كليات العلوم الإنسانية

تبدو الساحة الثقافية في الإمارات فيما هو طافٍ منها على السطح خالية من الممارسة النقدية، فليس هناك نقاد أدبيون يتابعون المنجز الثقافي الإماراتي ويكتبون عنه بشكل منتظم في الصحف والمجلات، ونادرة هي الكتب النقدية التي تتناول الأدب المحلي بأقلام إماراتية، ورغم ذلك فإن الأوساط الجامعية تؤكد أن هناك ممارسة نقدية داخل أروقة أقسام كليات العلوم الإنسانية، تتمثل في البحوث النقدية التي يتقدم بها بعض الطلاب لنيل الشهادة الجامعية .

حول حقيقة غياب النقد من الساحة الأدبية، أشارت الناقدة وروائية إماراتية زينب عيسى الياسي وهي حاصلة على شهادة الماجستير في اللغة العربية فرع الأدب والنقد، ولها العديد من الدراسات النقدية المنشورة، إلى أنها تشارك بشكل دائم في الملتقيات والندوات التي تقام حول الإبداع الإماراتي .

وأكدت أن العملية الإبداعية على مر تاريخ البشرية تأتي دائمًا متقدمة على النقد، وأن الإبداع لم يكن شاذًا عن تلك القاعدة، حيث سبق النقد بوقت طويل، سواء في مجال الشعر النبطي أو الشعر الفصيح أو السرد بمختلف أنواعه، لافتة إلى أنه إذا نظرنا إلى أن بعض الأنواع الأدبية بحاجة إلى وضع حياتي مستقر كالرواية فإن ظهور الفنون الأدبية كان في مقدمة نتائج الاستقرار ودلالة على ذلك ظهور رواية شاهندة لراشد عبدالله النعيمي في عام قيام الاتحاد.

وأضافت أنه جاء التنظير النقدي في مرحلة تالية مُقيمًا ومصنفًا ومحددًا، كما أن النقد يحتاج إلى خلفية معرفية ووعي فكري وفلسفي، وذلك يحتاج إلى تعليم أكاديمي، وبما أن الإمارات لم تحقق التمكين التعليمي إلا بعد قيام الدولة، فإنه ليس من الوارد الحديث عن الحراك النقدي في تلك الفترة، وفي مجتمع ما زال يخطو خطواته الأولى للانتقال بإبداعه من الشفاهية للكتابة .

وأوضحت أنها لا يمكنها الجزم بذلك، لأن ما وقع بين يديها على مدار سنين طوال هو نقد انطباعي ما عدا النزر اليسير، حين لا تنشر الصحف أوراق عمل وبحوثًا رصينة في مجال النقد الأدبي، أما غير ذلك فإن الظهور الفعلي والرصين للنقد الأدبي كان من خلال الملتقيات والفعاليات الثقافية المدعومة من قبل المؤسسات الحكومية، وهي ما يمكن التعويل عليه نقديًا، لأنها تحمل على عاتقها مهمة تهيئة الظروف لنتاج أدبي محكم ومتميز ومواكب للحراك الأدبي العربي والحراك الأدبي العالمي .

وأشارت إلى أن الجامعات قد تكون تنبهت إلى أهمية إعداد الباحث الأكاديمي المتمكن في النقد الأدبي، ولكنّ ما كان يعنيها بدرجة أكبر هو الارتقاء بالدرس الأكاديمي بمستوياته كافة، ففتحت باب الالتحاق في الدراسات العليا في عدد من التخصصات من ضمنها اللغة العربية بفروعها مثل تاريخ الأدب والنقد واللسانيات وغيرها.

ونوهت إلى أن إعداد الناقد هو نتيجة الدرس الأكاديمي العلمي، ومن ثم فإن الجامعات عنيت بتخريج المتخصصين في النقد، ولكن يبقى احتراف النقد والتصدي للإنتاج الأدبي بالتقييم خيارًا هامشيًا بالنسبة لكثير من خريجي أقسام الأدب والنقد، رغم التمكن العلمي والفني لكثير من أولئك الخرّيجين .

وكشفت أن بعض المؤسسات الثقافية تتعمد إقصاء الناقد الإماراتي أو التهوين من عمله النقدي، مما جعل الناقد يدير ظهره لها، ويتجه للتدريس أو الوظائف التي تتيح له ممارسة عمله العلمي، حتى ولو كان في ذلك إقصاء له عن الساحة الثقافية والإبداعية الحية، مشيرةً إلى أنه في رأيها أن الناقد الإماراتي كالمبدع الإماراتي، بحاجة للتشجيع والدعم لا الإقصاء والتهميش، وهناك عدد كبير من الأكاديميين الإماراتيين الذين يتمتعون بخبرات علمية رصينة، والقادرين على إنجاز مشاريع نقدية حديثة، وينبغي على المؤسسات الثقافية أن تستقطبهم وتستقطب عقولهم وفكرهم كما فعلت مع الأدباء والمبدعين .