دمشق-سانا
يقدم الشاعر عبد السلام العبوسي في مجموعته الجديدة “ما لم تقله العرافة” قصائد تنتمي في شكلها لأسلوب الشطرين وفي مضمونها إلى الحداثة الشعرية التي تنفتح على آفاق جديدة لتعكس موهبة مثقفة وواعية لدى الشاعر.
استخدم الشاعر في قصائد المجموعة الأدوات وربطها بالألفاظ المكونة للتعبير المعنوي لنص القصيدة للتغلب على أي خلل بنيوي فجاءت ببنيان مرصوص متماسك لا مجال لزحاف أو علة في انسياب حركة الحدث كقوله في قصيدة “أرم عصاك لأهتدي”..
قل يا أبي من من بنيك سيفلح..أو ولم تقل لي أنني لا أصلح
من بدل النص العتيق بجمرة..وانزاح يبحر بالمريد ويشطح
ها قد بلغت الأربعين وخمسة..وتجد في ألمي عصاك وأمزح.
وفي قصيدة بعنوان “حصرم العشق” يمزج العبوسي الدلالة بالقوة التعبيرية التي أوردها في الألفاظ والمفردات ويأتي المعنى باتجاهه الثنائي الذي يجعل العنوان دالا والموضوع مدلولا وموحيا بآن واحد ثم يطرز ما أتى به بحرف الروي الذي اختار له الهاء المضمومة لتناسب موسيقا البحر الكامل وصولا لاقتفاء خاتمة الحدث فيقول..
كانت أصابعه تعلق نجمها .. والحظ يرسم في الرمال خطاه
ما بين أنثى البرتقال وبينه .. قلب تعود أن تدور رحاه
تركت على ناي الغريب رضابها .. وشما يقلب للعناق لظاه.
ثم يذهب الشاعر في قصيدته “دموع التراب” إلى سمو معنوي واتجاه لتقديس الوطن وتعظيم الانتماء له فيجعل من الرمز حالة إبداعية حديثة الابتكار ومورفة العهد ليجمع في تجديده الحداثوي بين الأصالة والمعاصرة التي يجب أن تلتزم بالحقيقة والكينونة الشعرية حتى تصنع تطورها وتتجاوز الماضي فيقول..
الليل رمحك بيد أنك مقمر .. وإذا تموت فكيف بعدك نكبر
معناك ماء والتفاتة أضلع .. وبغير عشقك لا تموت الأنهر
وطني جمعتك من شظايا أعين .. فبأي عين إن عميت ستبصر.
وفي نسيجه الشعري يكون العبوسي رؤاه عبر صور مشكلة من عناصر الكون متجاوزا بذلك البيئة المكانية والفترة الزمنية بكل ما تحتويهما ليأتي بما يرغب من معنى أو صورة فيقول في قصيدة “صهيل منفرد”..
في القلب وشم من صهيل جناته .. تركوا المكان وحيروه بذاته
فبمن يلوذ إذا تجهم ليله .. وإنساب يجمع من شجون شتاته
قدر المفارق أن يتغزل يتمه .. ليتيه سطرا بين ست جهاته .
ويؤخذ على الشاعر في بعض نصوصه أنه برغم قوتها ووفير دلالتها وخصوبة صورها يستخدم طرقا في مطلع بعض قصائده لا تتلاءم مع قوة ديباجته فلا يتوافق الروي نهاية الصدر في مطلع القصيدة مع نهاية العجز كما هو معتاد كقوله “رموشها سرب زرازير”..
حسب عينيها رموش ظلها .. كجناح الليل يغري بالسهر
وقوله في قصيدة “غزة فارسة البحر”..
بغزة ألوان الحياة عصية .. وفيها دم يسمو بكل مخلد.
المجموعة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب لعام 2016 والتي وقعت في 120 صفحة من القطع المتوسط استطاعت توفير أسس القصيدة الحديثة الحقيقية لتميزها بالصورة ومقوماتها عبر الاستعارات والدلالات والكنايات بأسلوب حرص على العفوية في طرح ما يريد الشاعر.
والشاعر عبد السلام محمد العبوسي من مواليد مدينة القحطانية في محافظة الحسكة سنة 1970 يحمل شهادة أهلية التعليم الإعدادي قسم اللغة العربية وعمل مدرسا لمادة اللغة العربية في مدارس القحطانية وله عدة إصدارات شعرية مطبوعة وينشر نتاجه في الصحف والمجلات وحاز جوائز شعرية داخل سورية وخارجها.