نابولي ـ لينا عاصي
تجوب الغواصات الهجومية الروسية الأشرس منذ عقدين من الزمان, سواحل الدول الاسكندنافية واسكتلندا وكذلك البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الشمالي، وهو ما يعتبره مسؤولون عسكريون غربيون زيادة كبيرة في التواجد تهدف إلى إستعراض القوة وتحدي هيمنة الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي تحت سطح البحر.
وقال الاميرال مارك فيرغسون قائد القوات البحرية للولايات المتحدة في أوروبا، بأن كثافة دوريات الغواصات الروسية إرتفعت بنسبة 50 بالمئة خلال العام الماضي، وذلك نقلاً عن تصريحات علنية من قبل قائد البحرية الروسية الأميرال فيكتورشيركوف. فيما يقول محللون بأن الوتيرة لم تتغير منذ ذلك الحين. وتعد الدوريات هي الإشارة الأكثر وضوحاً علي تجدّد الإهتمام بحرب الغواصات من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، الذي تنفق حكومته المليارات من الدولارات من أجل بناء فئاتٍ جديدة تعمل بواسطة وقود الديزل، فضلاً عن الغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية وتعد أكثر هدوءاً، وأفضل تسليحاً ويقوم بتشغيلها أطقم أكثر كفاءة مما كانت عليه في الماضي.
وتشكل التوترات جزءاً من التنافس الموّسع والبناء العسكري، مع أصداء الحرب الباردة ما بين الولايات المتحدة وروسيا. حيث تعمل موسكو علي إستعراض قوتها ليس فقط في شمال المحيط الأطلسي، وإنما أيضاً في سورية وأوكرانيا، مع بناء ترسانتها النووية وقدرات الحرب الإلكترونية في محاولة كما يقول عنها مسؤولون عسكريون أميركيون لإثبات وجودها بعد سنوات من التراجع الاقتصادي والتقشف.
ويرى محلّلون عسكريون أميركيون مستقلون زيادة دوريات الغواصات الروسية تحديا شرعياً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. فحتي مع كون التوترات لا تستمر كثيراً، إلا أن هناك إحتمالا" بوقوع حوادث وسوء تقدير. ولكن مهما كان حجم التهديد، فالبنتاغون أيضا يستخدم تصعيد الدوريات الروسية كحجة أخرى لميزانيات أكبر للغواصات والحرب المضادة للغواصات.
ويقول مسؤولون في البحرية الأميركية بأنه وعلي المدى القصير، فإن العدد المتزايد من الغواصات الروسية، وقدرتها في التغطية على السفن الغربية والسواحل الأوروبية، سوف يتطلب المزيد من السفن والطائرات والغواصات لرصدها. ومن ثم، فقد خصصت وزارة الدفاع الأميركية مبلغ 1,8 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة من أجل زيادة " قدرات البحر"، بما في ذلك بناء تسع غواصات جديدة هجومية من الفئة فرجينيا Virginia التي يمكن أن تحمل ما يصل الى 40 صواريخ كروز توماهوك Tomahaw، أي أكثر من ثلاثة أضعاف القدرة الحالية.
وكانت طائرات حربية روسية حلقت مراراً الإسبوع الماضي بصورة عدائية أعلى مدمرة بحرية في بحر البلطيق، بحسب ما قال مسؤولون أميركيون والذين قالوا بأن هذه الطائرات لم يكن يفصلها في أحدى المرات عن السفينة الحربية سوى 30 قدماً. كما قامت بعض الغواصات الروسية الجديدة التي تعمل بوقود الديزل في العام الماضي بإطلاق أربعة صواريخ كروز على أهداف في سورية. فيما يتضمن أيضاً برنامج الرئيس بوتين للتحديث العسكري صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات فضلاً عن طائرات ودبابات وأنظمة للدفاع الجوي.
