أبوظبي -صوت الامارات
كشفت حفريات أثرية جديدة في جزيرة مروح عن أقدم آثار للمجتمعات الإنسانية في أبوظبي والتي تقدم لمحة فريدة عن الحياة في العصر الحجري المتأخر في المنطقة الغربية من الإمارة.
وحدد برنامج " هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة " للأبحاث الأثرية ما يزيد على / 20 / موقعا رئيسيا للحفريات على الجزيرة منذ العام 2012 والتي ترجع إلى مراحل تاريخية متنوعة من العصر الحجري المتأخر "قبل حوالي 7500 سنة" إلى عصور تاريخية أحدث مع اكتشاف قريتين تعودان إلى العصر الحجري المتأخر على الطرف الغربي لجزيرة مروح وتضمان آثار مجتمعات سكنها الإنسان.
وأسفرت الحفريات التي قامت بها الهيئة عن جمع ما يزيد على /200/ من نصال الأسهم المصنوعة من الحجر الصوان من على سطح الأرض في الموقعين "أم آر 1" و"أم آر 11" بينما كشفت حفريات أخرى في الموقع "أم آر 11" عن مبنى حجري يحمل أهمية أثرية كبيرة.
وقال محمد عامر النيادي مدير إدارة البيئة التاريخية في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" إن الحفريات الأخيرة في قرية العصر الحجري المتأخر في المنطقة "أم آر 11" في جزيرة مروح نتائج علمية وتاريخية استثنائية حيث قدمت فكرة واضحة عن تصميم وشكل البيت القديم قبل/7500/ سنة والتي تعد أحد أقدم الآثار المعروفة للعمارة الحجرية في منطقة الخليج العربي.
وأضاف أن الاكتشافات المهمة تضمنت هيكلا عظميا بشريا وتم العثور على الهيكل العظمي الجزئي مدفونا في إحدى الغرف شبه المنهارة في البيت وهو ما يشير إلى أن هذا المبنى قد تم استخدامه في الأصل كمنزل للأحياء ثم أصبح في وقت لاحق "مقرا أخيرا للموتى".. مشيرا إلى أنه تم العثور على هذا الهيكل العظمي داخل الغرفة المركزية مستقرا على أحد جانبيه في وضع الانحناء مع توجيه الرأس نحو الشرق.
وبين أن هذا الأسلوب في الدفن يتطابق مع مقابر العصر الحجري المتأخر الأخرى بما ذلك مدافن جبل البحيص في إمارة الشارقة والتي يمكن مشاهدة نماذج مطابقة لها في متحف الشارقة للآثار.
من جانبه أوضح الدكتور مارك بيتش رئيس قسم التراث الساحلي والحفريات في " هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة " مدير مشروع الحفريات الأثرية في جزيرة مروح إن المرحلة الأخيرة من العمل في جزيرة مروح ركزت على البحث عن أقدم المستوطنات الإنسانية المعروفة في أبوظبي وهي ترجع إلى العصر الحجري المتأخر في الموقعين "أم آر 1" و"أم آر 11".
وأضاف أنه تم إجراء عمليات مسح جيوفيزيائي خلال العام 2014 في الموقعين باستخدام القياس المغناطيسي والمسح الراداري الأرضي لتقييم الآثار الموجودة تحت الأرض .. مشيرا إلى أن هذه الدراسات ساعدت على تحديد الهياكل العمرانية ذات الأهمية الأثرية والتاريخية في الموقع وبدأت الحفريات بشكل جدي في الموقع "أم آر 11" خلال العام 2015 واكتملت خلال شهر فبراير 2016 مع اختتام أحدث برامج الأبحاث الميدانية.
وتقع جزيرة مروح على بعد / 100 / كيلومتر غرب العاصمة الإماراتية أبوظبي وتتميز ببيئة برية وبحرية نادرة.
وتشمل الاكتشافات الأخرى داخل المنزل قطع خرز جميلة من القواقع والحجر إضافة إلى عدد من الأدوات المصنوعة من الحجر وتم العثور على رمح كبير من الحجر الصوان والذي ربما تم استخدامه لصيد أبقار البحر أو السلاحف.
