دمشق - نور خوام
بدأ سريان اتفاق آستانة عن "المناطق الهادئة" في سورية، الذي وقّعته روسيا وتركيا وايران، عند منتصف الليلة الماضية، بعدما أعلنت روسيا أن مناطق تخفيف التصعيد ستغلق أمام طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مع تأكيدها أنها ستواصل القتال ضد تنظيم "داعش" وجبهة النصرة، وأعربت وزارة الخارجية الأميركية عن تشكيكها في الاتفاق، إلا أنّها تؤيد "أي جهد" يمكن أن يمثّل تحركًا حقيقيًا نحو السلام في البلاد .
وأكّد المبعوث الروسي إلى محادثات السلام السورية في آستانة، ألكسندر لافرنتييف، أنّ موسكو مستعدة للعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة والسعودية لحل الأزمة السورية، وكشف نائب وزير الدفاع الروسي، ألكسندر فومين،أن موقف الولايات المتحدة هيأ الأجواء لتسوية سياسية في البلاد، مشيرًا إلى أن حصول الاتفاق على دعم الأمم المتحدة وأميركا والسعودية يضمن تنفيذه.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، الجمعة، أن الوزير سيرغي لافروف ناقش مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون قضايا تتعلق بتهدئة الوضع في سورية عقب محادثات آستانة، وأن الوزيرين ناقشا سبل تحقيق الاستقرار في عملية وقف إطلاق النار وإجراء المزيد من الاتصالات الروسية - الأميركية.
وشدّدت المعارضة السورية، منذ اللحظة الأولى، على عدم قبولها باتفاق "المناطق الهادئة"، وبإيران كدولة ضامنة له، معتبرة أن الاتفاق أتى ليقفز على أي حل سياسي ويمهّد إلى التقسيم، ووصف المتحدث باسم الهيئة العليا التفاوضية، رياض نعسان آغا، الاتفاق بالمعيب، مبدياً تخوفه من تحويل مسار المفاوضات السياسية والانتقال السياسي إلى فرض التقسيم أمرًا واقعاً.
واعتبر آغا أن تسمية "المناطق الهادئة" هي "التفاف على الحقائق"، سائلا "لماذا لم يعلنوا وقفا شاملا لإطلاق النار يتضمن كل المناطق السورية، أو إعادة إحياء أو تثبيت اتفاق وقف النار السابق الذي كانت موسكو هي الضامنة له وهي أول من خرقته؟، وكأنهم يقولون بذلك، بدل أن نقصف بالكيميائي سنقصف بالصواريخ والقذائف وبدل أن نقتل 200 شخص سنقتل 20".
وستقام "مناطق تخفيف التصعيد" وفي محيطها مناطق أمنية في 8 من أصل 14 محافظة سورية تتواجد فيها فصائل المعارضة، ولا تشمل المذكرة محافظتي دير الزور والرقة التي يتواجد فيهما تنظيم "داعش"، كما تؤكد ضرورة مواصلة القتال ضد المتشددين، ولن تكون هناك مناطق "تخفيف التصعيد" في المحافظات الخاضعة تماما إلى القوات الحكومية السورية وهي دمشق وطرطوس والسويداء.
وتعتبر محافظة ادلب، التي يسيطر عليها تحالف فصائل اسلامية ومتشددة بينها جبهة فتح الشام "جبهة النصرة سابقا"، أبرز المناطق المدرجة في الاتفاق، بجانب أجزاء من محافظات اللاذقية "غرب" وحماه "وسط" وحلب "شمال"، من دون ان تحدد المذكرة تلك الاجزاء، وتسيطر الفصائل المعارضة على مناطق في ريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي والقسم الاكبر من ريف حلب الغربي واجزاء من ريفها الشمالي، وجميع تلك المحافظات محاذية لادلب.
ويضم الاتفاق أجزاء في ريف حمص الشمالي حيث تسيطر الفصائل المعارضة على بعض مناطقه، وفي الغوطة الشرقية، التي تعد معقل الفصائل المعارضة وخصوصا "جيش الاسلام" قرب دمشق، وقد خسرت الفصائل المعارضة خلال العام الماضي مساحات جغرافية واسعة من الغوطة لكنها لا تزال تسيطر على المدن الاساسية ومنها دوما وعربين وحرستا، بجانب أجزاء من جنوب سورية، في محافظتي درعا والقنيطرة، حيث تسيطر الفصائل المعارضة على غالبية محافظة درعا باستثناء مناطق في الريف الشمالي واجزاء من المدينة مركز المحافظة، كما تسيطر الفصائل المعارضة على الجزء الاكبر من محافظة القنيطرة، وتتواجد مجموعة موالية لتنظيم داعش في أجزاء صغيرة من المحافظتين.
وبيّن الجنرال سيرغي رودسكوي من هيئة الاركان العامة الروسية ان هذه المناطق يعيش فيها 2,67 مليون مدني و41500 مقاتل، وأفاد الخبير في شؤون سورية الجغرافية فابريس بالانش ان هذه المناطق تمثل 20% من الاراضي غير الصحراوية في سورية اي 24 ألف كيلومتر مربع من أصل 95 ألفا، يعيش فيها 2,4 مليون شخص.
