دمشق-سانا
تجاوزت أعمال الكاتب المخضرم عبد اللطيف الأرناؤوط ومؤلفاته المئة كتاب في المقالة والدراسة والنقد والترجمة والشعر والقصة القصيرة والتي يعتبرها بمثابة أبنائه فيفتخر ويعتز بها ولا يفرق بينها ويأمل من أحفاده أن يحافظوا على هذا التراث الثقافي الذي يضم عصارة فكره في مراحل حياته الغنية بالتجارب الأدبية.
ويحسب للكاتب الأرناؤوط المولود في دمشق 1931 أنه أول من عرف قراء العربية على الأدب الألباني كما أسهم في نشر الأدب العربي في الأوساط الأدبية الألبانية كونه من أبناء الجالية الألبانية التي هاجرت في بدايات القرن الماضي واستقرت في دمشق.
ويقول في حديث لسانا الثقافية إنه تأثر منذ نعومة أظفاره بجده لوالدته المستشرق ثابت نعمان قريزاي وكان يتتبع مسيرته الثقافية ويطلع على كل ما يؤلفه في الأدب والنحو العربي .. كما تأثر بمعلميه ثم عمل في إدارة مجلة المعلم العربي التي تصدر عن وزارة التربية السورية ثم ندب إلى اتحاد الكتاب العرب وأشرف على مجلتي الموقف الأدبي والتراث العربي حتى عام 1997 إلا أنه لم يتفرغ للتأليف والترجمة والدراسات إلا بعد التقاعد.
بدأ الأرناؤوط شاعرا وصدر له ديوان وحيد بالعربية عام الفين عنوانه عزف على قيثارة الوطن يتميز بالعذوبة والحميمية وسلاسة اللغة وله مجموعات شعرية بالألبانية “ما وراء الجبال والبحار” “لهيب الشوق” “دعوة للمرأة” “مئة فتاة وامرأة في حياتي”.. وكان في تجربته الشعرية يحرص كما يقول على أن يوحد بين العقل والعاطفة وبين الموضوع والذات وبين الخاص والعام .. وكان يجد ذاته في قصائده بمقدار ما يجد الآخرون فيها ذواتهم وتندمج في اطارها نفسه مع تطلعات المحيط عن قصد أو غير قصد.
وللكاتب مؤلفات كثيرة في الدراسات النسوية فتناول الأعمال غير الكاملة لكل من سعاد الصباح وغادة السمان وليلى العثمان وعائشة الأرناؤوط.. ويرى في هذا المجال أن مصطلح الأدب النسوي نشأ كردة فعل على أدب الرجال وأحكامهم الجائرة عليها فكان محاولة من المرأة لاثبات وجودها الأدبي بعد أن ظل الأدب وقفا على الرجال.. كما اتسم الأدب النسوي بما اتسم به أدب الرجال من أحكام واتهامات قاسية أو بسبب المبالغة التي بدرت من بعض الأديبات في المطالبة بحرية مفرطة للمرأة ردا على معاناتها في العهود القديمة وهي دعوة تهدد برأيه التوازن في الأدوار وتتنافى وطبيعة كل من الجنسين.
وأوضح الأرناؤوط أن مصطلح الأدب النسوي ما زال موضوع جدال بين من يدعون أن لا فرق بين أدب يكتبه الرجل وأدب تكتبه المرأة وهناك من يزعم أن للجنس خصوصية فرضتها خصوصية كل منهما ودوره في الحياة ولا بد من الاعتراف بفوارق مميزة بين الأدبين فالمرأة أقدر على الخوض في عالم لا يقدر على التحليق فيه الرجل سواء بالمشاعر أم بالاهتمام بتفاصيل الحياة.. ولفت الى أنه على الرغم من صدور مئات الكتب لأديبات يدافعن عن المرأة فان من النادر أن نجد كتابا لأديبة لامعة تدافع فيه عن الرجل وتحاول أن تحلل موقفه من المرأة بتجرد أو تنتقد بنات جنسها وتحملهن بعض مسؤولية وضعهن الاجتماعي.
وكتب الأرناؤوط القصة للكبار والأطفال منذ ستينيات القرن الماضي فصدرت له مجموعات قصصية بعناوين خطوات على الثلج الفروسية الزائفة اعترافات امرأة وهذه الأخيرة صدرت عام 1992 وتستهدف إحداث تطهير في نفوس القراء ينبع من التأثر بسلوك الشخصيات والتبصر بالعواقب الوخيمة التي يسببها انحراف المرأة بسبب نزواتها اضافة الى منح المرأة دورا مكافئا للرجل في علاقاتهما الإنسانية.
