عمان _ صوت الإمارات
استضافت أسرة نادي "القلم الثفافي"، في الزرقاء في المملكة الأردنية الهاشمية الأديبة، الدكتورة سناء الشعلان، في أمسية أدبية، قدّمت فيها شهادة إبداعيّة عن تجربتها الرّوائيّة، وقدّمها لجمهور الحاضرين الأديب الناقد أحمد القماز، الذي قدّم رؤيته النقديّة لروايتها الأشهر "أعشقني"، مشيرًا إلى مواطن التجريب والدهشة والاشتغال الفني الرّاقي في هذه الرّواية، لافتًا إلى أنّ الشعلان، تركت بصمتها الخاصّة في المشهد الإبداعيّ الأردنيّ، فضلًا عن العربيّ، بل لها اسمها المهم في الإبداع العالميّ، واستعرض ملامح تجربتها الإبداعيّة وأهم خصائصها التي جعلتها تحتلّ مكانة مهمّة.
وأشار في معرض تقديمه إلى منجز الشّعلان قائلًا "هي أديبة وناقدة أردنية وإعلامية ومراسلة صحافية لبعض المجلات العربية وناشطة في قضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفولة والعدالة الاجتماعيّة، تعمل أستاذة في الجامعة الأردنية، حاصلة على درجة الدكتوراة في الأدب الحديث ونقده بدرجة امتياز، وعضو في كثير من المحافل الأدبية، مثل رابطة الكتّاب الأردنيّين، واتّحاد الكتّاب، وجمعية النقاد الأردنيين، وجمعية المترجمين الدوليين وغيرها. حاصلة على نحو50 جائزة دولية وعربية ومحلية في حقول الرواية والقصة القصيرة والمسرح وأدب الأطفال والبحث العلمي، ولها الكثير من المسرحيات المنشورة والممثّلة والحاصلة على جوائز، وحاصلة على درع الأستاذ الجامعي المتميز في الجامعة الأردنية للعامين 2007 و2008، على التوالي كما حصلت مسبقًا على درع الطالب المتميّز أكاديميًّا وإبداعيًّا للعام2005. ولها 46 مؤلفًا منشورًا بين كتاب نقدي متخصص ورواية ومجموعة قصصية وقصة أطفال، إلى جانب المئات من الدّراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، فضلًا عن الكثير من الأعمدة الثابتة، في كثير من الصحف والدوريات المحلية والعربية، ولها مشاركات واسعة في مؤتمرات محلّية وعربيّة وعالميّة في قضايا الأدب والنقد والتراث وحقوق الإنسان والبيئة، إلى جانب عضوية لجانها العلميّة والتحكيميّة والإعلاميّة، وممثّلة لكثير من المؤسسات والجهات الثقافيّة والحقوقيّة، وشريكةٌ في كثير من المشاريع العربية الثقافية.
وتُرجمت أعمالها إلى الكثير من اللغات، ونالت الكثير من التكريمات والدّروع والألقاب الفخريّة، والتمثيلات الثقافيّة والمجتمعيّة والحقوقيّة. وكان مشروعها الإبداعي حقلًا لكثير من الدّراسات النقدية ورسائل الدكتوراة والماجستير في الأردن والوطن العربي".
وقدّمت الشّعلان شهادة إبداعيّة عن روايتها "أعشقني"، وقالت في معرضها "لقد كان حلمي هو الانعتاق والتّحرر من تابوات المجتمع التي تقمع الفكر والتّقدّم والإبداع، وتتأمر على الأفراد المجدّين المتميزين، وتتواطأ مع الكذب والفساد والاستلاب والقمع، وتصلب الفكر الحرّ الطّلائعيّ الرّياديّ على خشبة التّجاوزات، وتعدمه بحبلّ المحدّدات والأعراف وقبولات الجماعات والمجتمعات والأفراد والملل والنّحل. وكانت هذه الرّواية مطيتي نحو حريتي وانعتاقي الذي أراه في انعتاقًا للمظلومين والمقموعين جميعًا.
والثّورة التي كانت هي مضمون هذه الرّواية وهاجسها، هي كانت مسوّغها ودافعها نحو التّحرّر من الشّكل التّقليديّ للرّواية، فلا يمكن أن نتحدّث عن الثّورة إلاّ بالثّورة، لذا فقد شُكّلت الرّواية كما يشاء الانعتاق، مادام السّرد قادرًا على النّهوض بهذه الرّواية؛ فكانت الفصول الثّمانية المكوّنة للرّواية هي استعراض للأبعاد ومعادلات رمزيّة للطّاقة في البُعد الخامس، وهي -دون شكّ -تصلح لأن تكون إشارات علميّة إنسانيّة تشابه الإشارات الصّوفيّة التي تشير إلى المبتغى، وتقود الرّاغب نحو الطّريق، وهي تُفسّر وفق فهوم المتلقين، وتُدرك على قدر تأويلات المريدين.
والزّمن هو مَنْ كان البطل الحقيقي في الرّواية، ولذلك ساح السّرد في ثنايا هذا الزّمن، ودار في عوالم الماضي والحاضر والمستقبل دون حواجز، وكان صوت الرّاوي العليم هو المسيطر، ولكنّه كان يسكتُ عندما تعلو إرادة أبطال الرّواية، ويخنقهم الضّيق أو تتأجّج مشاعرهم، فنسمع أصواتهم وهم يتناوبون على السّرد، ويتقاسمون أدوار دفعه نحو الحدث باقتدار دون تدخّل الرّاوي العليم، ولا يعطون زمام السّرد من جديد له إلاّ عندما يتركون له دور الإحاطة والوصف التي لا تنبغي لهم، وهم الشّركاء في صنع الحدث، لا الشّاهدين عليه فقط.