وتولى عبد الله خلفان الكعبي أخصائي آثار التراث الساحلي في إدارة البيئة التاريخية في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" مسؤولية الاكتشافات الأثرية الأولى والتنقيب عن الهيكل العظمي.
وقال الكعبي إن المشاركة المباشرة في اكتشاف أقدم مستوطنة إنسانية معروفة في أبوظبي تعتبر تجربة مهمة ..موضحا أنه تم تنظيف المنطقة المحيطة بالعظام البشرية بدقة وحرص شديدين والتي كانت هشة للغاية عقب بقائها مدفونة لما يزيد على سبعة آلاف سنة وتحتم على الفريق معالجة العظام بمادة " البارالويد بي 72 " لزيادة صلابتها وقوتها قبل رفعها".
وستخضع بقايا الهياكل العظمية للفحص في المستقبل القريب من قبل خبراء متخصصين للحصول على مزيد من المعلومات حول أصحابها وعمرهم وجنسهم وحالتهم الصحية.
وتتضمن أهم المواقع الأخرى التي تم اكتشافها في جزيرة مروح مجمعا كبيرا من مواقد الطهي يرجع تاريخها إلى العصرين البرونزي والحديدي "بين 5000 - 3000 سنة مضت" وعددا من الأفران الجيرية تعود إلى أوائل العصر الإسلامي ومواقع مختلفة مرتبطة بالفترة التاريخية "250 سنة ماضية" عندما اعتمد السكان المحليون على صيد اللؤلؤ والأسماك كنشاط اقتصادي أساسي.
وتحتضن المنطقة مسجدا جدرانه من الحجر الجاف في قرية اللفة وسلسلة من الجدران الأثرية في قرية مروح ومقبرة إسلامية وفناء منزل خشبي قديم ومرفأ للسفن ومسجد في قرية قريبة إضافة إلى نظام تقليدي لتجميع المياه والآبار.
وأشار الدكتور بيتش إلى أن هناك مساحة كبيرة للتنقيب في قريتي العصر الحجري المتأخر في الموقعين "أم آر 1" و"أم آر 11".
وكشفت الأنشطة الأخيرة عن بيوت ذات تصاميم ثلاثية الأطراف تتميز بجودة بنائها باستخدام الحجر الجيري المحلي الذي تم جمعه من المنطقة المحيطة بها.
ويتراوح عرض الجدران السميكة لهياكل هذه البيوت من / 60 إلى 70 / سنتيمترا وهو ما يدل على أن الهيكل تم تشييده بجدران ذات دعامات خارجية ساعدت على خلق مظهر القبة الممتدة وبعد بناء الغرفة المركزية في اتجاه "الشمال- الجنوب" تمت إضافة غرفتين إلى الجانبين الشرقي والغربي.
وأظهرت الحفريات التي قامت بها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة أن سكان قرية العصر الحجري اعتادوا على تربية الحيوانات الأليفة مع العثور على أجزاء من عظام الأغنام أو الماعز في الموقع.
كما قاموا بصيد الغزال إلى جانب استغلال الموارد البحرية الغنية المتوفرة حول جزيرة مروح وقد تم تحديد شظايا عظام أبقار البحر والسلاحف والتي تبين أنها شكلت جزءا دائما من نظامهم الغذائي.
ومارس سكان المنطقة أنشطة الصيد على نطاق واسع علاوة على جمع المحار سواء كمصدر للطعام أو مادة خام لصناعة المجوهرات.
وقد تم إعلان جزيرة مروح محمية طبيعية بحرية بموجب المرسوم الأميري رقم /18/ للعام 2001 وهو ما جعلها أحد أكبر المحميات البحرية في منطقة الخليج العربي. وأصبح الموقع والجزر المحيطة به والشريط الساحلي خلال العام 2007 "محمية مروح البحرية للمحيط الحيوي" ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي الخاص باليونسكو " ام ايه بي"/MAB/.
وتتميز المحمية بحياة طبيعية ذات أهمية وطنية وإقليمية وتشمل الأعشاب البحرية وأشجار القرم والشعاب المرجانية والسبخات الساحلية والشواطئ الصخرية والشواطئ الرملية والتلال الصخرية.. وتوفر هذه البيئة الموطن والغذاء لأحياء بحرية نادرة مثل أبقار البحر.