الداعي إلى السفر بصحبة أخيه وليد

 يعاني السوريون من مأساة صعبة خلال مرحلة تركهم لأوطانهم هربًا من الحرب المشتعلة منذ أعوام في سورية، وخوفًا من جحيم تنظيم "داعش" المتطرف واعتداءاته الوحشية على المواطنين، واستعباده للنساء، وعلى الرغم من مشاهد الترحيب التي يتوقع اللاجئون أن يجدونها في بلاد أوروبا، إلا أن ثمة أسباب تضطرهم إلى ضنك العيش هناك، وفيما يأتي سرد لثماني قصص شهدها المهاجرون من محطة كيليتي في بودابست.

1- "أريد العودة إلى الوطن وتعليم الأشخاص"

عبارة اقتبسها مجد الحاج حسن من رواية شكسبير، في الوقت الذي يتواجد فيه مع المحللين السياسيين للمشاكل السورية، فكحال الكثيرين ممن يدبرون المال للمهربين من أجل عبور الحدود إلى أوروبا فإن طالب الأدب الإنجليزي الذي ما زال مصممًا على التخرج من إحدى الجامعات نشأ وسط عائلة ثرية تمتلك ستة منازل وسيارتين وألف هكتار من الأرض المزروعة بأشجار الزيتون.

وكان الداعي إلى السفر بصحبة أخيه وليد الذي يعمل على شاحنة لخلط الخرسانة في إدلب، وكذلك زوجة وليد واثنين من الأبناء الشباب، فضلًا عن العديد من الأصدقاء والأقارب، هو الصراع ما بين "جبهة النصرة" و"داعش"، وما رسمته الطفلة نيس البالغة من العمر (6 أعوام) عندما أحضر لها الأدوات اللازمة للرسم، حيث رسمت جنديًا ودبابة ومتفجرات، وهو الأمر الذي أصابه هو وأخيه بالحزن الشديد.

ونتيجة لذلك باعوا السيارة والأرض التي يمتلكونها، فضلًا عن منزلين آخرين من أجل توفير نفقات الرحلة، على أن والديه بقيا هناك ولم يغادرا الوطن، حيث يفضلان الموت عن العيش بعيدًا.

وكانت الرحلة شاقة حتى مع الأموال المدفوعة لتخفيف مشقة الطريق، وعندما حاول مجد العبور وحده إلى تركيا من الحدود كلفه ذلك الكثير وخسر أسنانه.

وكلفت الرحلة ما لا يقل عن ألفي دولار، "أي ما يعادل ألف و300 جنيه إسترليني"، وفي صربيا دفعوا لسائق التاكسي حتى ينقلهم إلى منزل توقعوا بأن يرحب باللاجئين ولكن عندما وصلوا أغلق مدير المنزل الأبواب أمامهم بسبب عدم وجود أوراق بحوزتهم، واستغرق بلوغهم المجر 20 يومًا حيث قضوا أربعة أيام محاصرين داخل محطة ولم يكن بإمكانهم سوى تنظيف أيديهم ووجوههم في الطرقات.

وخلال الأيام الأولى للحرب عمل مجد كمتطوع ضمن الصليب الأحمر لمساعدة اللاجئين داخل سورية هربًا من العنف والصراع الدائر في مناطق أخرى، ومن ثم عرف جيدًا صعوبة ومشقة المهمة ولكنه صمم علي الاستمرار والنجاح والعودة مجددًا إلى الوطن من أجل تعليم الأشخاص ومساعدتهم في تلقي التعليم.

2- "عندما يسمع أطفالي أصوات الطائرات فإنهم يشعرون بالخوف"

وعلى صعيد آخر أفادت ماري العبود، التي كانت تعلم اللغة الإنجليزية في مدرسة ابتدائية في مدينة دير الزور السورية قبل الحرب، بأن أطفالها حينما يسمعون صوت الطائرات فإنهم يصابون بالرعب، وعرضت فيديو من هاتفها يوضح كيف أصبح منزلها مدكوكًا في أعقاب قذفه بالقنابل وموت زوجها على خلفية ذلك.

