة لا تمتلك هكذا استراتيجية، وهذا خلل خطير في البنية الأمنية للدولة، إذ لا يمكن تصور عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية لأي دولة بدون استراتيجية شاملة موحدة ترسم لها الأهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة، كما تحدد لها آليات الوصول إليها. أن وجود هكذا استراتيجية يعد من المرتكزات المهمة لبناء العراق في مرحلة ما بعد داعش، ومن الضروري الإسراع بوضعها وتنفيذها على الأرض بفاعلية، وأي استراتيجية أمنية مطالبة بالوصول إلى وحدة القيادة والسيطرة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية لضمان تكامل العمل فيما بينها، واحتواء الوجود العسكري خارج سيطرة الدولة، فضلا عن تحديد سبل التعامل مع الصراعات الإقليمية والدولية انطلاقا من قاعدة أولوية الحفاظ على الأمن الوطني العراقي.

وحكمت الأحداث المؤلمة التي شهدها العراق في سنواته الأخير على أن واحدا من الأسباب الرئيسة لحصولها هو انقسام وتنازع الخطاب السياسي-الديني بين مكوناته الرئيسة، وعليه يمكن إدراك أن الحل الأساس لهذه المشكلة يقتضي توحيد لغة هذا الخطاب، وهذه المهمة يلعب الدور الرئيس فيها رجل الدين ابتداء من اصغر أمام جماعة وصولا إلى المرجعيات الرئيسة لكل المكونات، كما يلعبه رجل السياسة ابتداء من ابسط سياسي وصولا إلى الزعامات السياسية المؤثرة، ولا يعفى احد من هذه المسؤولية؛ فخطاب الكراهية نتج عن شد سياسي-ديني، والقضاء عليه لا يكون إلا بخطاب سياسي-ديني مغاير، وعلى الحكومة العراقية والقوى السياسية والدينية النافذة التحرك بقوة من اجل تقريب وجهات النظر للاتفاق على الخطوط العامة من خلال برامج متعددة ومدروسة تنتهي بالتزام الجميع بخطاب سياسي-ديني موحد يحقق المصالحة المجتمعية ويجرم كل سياسي ورجل دين أو مواطن يخرق ثوابته، من خلال التأكيد على أن أي خطاب يغرس الكراهية ويستبيح المحرمات لا يقره أي دين أو سياسة حكيمة وصاحبه مجرم يجب أن يعاقب، ومن خلال ما تقدم، يمكن القول إن سنة 2018 مفصلية في تاريخ العراق؛ لكونها ليست سنة ترقب للإحداث وإنما سنة فعل ومبادرة، تحتاج إلى عمل مضني وواع من صانع القرار والنخب المؤثرة كافة، فما سيحصل فيها سيحكم على قدرة العراقيين على حماية دولتهم واستمرارها ونجاح تجربتها الديمقراطية الوليدة.