وتؤكد المذكرة الموقعة من الدول الضامنة، تركيا الداعمة للمعارضة وروسيا وايران حليفتي دمشق، انها عبارة عن "اجراء مؤقت مدته ستة اشهر" قابلة للتمديد بموافقة الضامنين، ويجدر على الضامنين وبعد اسبوعين من توقيع المذكرة تشكيل "مجموعة عمل مشترك" لترسيم حدود المناطق المعنية والبت في قضايا تقنية وعملانية مرتبطة بتنفيذ المذكرة، وبحلول الرابع من يوليو 2017 الانتهاء من وضع الخرائط، وفي مناطق تخفيف التصعيد، سيتم بشكل أساسي "وقف اعمال العنف بين الاطراف المتنازعة "الحكومة السورية والمجموعات المعارضة المسلحة التي انضمت او ستنضم الى اتفاق وقف اطلاق النار" بما في ذلك استخدام اي نوع من السلاح ويتضمن ذلك الدعم الجوي"،
وأكدت موسكو ان وقف الطيران في المناطق المعنية يشمل ايضا طائرات التحالف الدولي قيادة واشنطن التي تستهدف المتشددين في سورية منذ 2014، كما سيتم العمل على ضمان وصول المساعدات الانسانية والطبية وتأهيل البنية التحتية ووضع الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين الراغبين، وعلى طول حدود "مناطق تخفيف التصعيد"، سيتم انشاء "مناطق أمنية" تتضمن حواجز ومناطق مراقبة الهدف منها تفادي اي حوادث او مواجهات بين الاطراف المتنازعة، ومن المفترض، وفق المذكرة، ان تؤمن قوات من الدول الضامنة الحواجز ومراكز المراقبة وادارة "المناطق الامنية"، كما من الممكن ان يتم "نشر اطراف اخرى في حال الضرورة"، وعلى الدول الضامنة اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لضمان تقيد الاطراف المتنازعة بوقف اطلاق النار الهش الذي توصلت اليه تركيا وروسيا في نهاية ديسمبر/كانون الأول .
وتشدد المذكرة على ضرورة اتخاذ الدول الضامنة "كافة الاجراءات اللازمة داخل وخارج مناطق تخفيف التصعيد لمواصلة القتال ضد داعش وجبهة النصرة" وكافة المجموعات المرتبطة بهما، كما على الضامنين العمل على فصل فصائل معارضة عن "المجموعات الارهابية" التي تحددها بـ"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش".
وقال الجنرال سيرغي رودسكوي من هيئة الأركان العامة الروسية إن طيران الجيش الروسي أوقف عملياته في "مناطق تخفيف التصعيد" في سورية، التي حددتها مذكرة اتفاق وقع بين بلاده وإيران وتركيا في أستانة عاصمة كازاخستان، منذ مطلع شهر أيار/مايو الجاري.
وأعلن الجيش الروسي الجمعة أنه توقف تماما في الأول من أيار/مايو عن قصف "مناطق تخفيف التصعيد" التي سيتم تحديدها مطلع حزيران/يونيو في العديد من المناطق السوري، وأفاد رودسكوي أنّه "منذ الأول من أيار/مايو منتصف الليل، أوقف طيران الجيش الروسي عملياته في ’مناطق تخفيف التصعيد‘ كما حددتها مذكرة أستانة".
وبيّن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أنه "منذ بداية شهر أيار/مايو، لم يسجل تنفيذ الطائرات الروسية أي غارة"، واعتمدت روسيا وايران، حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد وتركيا التي تدعم المعارضة، في كازاخستان الخميس خطة روسية لإقامة أربع مناطق آمنة حيث يجب أن يتوقف القتال لصالح هدنة دائمة، وأوضح رودسكوي أن المناطق المقترحة تقع في محافظة إدلب، شمال محافظة حمص، ومنطقة الغوطة الشرقية قرب دمشق ومنطقة في الجنوب تشمل محافظتي درعا والقنيطرة، وعلى طول حدود "مناطق تخفيف التصعيد" المذكورة آنفا، ستكون هناك "مناطق أمنية" مع نقاط تفتيش ومراكز مراقبة لرصد منافذ آمنة تديرها الدول الضامنة الثلاث.
وكشف الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، عن ارتياحه للاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وإيران وتركيا حيال إنشاء مناطق آمنة في سورية تهدف إلى إرساء وقف لإطلاق النار في بعض المناطق، معربًا عن أمله في "أن يصب هذا الاتفاق في مصلحة الشعب والدولة في سوريا وأن ينهي معاناة المدنيين العزل التي طالت لسنوات، في اطار وحدة سورية".
ويولي أبو الغيط أهمية كبري لمبدأ الحفاظ على وحدة أراضي سورية وسلامتها الاقليمي، ومن هنا فإنه يري ضرورة التنبه الي خطورة أن يرسخ هذا الاتفاق واقعا فعليا على الأرض قد يترتب عليه ما يهدد هذا المبدأ المحوري والذي يعد أحد المباديء الاساسية، وأوضح أبو الغيط أنّ "الضمان الحقيقي لوحدة سورية في هذا الظرف التاريخي الدقيق يأتي من خلال الإشراف الدولي تحت مظلة الامم المتحدة ممثلا في قرار من مجلس الأمن يضفي الشرعية الدولية على الاتفاق الموقع"، بدروه، رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالاتفاق الذي تمنى أن "يحسن فعليا حياة السوريين".