ومكثت ماري وبناتها في الطريق حوالي 50 يومًا مرهقة بعد أن قررت في النهاية الهروب من الوطن ذلك الصيف في الوقت الذي يقترب فيه "داعش" من البلاد.

وحاولت ماري وبناتها الانضمام إلى شقيقها المتواجد حاليًا في ألمانيا كونه هو المتبقي لديها، ودفع الأموال التي تغطي نفقات الرحلة إلا أن ذلك لم يكن كافيًا ولم يوفر لهم ما يلزم من الطعام والشراب، حتى ملابسهم فلا يحملون منها ويكتفون بما يرتدونه في الوقت الذي تزداد فيه مخاوفها على أبنائها وتسعى جاهدة إلى توفير ملابس ثقيلة تحميهم من البرد.

وفقدت ابنتها روا البالغة من العمر (عامين) حذاؤها في المخيم المجري الذي تعرضوا فيه للاعتقال فترة وجيزة، كما أن محمد البالغ من العمر (5 أعوام) يحتاج للذهاب إلى الطبيب بعدما حدث تفجير بالقرب من أذنه اليسرى ليصاب بالصمم بشكل كامل، أما ابنتها الكبرى ندي البالغة من العمر (10 أعوام) فلم تذهب إلى المدرسة منذ عامين بعدما كانت طفلة متفوقة ولم تستطع استكمال تعليمها.

3- "الحرب سلبت كل حلم كما سرقت وطننا"

وفي قصة أخرى يروي حاجي أحمد قصته وكيف وجد نفسه يظهر خلال النشرة الإخبارية التي تناولت منزله المتواجد في قرية أفرين المستهدف بالقنابل، فالحرب سلبت جميع أحلامهم فضلًا عن منزلهم بحسب ما أفاد الكردي البالغ من العمر (62 عامًا).

وأضاف بأن الرحلة إلى المجر كانت شاقة بالنسبة له بعدما فقد جميع أسنانه وأصبح غير قادر على تناول البسكويت والخبز الجاف بشكل جيد.

ويأمل حاجي أحمد في رؤية ابنه الذي غادر إلى ألمانيا منذ 18 شهرًا، ولكن في الوقت الحالي يأمل فقط في ترك ذلك المخيم الذي قضي فيه خمسة أيام ينام في الهواء الطلق، حيث أن الخيام مخصصة للنساء والأطفال، مضيفًا أنه إذا استمر في البقاء فترة أطول فإنه سيموت بسبب البرد أو أي شيء آخر، فلا يوجد سوى ثمانية مراحيض لخدمة المئات من الأشخاص.

4- "أشعر بالقلق على ما سيلحق بأبنائي في ألمانيا"

وعلى جانب آخر فلم يتبق مع حسين بهبودي البالغ من العمر (33 عامًا) سوى 250 يورو، "أي ما يعادل 165 جنيه إسترليني"، لإطعام عائلته حتى يصلوا إلي ألمانيا، ولا يدري كيف سيتمكن من الخروج بهم من المجر بعدما تم إغلاق رحلات القطار في وجه اللاجئين.

وأضاف بأنه قلق على مستقبل أبنائه في ألمانيا ربما بسبب خبراته في إيران حينما كان اللاجئين الأفغان يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.

5- "أحلامنا تكمن فقط في السماح لنا بالخروج من المجر"

لم يفصح هيثم البالغ من العمر (25 عامًا) عن اسمه الأخير حتى لا يلحق بأهله في سورية أي ضرر، فكان لاعبًا لكرة القدم وبائعًا للهواتف المحمولة في دمشق قبيل نشوب الحرب، ومع قلة العائد المادي الذي يحصل عليه قاده طموحه إلى البدء في دراسة القانون، ويرى بأن أوروبا تمثل له فرصة جيدة للدراسة مرة أخرى وقتما يتعلم لغة أخرى.

