أبوظبي ـ وام
نظمت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف اليوم بمسرح كاسر الأمواج في أبوظبي ندوة علمية بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج حضرها سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي رئيس الهيئة ونخبة من كبار علماء الأزهر الشريف ووزارة الاوقاف المصرية إلى جانب علماء ومسؤولي الهيئة وخطباء وأئمة أبوظبي وجمع غفير.
ورفع سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي في مستهل الندوة أسمى آيات التهاني والتبريكات بهذه المناسبة إلى مقام الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله و الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات وإلى شعب الامارات والأمتين العربية والإسلامية .. داعيا الله أن يمد قيادتنا الرشيدة بموفور الصحة والعافية ويظلل برحماته الواسعة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان " طيب الله ثراه " .
ورحب سعادة الكعبي بالعلماء الضيوف من الأزهر الشريف والحضور شاكرا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ووزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية على هذا التنسيق والتعاون .. وقال : " نجدد في هذا الاحتفال السنوي بذكرى الإسراء والمعراج مسارات التفكير والتدبر والاعتبار بدلالات هذه المعجزة وأهدافها الدائمة في تحفيز العقول البشرية لبيان ما حملته من إشارات علمية ومواقف وعبر لنزداد إيمانا وهداية وتمسكا بالقيم والفضيلة " .
وأضاف " أننا نعيش عصر الفضاء والاتصالات الذكية والعلوم والمعارف الرقمية والتحضير لإرسال أول مسبار إسلامي إماراتي للمريخ وكلها أحداث واكتشافات تلتقي مع الإشارات العلمية لمعجزة الإسراء والمعراج التي نحن بصدد بيان أهميتها والدعوة من خلالها للعلم والبحث العلمي المؤدي إلى المزيد من الإيمان وبيان وظيفة الإنسان في هذا الكون الفسيح إذ خلقه الله سبحانه وأراد له أن يعلم حيث سألت الملائكة قال تعالى " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم " .. مشيرا إلى أن العلم ومساراته واكتشافاته والحوار هو الوسيلة المثلى للغاية من خلق الإنسان قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " .
وقال إنه" إذا قرأنا عجائب هذه المعجزة وعرفنا طريقة التحضير لجسم النبي البشري والبراق والسرعة والضوء واجتياز المسافات البعيدة بأزمنة وجيزة فيما بين الحجاز والشام ومن ثم المعراج نحو الفضاء الخارجي وما بعد هذا الفضاء .. وكلها رموز وإشارات علمية أدركنا بيقين أن الظواهر الكونية قد يعتريها التبدلات فيما تبقى الرسالة النبوية صاعدة في مسارها لا تضل ولا تحيد قال تعالى " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي " .
وأكد أنه ما من حدث من أحداث وقعت للأنبياء في معجزاتهم إلا كانت مقدمات ملهمة لصناع الحياة والحضارة من بني الإنسان وما دقائق وصف البراق التي قرأناها في كتب السنة - وهو وسيلة النقل الخارقة قبل صناعة الطيران والمركبات الفضائية - إلا حقائق تتكشف خباياها العلمية يوما بعد يوم فكلمة " البراق " ذات دلالات خصيبة في فيزيائية البرق والضوء والسرعة والطاقة " يضع حافره عند منتهى نظره " وله جناحان يحفز بهما وله صوت جفلت منه عير قريش ساعة مر فوقها وله ظهر طويل ممدود فكأنه طائرة خاصة أسرع من الصوت والضوء وكل ما اكتشفه الإنسان حتى الآن من علم متواضع أمام علم الله وقدرته قال تعالى " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .
وقال " إن هناك دلالات علمية تتوالى ما كان للإنسان يومذاك أن يفسرها بيقين علمي كما يستطيع إنساننا المعاصر فهمها وهو من ابتكر ولا يزال يبتكر ويكتشف ويعرف كيف يوظف العلم ليفجر الطاقات البشرية الإبداعية الكامنة التي أودعها الله في فطرتك أيها الإنسان وخزنها في جهازك الإدراكي وتلافيف عقلك وخيالك وذاكرتك وطموحاتك " .. موضحا أن كثيرا من مفكري العالم الإسلامي وطبقاته المثقفة يتساءلون متى يمكننا نحن المسلمين أن نحدث نقلة حضارية طال انتظارها للانتقال بالشعوب الإسلامية من بؤر التوترات والصراعات الطائفية إلى عصر الاكتشافات الإسلامية ومن أزمنة الركود إلى الإسهامات العلمية والحضارية الحديثة فمن يخترع ويتفوق علميا هو من يمتلك القوة وهو الأجدر بعمارة الكون والأنفع لعباد الله وصدق الله إذ قرر هذا المبدأ الثابت " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".