وتمتلك روسيـا حوالي 45 غواصة هجومية - يعمل 20 منها بوقود الديزل بينما بقية الغواصات يتم تشغيلها نووياً – والمصممة لإغراق غواصات أو سفن أخرى إلي جانب جمع معلومات إستخباراتية وتنفيذ دوريات. إلا أن محللين في القوات البحرية بدول الغرب يقولون بأن نصف عدد هذه الغواصات فقط هي القادرة علي الإنتشار في أي وقت، حيث يبقي أكثرها بالقرب من روسيـا.
أما الولايات المتحدة الأميركية فتمتلك 53 غواصة هجومية تعمل جميعها بالطاقة النووية، إضافةً إلى أربع غواصات نووية أخر بإمكانها حمل صواريخ موجهة وقوات للعمليات الخاصة. ويتواجد ثلث هذه الغواصات الهجومية الأميركية تقريباً في البحر للإستدعاء في أي وقت إما في دوريات أو للتدريب، مع خضوع غواصاتٍ أخري للصيانة. ويقول مسؤولون في البحرية الأميركية ومحللون من الغرب بأن الغواصات الهجومية الأميركية التي تتميز بالتحمل والسرعة في الإنتشار تتفوق على نظيرتها الروسية.
وتعمل وزارة الدفاع الأميركية أيضاً على تطوير تكنولوجيا لمراقبة الإتصالات المشفرة من الغواصات الروسية وأنواع جديدة، وكذلك سفن يتم التحكم بها عن بعد. بينما يخطط أعضاء حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك بريطانيا وألمانيا والنرويج في نفس الوقت إلى شراء غواصاتٍ جديدة رداً على تحدي الكرملين وإستعراضه للقوة في بحر البلطيق ومنطقة القطب الشمالي.
وتتواجد الغواصات الروسية وسفن التجسّس في الوقت الحالي بالقرب من الكابلات البحرية الحيوية التي تحمل أغلب الإتصالات العالمية عبر الإنترنت، مما أثار المخاوف وسط بعض المسؤولين العسكريين والمخابرات الأميركية من أن الروس قد يهاجمون تلك الخطوط في أوقات التوتر أو الصراع. وقال محللون أن الجيش والمخابرات الأميركية وتبني روسيا أيضا تحت البحر طائرة بدون طيار قادرة على حمل، سلاح نووي تكتيكي صغير لاستخدامها ضد الموانئ أو المناطق الساحلية.
وساهم في إستعادة روسيا لقوتها عدم تركيز الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الآونة الآخيرة علي العمليات المضادة للغواصات. وداخل مقر العمليات الأوروبية للقوات البحرية الأميركية في نابولي Naples بما في ذلك الاسطول السادس، فإن القادة يرصدون عن كثب للمرة الأولى منذ عقود تحركات الغواصات الروسية من خلال النقاط البحرية التي تفصل بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة.
وكانت طائرات أمريكية مضادة للغواصات متمركزة علي مدي عقود في المحطة الجوية البحرية كيفلافيك Keflavik في أيسلندا، إلا أنها إنسحبت في عام 2006 بعد سنوات من الحرب الباردة، لتعتمد بعد ذلك على طائرات P-3 sub-hunter التي تجوب القاعدة بشكل دوري. وتحتاج البحرية الأميركية إلى إنفاق حوالي 20 مليون دولار من أجل تطوير الحظائر ومواقع الدعم في كيفلافيك للتعامل مع طائراتها الجديدة الأكثر تقدماً P-8A
وأبدي مسؤولون في البحرية الأميركية قلقهم من أن المزيد من دوريات الغواصات الروسية سوف تصل إلى ما وراء المحيط الأطلسي حيث البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. ففي الوقت الحالي تتمتع روسيا بمنفذ واحد علي البحر الأبيض المتوسط حيث ميناء طرطوس في سورية، ولكن المسؤولين في البحرية يقولون بأن موسكو تريد إقامة منافذ أخرى والتي ربما سوف تكون في قبرص أو مصر أو حتى ليبيا.