وكي لا تنتصر إرادة أبطال الرّواية على إرادتي الشّخصيّة؛ فقد انتصرتُ لنفسي بالسّرد الموازي الذي يربط الماضي بالحاضر بالمستقبل في هذه الرّواية، فبينما كانت "شمس" تسرد عبر يومياتها، كان صوتي يسرد عبر النّص الموازي الذي يسرد حكاية "باسل المهري" مع جسده الأنثى الذي حصل عليه بعد عملية جراحيّة معقدّة تجريبيّة لفرضية أن نقل العقل البشري من جسد إلى آخر ممكن في نظر العلم، وهذا ما حدث حقّاً في الرّواية، فقد نُقل عقل "باسل المهري" إلى جسد الثائرة "شمس" التي أمر بقتلها بعد أن اعتقلها بوصفه عسكريّاً موكلاً بالقضاء على الثّوار الذين تقودهم "شمس" المعروفة بالنّبيّة، ولكن المفارقة كانت في أنّ الثّوار دبّروا له كميناً ،وفتكوا به في يوم مقتل زعيمتهم" شمس" عندها قرّر الأطبّاء أن ينقلوا عقله الذي لا زال حيّاً إلى جسدها، وهذا ما كان".
وقرأت الشعلان بعضًا من نصوصها الإبداعيّة إذ قالت في معرضها "(منامها):سهدتْ ثم نامتْ ،فرأتْ في المنام يا سادة يا كرام فيما يرى النّائم أنّها سُمّيت فرحاً عند مولدها؛ لأنّ والديها أرادا أن تحمل اسماً يكرّس مشاعر فرحهما العميق بمولد ابنتهما البكر التي تمنيا دون توقّف أن تكون أنثى جميلة ترفل في الدّمقس والحرير، وتتربّى على العزّ والدّلال، وتملأ حياتهما بهجة وسعادة وغبطة، ولذلك سمّياها فرحاً. والدّنيا كلّها كانت تفتح ذراعيها لفرح، القبيلة التي لا ترى الحياة تكتمل إلاّ بمولودة أنثى جميلة كتبت باسمها حصتّها المقنّنة من أراضي المواليد الجدد. وظلّت تاج والديها إلى أن جاء أخوتها الذّكور إلى الحياة؛ فارتقوا بها لتكون جوهرة حيواتهم. وتفاصيل حياتها كلّها جاءت على قدر الأمنية، وعلى حجم الأمل، وعلى مساحة الشّوق؛ الدّراسة كانت متاحة أمامها حتى استكفت منها، والوظيفة العادلة ساوتها مع أقرانها من الرّجال العاملين بجدّ والنّساء العاملات بإخلاص، والأمير الوسيم الذي يسكن الغمام، ويحلّق على صهوة مهر أبيض مجنّح خطفها في ليلة حلم، وطار بها إلى السّموات العلا، وأنزلها عروساً له في قصر المرجان في عنان السّماء".
ودار نقاش طويل بين الشّعلان وجمهور الحاضرين حيث أثاروا الكثير من القضايا النقديّة والجماليّة والإبداعيّة حول التجنيس الإبداعيّ والكتابة النسويّة والبحث عن فضاءات تشكيل جديدة وإشكالات التجريب والحداثة وما بعدهما، واستدعاء الملتقي في ذهنية المبدع في خضم كتابته للعمل الإبداعي وموت المؤلف وخصائص المدارس النقديّة وتداخل الأجناس الأدبيّة والمهمشون في الأدب وحجم وجود المبدع في أدبه وقضايا التلقي ومستوياته، واختراق التابوات ،وآفات المشهد الإبداعيّ المعاصر، وغيرها من الكثير الإبداعيّة والنّقديّة الشائكة.
وانتهت النّدوة بأن قدّمت الشّعلان الأديب الشّاب أحمد سمور للوسط الثّقافي في الزرقاء، إذ قالت إنّ أحمد سمور هو بمثابة صوت شبابيّ موهوب، سيكون له شأنه الخاصّ في المستقبل القريب جداً في المشهد الإبداعيّ الأردنيّ والعربيّ. وقرأ سيمور قصتين من قصصه القصيرة التي نالت إعجاب الحضور بعنوان "بين فينيسيا والزرقاء" و"أهواك بلا أمل"، حيث قرأ في معرضهما "أبلغ من العمر الآن أربعين عامًا من اللاشيء من اللاجدوى، ما زالت ذكراها تنهش روحي وأعتصر ألمًا كلما تذكرت أننا انتهينا، كما تنتهي الحرب بعد أن تدون أحداثها على المباني والشوارع والأرصفة والأجساد، كما ضحكات البؤساء تبدأ بقهقهة عالية وتنتهي بالشعور بذلك الحزن الدفين، هكذا انتهينا، ما أتعس النهايات ما أتعسها وما أتعسننا، إن ما يقتلني أننا لم نلتقِ.. وما يقتلني أكثر أننا لن نلتقي وهذا الشوق في قلبي يتضخم يومًا بعد يوم ثقيل كل هذا عليٌ لا أقوى على حمله دقيقة أخرى هكذا أقول في كل يوم وأجدني حملته سنوات أخرى".