وأكد الكعبي في ختام كلمته أن هذه المعجزة النبوية المثيرة للعقول وللقلوب تحثنا على أن نتطلع إلى التجديد والتميز والابتكار .. داعيا الله أن يلهم الجميع سلامة الصدور وبراعة العقول وبناء الإنسان والأوطان على العلم والمعرفة والتسامح والسلام.
ثم توالت كلمات العلماء التي أثرت فعاليات الندوة بالحديث حول هذه المعجزة الخالدة والعبر والدروس المستفادة منها حيث ألقى فضيلة الشيخ أحمد التركي مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية كلمة بعنوان " الإسراء والمعراج والبعد الحضاري " نقل في مستهلها تحيات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وحكومة وشعبا شاكرا لهم هذه الدعوة الكريمة لمشاركتهم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في هذا البلد الذي جعله الله رمزا للسلم والتقدم والتنوير والوسطية .
وقال فضيلته : " لقد حقق رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال رحلة الإسراء والمعراج الأبعاد الحضارية للأمة الإسلامية على مستويات العبادة والمعاملة وبناء المجتمع المسلم ضاربا المثل الأعلى في التسامح والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة .. داعيا إلى استلهام هذا الخلق العظيم ونشر الدين الصحيح ومجابهة التطرف والإرهاب .
وأكد أن بناء الأوطان وتطويرها جزء من ميراث النبوة العظيم الذي حثنا عليه رسولنا الكريم وأن تعاون علماء الأمة مع حكامها واجب ديني ووطني لمواجهة الإرهاب والتطرف والغلو بالحجة والبيان .. موضحا أن الشيخ زايد " طيب الله ثراه " أدرك هذه الحقيقة فدعا العلماء إلى هذا الوطن الغالي وأنفق الكثير على مشروعات تعزيز الوسطية وحفظ القرآن التعليم مما جعل هذا الوطن أنموذجا حضاريا للأمتين العربية والإسلامية ولا تزال الإمارات في عطائها المتزايد في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات .
كما ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسن السيد خليل من علماء الأزهر الشريف كلمة بعنوان " ورفعنا لك ذكرك" وفضيلة الدكتور أبوزيد محمد علي الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر كلمة بعنوان " الرضا عن الله طريق الكرامة " ثم تحدث خليفة الظاهري الواعظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بكلمة عنوانها " الإسراء رحلة عن التسامح " قال فيها هذه المعجزة الربانية تحمل في طياتها تجليات ساميات وإشراقات مباركات كل إشراقة مطلب توقف وتأمل وعبر وتفكر ولا ريب أن التسامح الذي سمى فيه رسولنا " صلى الله عليه وسلم " في هذه المعجزة أرقى موقف وأعز منحى خطه لعيش مشترك وسلم شامل. وأضاف الظاهري أنه صلى الله عليه وسلم اكد في رحلته التكريمية الماجدة تسامحا نبيلا وتواصلا راقيا حيث صلى برسل الله الأصفياء وأنبيائه الأتقياء في رحاب بيت المقدس الطاهر ثم كرر صلى الله عليه وسلم لقاء الأنبياء في سماوات الله العلى بمودة وسرور وتصافح وحبور فبين النبي المصطفى أن اختلاف الأديان ليس محل نزاع واشتطاط وإنما هو محل تسامح وتواصل فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة على التعايش السلمي وأجمل الصور عن التسامح الديني.
وقال الظاهري إن رسولنا الكريم جعل التسامح روحا للإسلام وجوهرا لهذا الدين الحنيف فإذا نزع المسلم منه هذه الخصلة الجلية ظل إسلامه إسلاما بلا روح ولا جوهر إسلاما يفتقر إلى قيمة رشيقة جعلها الإسلام وصفا له فإذا قلنا إسلام قلنا تسامح وذلك نبينا يقول : " بعثت بالحنيفية السمحة " فالإسلام والتسامح صنوان لا يفترقان فأينما يحل الإسلام حل التسامح ففي سيرة المصطفى أعظم برهان فهناك أرض يثرب تشهد على مسلم وغير مسلم سكنوا دراها فعاشوا في أوج تسامح ونبل وتعاون ويسر وفي حياة الصحابة " رضوان الله عليهم " أجل الدليل فلما طعن عمر بن الخطاب وهو يتأهب لصلاة الفجر كانت الطعنات نافذة مزقت الأمعاء فإذا تناول شرابا خرج من البطن ورأى أمير المؤمنين قبل أن يودع الحياة أن يوصي الخليفة بأمور مهمة غير أنه لا يعرف من سيختار المسلمون لكنه يعرف ما يجب أن يفعله الرجل الذي يليه في الحكم فذكر أناسا من المسلمين لهم منزلتهم ثم قال للخليفة المرتقب " وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله يعني بأهل الذمة أن يوفي لهم بعهدهم وأن لا يكلفهم فوق طاقاتهم".