دمشق-سانا
تضاعف عدد الأفلام السورية المنتجة في الأعوام الخمسة الماضية لكنها بلغت ذروتها في عام 2015 بعد عمل المؤسسة العامة للسينما على تحويل معظم الأماكن الآمنة إلى ما يشبه استوديوهات تصوير حية للأشرطة الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية.
الحركة السينمائية لم تنتظر أفول الحرب حتى تقدم وثائقها البصرية عنها بل آثرت التسجيل لهذه الحرب الإرهابية الظالمة على سورية منتزعة أرفع الجوائز في المهرجانات العربية والدولية لتنتقي خيار الشجاعة الفنية في مواكبة الحدث والتعليق عليه من خلال رؤى العديد من مخرجي الفن السابع في سورية فجاء عام 2015 لتسجل المؤسسة العامة للسينما تطوراً نوعياً في هذا السياق.
ومن الأفلام التي أنتجتها مؤسسة السينما لهذا العام “رجل وثلاثة أيام” لمخرجه جود سعيد والذي يتناول الأزمة من خلال حكاية مخرج مسرحي شاب يتسلم جثة أحد أقاربه من ثلاجة الموتى ليقضي مع هذه الجثة ثلاثة أيام من حوار صادم يصور ثنائية الموت والحياة وضرورة الانتصار لثقافة الحب في وجه ثقافة الضغينة.
المخرج جود سعيد الذي انتزع هذا العام جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة الدولي عن شريطه الروائي “بانتظار الخريف” حقق مفاجأة لجمهوره في تقديمه للفيلم في دمشق بعد انتظار حيث تزامن عرض هذا الشريط مع أخبار إنهاء عملياته الفنية على فيلمه الأحدث “مطر حمص” الذي يواصل فيه المخرج سعيد العمل على تعشيق اللحظتين الروائية و الوثائقية محققاً بذلك سبقاً في الفيلموغرافيا الوطنية التي تحاول اليوم تسجيل وثيقة عن زمن الحرب التي تمر بها سورية.
بدورها انتزعت الفنانة سلاف فواخرجي جائزتين عن فيلمها الروائي الأول “رسائل الكرز” كانت الأولى بحصولها على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الإسكندرية أما الثانية فكانت بانتزاعها جائزة الجمهور في مهرجان عنابة بالجزائر حيث استطاعت النجمة السورية منذ بواكير نتاجها السينمائي التقدم إلى واجهة المشهد السينمائي السوري المستقل حيث أنتجته شركة “شغف” بالتعاون مع شركة سيريتل عبر شريط ساحر عن الجولان السوري المحتل كان بطله الحب موثقا للنزوح أعقاب عدوان حزيران 1967 وصولاً إلى اليوم الراهن وذلك من خلال لغة بصرية لافتة شاهدها الجمهور في القاعة الرئيسية في دار أوبرا دمشق.
الفنان باسل الخطيب الذي كان سباقاً في انتزاع العديد من الجوائز الدولية المهمة من كل الجزائر والصين ومصر عن فيلمه “مريم” يواصل بعد إنجازه ثلاثيته عن المرأة في زمن الحرب مشروعه الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما ليكمل اليوم تصويره لفيلمه الجديد “الأب” عن سيناريو من كتابته بالتعاون مع وضاح الخطيب ومن بطولة الفنان أيمن زيدان.
ويعمل الخطيب ومنذ العام الأول للأزمة على تعزيز البعد الإنساني عن الحرب مقترباً بالفيلم الوطني من تلك الأفلام التي تواكب عذابات الإنسان السوري وهواجسه في وجه وحش الإرهاب الدموي و ما يفعله بمفردات ثقافة الحياة والعيش المشترك محققاً بذلك شخصية لونية وبصرية جديدة في الشريط السينمائي السوري عبر اتكائه على حساسية مغايرة للسائد ومواجهة مستمرة بين الكاميرا والحرب.
الفنان محمد عبد العزيز انتزع هذا العام جائزتين الأولى عن فيلمه “الرابعة بتوقيت الفردوس” من إنتاج مؤسسة السينما وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في فئة المسابقة الكبرى لدول البحر الأبيض المتوسط في مهرجان الاسكندرية حيث خطف عبد العزيز الأنظار في هذا الفيلم الروائي الصادم عن الحرب مولفاً بين عدة ثنائيات كان أبرزها الحرب والحب ..المدينة والاغتراب.. الإنسان والوحش مطلاً بذلك على عوالم جديدة في سينماه التي تميزت بإيقاعها الحيوي وقدرتها على سبر أعماق الكائن الإنساني وعنيف صراعاته الداخلية في زمن الحرب ومواجهة الموت.