وواصل هيثم حديثه بأنه يفتقد عائلته وأصدقاءه كثيرًا، فلم ير والدته التي لاذت بالفرار إلى الأردن منذ عامين، وذكر بأنه في تركيا كان ينام هو وشقيقته وابن عمه وصديقه في الطرقات انتظارًا لقارب المهربين الذي سيقلهم، على أن الرحلة التي تستغرق بضع ساعات قليلة قطعوها في 13 شهرًا.

6- "أفضل الموت على الطريق عن العيش هنا"

عملت جيلوزر سيدور في الحياكة من المنزل لكسب بعض المال في حلب قبل زواجها من عمر وهو سائق تاكسي، وكانت عائلة بسيطة تقطن في شقة تضم غرفتين للنوم.

وولدت ابنتهما فيان بعد وقت قصير من اندلاع الحرب، وانتظرت العائلة اعتقادًا منها بأن حالة الصراع التي تشهدها البلاد سوف تنتهي سريعًا مفضلين المخاطرة عن قضاء أعوام يائسة داخل مخيمات اللاجئين في بلد آخر.

وفي وقت مبكر من هذا العام أصيب ابنهم الأكبر حسن البالغ من العمر (7 أعوام) بشظية عندما كان يلعب في الطريق توفي على إثرها وتم دفنه في سورية ما جعلهم يغادرون البلاد مضطرين حماية لباقي أبنائهم.

وبالرغم من كون جيلوزر حاملًا وكان من المقرر ذهابها من أجل إجراء الفحص قبل عبور الحدود فإنهم كانوا ينامون معظم الليالي على الطرقات.

والآن بعد خمسة أشهر فإنها تشعر باليأس من الهروب من محطة كيلتي، وبعد أن فات عليهم القطار إلي النمسا فهي تفضل السير والموت علي الطريق عن العيش في ذلك المكان الذي يسوده طقس بارد مع حلول الليل فيما يوزع المتطوعين البطاطين، ولكن الأطفال ليس بإمكانهم الاستحمام لمدة تجاوزت الأسبوع، كما أنه لا توجد مراحيض كافية، ويعاني طفلها إلتون البالغ من العمر (4 أعوام) من المرض طوال الوقت.

7- "استخدمت عكازين للخروج من الموصل هربًا من داعش"

لاذ يوسف رياض البالغ من العمر (26 عامًا) هربًا من جحيم "داعش"، مستخدمًا عكازين نظرًا لإصابته التي طالت ساقيه نتيجة انفجار سيارة مفخخة في حادث وقع منذ ثلاثة أعوام، فضلًا عن حادث آخر تعرض له في أوائل هذا العام، وسافر دون أن يصطحب معه أي ملابس أو متعلقات حيث اكتفى بالقميص والسروال القصير إضافة إلى العكازين.

وحاول يوسف الوصول إلى فيينا التي يتواجد فيها اثنان من أشقائه وشقيقته الوحيدة كلاجئين، حيث قررت العائلة مغادرة مدينة الموصل شمالي العراق منذ ثلاثة أشهر بعد قضاء أشهر تحت حكم تنظيم "داعش"، وكانت العائلة تخشي بأن يتم إجبار شقيقتهم على الزواج من أحد مقاتلي التنظيم.

8- "هناك عمليات متطرفة تقع طوال الوقت وعلينا الفرار"

تريد حديسي حسيني البالغة من العمر (11 عامًا) الوصول إلى ألمانيا حتى تتمكن من العودة إلى المدرسة وتحقق طموحها في أن تصبح طبيبة للقلب.

وكانت الطفلة تحتضن دمية "سنو وايت" التي أهداها إياها أحد المتطوعين في محطة كيلتي، وقررت عائلتها مغادرة هيرات في أفغانستان بسبب العنف وخوفًا من استهداف المدرسة التي تحضر فيها حديسي  من قبل المتطرفين.

وأفادت والدتها مسية بأن هناك عمليات متطرفة تقع طوال الوقت حتى في شهر رمضان الكريم.