أما في قصص الأطفال فصدر له المدخنة والغيوم الفراشة عن اتحاد الكتاب العرب والعنكبوت والريح والأشجار عن وزارة الثقافة وينظر إلى القصة التي يكتبها للصغار على أنها زاد نفسي للطفل فيه جوانب قد يراها غير مألوفة لكنها تصور العالم الذي يعيش فيه من خلال الوقائع والتصرفات التي تقوم بها شخصيات القصة وأبطالها فتدفع عنه الغموض والشك الذي يعتريه بسبب رؤيته القاصرة للعالم .. فالطفل يرى العالم من خلال أمه ومهما يطرأ على صورة الأم من تغير فسيبقى لها علاقة واضحة بالصورة الأصلية التي كونها الطفل عنها.
كما كتب الأرناؤوط ثلاثة كتب عن الأديبة غادة السمان التي يعتبرها كاتبة مبدعة تمكنت أن تتسنم قمة الابداع في الأدب والثقافة في القصة والرواية والشعر وتمكنت أن تتسلل إلى نفسية القارئ سواء في البلاد العربية أو الأجنبية من خلال الترجمات حيث ألف كتابا بعنوان غادة السمان الأديبة الراقية إلى جانب رحلة في أعمالها المبدعة في الثقافة العربية وآخر بعنوان غادة السمان ومسيرتها الثقافية والإبداعية.. دراسات.
ومعرفته بالأديبة السمان تعود إلى خمسينيات القرن الماضي حيث تدرجا في طريق الأدب معا وكانا يتابعان كتابات بعضهما ويبديان الآراء في إبداعاتهما الغضة وينشران معا في الصفحات الأدبية في الصحف السورية التي كانت تصدر آنذاك دمشق المساء- الأخبار- الانشاء- النقاد-عصا الجنة- الدنيا- الرقيب.
وفي كتابه “تجربتي مع الثقافة والأدب” يتناول تجربته مع الشعر وحكايته مع القصة القصيرة وأدب المرأة والنقد والحداثة والترجمة والتراث والكتابة للأطفال وقصصهم بين الكاتب والناقد .. كما تحدث عن مشاعره وشجونه في كتيب بعنوان أوراق بعد الستين من العمر وتحدث في دراسة له عن المرأة في عيون الشعراء.
أما في مجال الترجمة من الألبانية إلى العربية فقال الأرناؤوط.. كان القدامى يقولون “أدركته حرفة الأدب” وهوتعبير يحمل معنى البؤس والشقاء أما أنا فأقول أدركتني حرفة الترجمة موضحا أنه في عصرنا اليوم تحتاج أي أمة الى مترجمين يزيد عددهم على من لديها من العلماء والأدباء بعشرات الأضعاف لأن ذلك يعني أنها تتواصل فكريا وحضاريا مع الأمم وإذا كان العلم مقصورا على أماكن معينة في العالم فان الأدب فن لاصق بكل أمة ولكل مجتمع نتاجه الأدبي الذي لا بد من ترجمته ونقله الى اللغات الأخرى.
ومارس الترجمة عن اللغة الألبانية التي لا يلم بها في الوطن العربي إلا عدد قليل وهو أمر لا يسمح بترسيخ الشروط الفنية للترجمة من اللغات الأقل انتشارا..فترجم في الشعر.. أرضي ونشيدي نفحات من الشعر النسائي العالمي- مئة قصيدة وقصيدة بأقلام الأطفال في كوسوفا .. أما في الرواية فترجم.. الحصن – العرس- الملف- فتاة الجبال- لكتاب ألبانيين لكنه ابتعد عن ترجمة الدراسات العلمية والفلسفية نظرا لاحتوائها على المصطلحات الحديثة التي فرضها التقدم العلمي او المصطلحات الخاصة ببيئة اجتماعية معينة.
ووجد أن استخدام المعجم لا يغني إذا لم ينفذ المترجم الى ما وراء الكلمات من معان تحملها التراكيب ما يتطلب تجربة حياتية وتمرسا من المترجم بمعايشة البيئتين اللتين هما مدار عمله ويعتبر الترجمة عامل نماء فكري واخصاب لفكر الأمة كما أن الترجمة هي نوع من الابداع يزدهر بالممارسة بمقدار ما تمده به الموهبة الذاتية من زخم.
أما عن حياته اليومية فيستقبل الكاتب الأرناؤوط تباشير الفجر والناس نيام فيدخل مكتبه للمطالعة ويضع الخطوط العامة للتأليف والكتابة والترجمة ثم يقرأ الصحف اليومية والمجلات الدورية وبعد الظهر يستقبل الأصدقاء والأقارب والأدباء ويشكر الله أنه يتمتع بصحة جيدة ولا يحتاج الى مساعدة أحد بالرغم من أنه تجاوز الخامسة والثمانين من العمر.
وينصح الكتاب الجدد بالمطالعة والاطلاع على كل جديد في الثقافة والأدب دون تمييز بين الشعر والنقد والقصة والرواية والفلسفة والعلوم المعاصرة.