القاهرة – أكرم علي
توفي الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، الأربعاء ، بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 93 عامًا. بعد أن تدهورت حالته الصحية خلال الأسابيع الماضية، وأجرى العديد من الفحوصات والأشعة كونه يعاني من "فشل كلوي"، واستلزم إجراء عميلة غسيل كلى أكثر من مرة، خلال الأسبوع الماضي.
وولد هيكل عام 1923، بقرية باسوس إحدى قرى محافظة القليوبية، واشتغل في الصحافة منذ عام 1942، بالتحاقه بقسم الحوادث في صحيفة "الإيجيبشان جازيت"، ثم عمل بصحيفة الأهرام حتى تولى رئاسة تحريرها في عهدي الرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات.
وتولى وزارة الاعلام عدة مرّات كما كان مقاله الأسبوعي تحت عنوان "بصراحة" كل يوم جمعة على صفحة كاملة في صحيفة "الأهرام" محل انتظار السياسيين واليبلوماسيين وقادة الأي والأحزاب في مصر والالم العربي وعواصم القرار في العالم تبعا" لما كان يتضمنه من معلومات دقيقة وأسرار عربية ودولية تكشف لمرة الأولى ولما تحمله من رسائل بالغة الأهمية للقادة العرب ولكثيرمن دول العالم لقربه المباشر من رئاسة الجمهورية في مصر خاصة خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر حتى بات أكثر من يعبر عن السياسة العليا في مصر خلال تلك المرحلة . وعرف الصحافي الكبير الراحل بصداقاته الواسعة مع عدد كبير من الملوك والأمراء والرؤساء العرب وقادة دول افريقيا والعالم الثالث وكدلك مع كبار المسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأميركا اللاتينية وعلاقاته الوطيدة مع المعاهد الاستراتيجية الدولية وكثيرا" ما كان يساهم في رسم السياسة الخارجية لمصر وعرف عنه مساهمته في صياغة كتاب الميثاق الذي شكّل دليل عمل للسياسة المصرية لعشرين عاما" عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 على يد الضباط الأحرار . ونشر محمد حسنين هيكل سلسلة من الكتب الهامة التي تشكل ذاكرة الحياة السياسية العربية مثل "سنوات الغليان" كما نشر كتابا" عن حرب أكتوبر وأخر عن الثورة الايرانية بعنوان"مدافع ايات الله" الى عشرات المؤلفات التي كانت تترجم الى عدة لغات عالمية وتتولى نشرها وتوزيعها احدى أهم دور النشر في بريطانيا وكان هيكل يتقن عدة لغات أبرزها الانكليزية والفرنسية ويتمتع حتى اخر أيامه بداكرة نفاذة تلمّ بأدق التفاصيل ويحفظ, كما قال في احدى مقابلانه التلفزيونية , عشرة الاف بيت من الشعر العربي.
ونعى عمرو موسي الأمين عام السابق لجامعة الدولة العربية، الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، مؤكدا أنه كان شخصية مصرية استثنائية وخاصة في مجال الإعلام والتعبير عن الرأي، مؤكدا في تصريحات متلفزة أن صلته بهيكل جعلته يحزن عليه كصديق، موضحا أنه الكاتب الصحفي الكبير ظل يؤرخ ويعبر عن رأيه بكل حرية طوال حياته .
ويعد الراحل محمد حسنين هيكل الصحافي الأشهر في مصر طوال العقود الماضي حيث تربع على عرش الكتابة فيها، وكان نجما تلاحقه الفضائيات لتحصل منه على ما يرويه من قصص تاريخية كان شاهدا عليها مع الرؤساء الراحلين ولقاءاته مع المسؤولين الكبار.
وقرر هيكل تطوير نفسه وتحقيق رغبته في العمل بالصحافة، ولذلك واصل دراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأميركية، وخلالها كانت النقلة التي غيرت مجرى حياته، ثم تعرف هيكل خلال تلك الفترة على سكوت واطسون الصحافي المعروف بـ"الإيجيبشان جازيت" وهي صحيفة مصرية باللغة الإنجليزية، ونجح واطسون في إلحاق هيكل بالجريدة في 8 فبراير 1942، كصحافي تحت التمرين بقسم المحليات وكانت مهمته العمل في قسم الحوادث، وحقق هيكل أول خبطة صحافية في حياته في تلك الجريدة وكانت خاصة بفتيات الليل، إذ حدث في تلك الفترة أن أصدر عبد الحميد حقي وزير الشؤون الاجتماعية وقتها قرارا بإلغاء البغاء الرسمي في مصر، وكان سبب هذا القرار إصابة عدد من جنود الحلفاء بالأمراض التي انتقلت إليهم من فتيات الليل، فكان أن اتفق الإنجليز وحكومة الوفد على إصدار القرار الذي أثار الجنود كما أثار فتيات الليل وتم تكليف هيكل بلقاء فتيات الليل وحصل منهن على معلومات خطيرة هزت الرأي العام.
وبعد نجاح هيكل في تلك المهمة، كانت النقلة الأهم في حياته حين وقع عليه الاختيار ليذهب إلى العلمين ليغطي وقائع الحرب العالمية الدائرة هناك وبعدها سافر ليغطي الحرب في مالطا ثم إلى باريس التي التقى فيها بفاطمة اليوسف صاحبة مجلة روز اليوسف والتي قررت أن تنقل الصحافي الموهوب إلى مجلتها، ليصبح هيكل في عام 1944 صحافيا في مجلة روز اليوسف وهناك تعرف على محمد التابعي، لينتقل معه إلى صفحات آخر ساعة.
وفي 18 يونيو 1952 فوجئ قراء مجلة آخر ساعة بعلي أمين رئيس تحرير المجلة يخصص مقاله للحديث عن هيكل، وينهيه بأنه قرر أن يقدم استقالته ويقدم هيكل رئيسا للتحرير، وهكذا أصبح هيكل رئيسا لتحرير آخر ساعة، ولم يكن تجاوز التاسعة والعشرين من عمره، وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 ولبراعته الخاصة كان هيكل أكثر الصحافيين قربا للرئيس جمال عبد الناصر ووصلت العلاقة بينهما الى ما يشبه الصداقة الحميمية التي جعلت هيكل يتبوأ مكانه كأكبر صحافي وله علاقات واسعة بدوائر صنع القرار في مصر والعالم العربي وازدادت العلاقة قربا بينه وبين جمال عبد الناصر ليصبح هيكل بعد فترة هو المتحدث الرسمي باسم حركة الضباط الأحرار، وليكون أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو.
في الفترة من 1956 إلى 1957 عرض عليه مجلس إدارة الأهرام رئاسة مجلسها ورئاسة تحريرها معا، واعتذر في المرة الأولى ثم قبل في المرة الثانية، وظل رئيساً لتحرير جريدة الأهرام حتى عام 1974، وظهر أول مقال له في جريدة الأهرام "بصراحة" يوم 10 أغسطس 1957 بعنوان السر الحقيقي في مشكلة عُمان، و كان آخر مقال له في 1 فبراير 1974 بعنوان الظلال.. والبريق