أما الجائزة الثانية للمخرج عبد العزيز فكانت عن فيلمه “المهاجران” إنتاج شركة الشرق للإنتاج والتوزيع الفني أفلام نبيل طعمة وهي جائزة الكاميرا الذهبية بهولندا مع الإشارة إلى أن فيلم “المهاجران” مأخوذ عن مسرحية بالعنوان نفسه للمخرج سامر عمران.
الفنان الكبير عبد اللطيف عبد الحميد وبعد العرض الأول لفيلمه “العاشق” بداية عام 2015 ينهي حاليا العمليات الفنية لفيلمه الجديد عن سيناريو من كتابته بعنوان “أنا وأنت وأبي وأمي” وفيه يذهب صاحب “رسائل شفهية” إلى مواجهة الحرب على طريقته مزاوجاً بين عالمي الحلم والواقع لتقديم قراءة متأنية وكثيفة للأزمة في سورية وذلك بالتركيز على حوار ساحر بين الآباء والأبناء والأجداد عبر قصة مشوقة لشاب سوري يتعرض للاختطاف وما تتركه هذه الحادثة من مضاعفات نفسية وعاطفية على شخصيته وعلاقته بمحيطه.
تجربة جديدة للفنان غسان شميط يترقبها جمهور الفن السابع بعد إنجاز فيلمه الجديد “تحت سرة القمر” عن سيناريو للكاتبة جهينة العوام وفيه يذهب شميط نحو مناخات جديدة في إدارة الكاميرا لمواجهة عالية بين الحرب والإنسان سابراً منعكسات هذه الحرب على الشخصية السورية وقدرة هذه الشخصية على تخطي الكارثة وترميم الجراح عبر الإصرار على الأمل بالنجاة ومجابهة العبث بالحلم.
الفنان نجدة إسماعيل أنزور وفي تعاونه الأول مع المؤسسة العامة للسينما حقق بدوره فيلمه المرتقب “فانية وتتبدد” عن قصة للينا دياب وسيناريو ديانا كمال الدين وفيه يذهب صاحب “ملك الرمال” إلى تحرير وثيقة عالية عن جرائم الإرهاب الدولي المنظم في سورية وارتداداته العنيفة على المجتمع السوري وقدرة هذا المجتمع على تعزيز ثقافة المقاومة في وجه ثقافة الموت والدم والإعدامات الجماعية التي نفذها ما يسمى تنظيم “داعش” الإرهابي في قرى وبلدات ومدن سورية.
كما حفل المشهد السينمائي السوري لعام 2015 بحضور متزايد للشباب عبر مشروع سينما الشباب الذي أطلقته مؤسسة السينما محققاً في عامه الخامس رؤى جريئة وواعدة في الكثير من الأفلام الروائية القصيرة التي واجهت بدورها الحرب من خلال هموم ومشاكل الجيل الجديد ونظرته نحو الحياة والكون والواقع إذ آثرت المؤسسة أن تختم السنة بعرس سينمائي وزعت عبره الجوائز على الأفلام الفائزة حيث ذهبت الجائزة الذهبية لمهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة في دورته الثانية لفيلم “حبر الآن” لمخرجه وكاتبه المهند حيدر بينما نالت الفنانة ندين تحسين بك الجائزة الفضية عن فيلمها “روزناما” في حين انتزعت كندة يوسف الجائزة البرونزية عن فيلمها “ألتيكو”.
كما قدمت لجنة تحكيم المهرجان جائزة أفضل سيناريو لفيلم “صدى” لمخرجته وكاتبته كريستين شحود بينما نالت سندس برهوم جائزة أفضل إخراج عن فيلمها “الحاجز” في حين ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “مهملات” لمخرجه “فاضل محيثاوي” مع تقديم فرصة إنتاج لفيلم احترافي قصير في الخطة السنوية للمؤسسة العامة للسينما وحصل فيلم “سالي” لمخرجته زهرة البودي على تنويه خاص من لجنة التحكيم.