معرض الشارقة الدولي للكتاب

 يكتشف المتجول بين أروقة وردهات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ36، التي يسدل الستار عليها، السبت، عودة "نسبية" إلى "كتب الجيب"، وما تحمله من ذكريات جميلة إلى كثير من القراء الذين شكلت هذه الكتب زادهم المعرفي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، لتظهر من جديد على أرفف عدد من دور النشر المشاركة في المعرض، ويتميز "كتاب الجيب" بصغر حجمه وقلة عدد صفحاته، حتى يسهل وضعه في الجيب، كما يكون سعره منخفضاً نسبياً مقارنة مع بقية الكتب الأخرى، ويعود ذلك إلى نوعية الورق المستخدم فيه. ويرجع تاريخ ظهور "كتاب الجيب" إلى منتصف القرن التاسع عشر، قبل أن يزداد انتشاره في ثلاثينيات القرن العشرين، ويحظى بشعبية كبيرة خاصة بين اليافعين والشباب.

ولا يختلف إثنان على الدور الكبير الذي لعبه "كتاب الجيب" في تشكيل وعي ملايين الشباب على امتداد العالم العربي، وجذبهم إلى القراءة، وإثراء عالمهم بالمعارف المتنوعة، والأفكار الخيالية، والقصص المسلية، فمنذ ظهور هذا النوع من الكتب، نجحت في أن تأسر عقول وأفئدة الشباب، وذلك نظراً لما تتضمنه من قصص مميزة سواءً في عالم الألغاز أو الخيال العلمي أو الثقافة العامة.

 

 

ويلاحظ الزائر للمعرض حرص عدد من دور النشر على عرض مجموعات كبيرة من "كتب الجيب"، فتظهر تجربة دار الرشاد للتوزيع والنشر، الوكيل الحصري لإصدارات المؤسسة العربية الحديثة للنشر في مصر، والتي أصدرت خلال العقود الماضية كلاً من سلسلة "المكتب رقم 19" بالتعاون مع الكاتب شريف شوقي، وسلسلة "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" و"كوكتيل 2000" بالتعاون مع الدكتور نبيل فاروق، وغيرها من إصدارات الجيب.

وأكّد مسؤول التسويق في دار الرشاد للنشر والتوزيع أحمد محمد، أنّ "التطور التكنولوجي ودخول ما يعرف بالنشر الإلكتروني أدى إلى إحداث شيء من التراجع في النشر الورقي، وكغيرها من الكتب تأثرت "كتب الجيب" بذلك، حيث قل انتشارها، وهو ما دفع دور النشر إلى تغيير المخطط الزمني الخاص بالنشر لديها، فمثلاً في سلسلتي "رجل المستحيل" وملف المستقبل" توقف إصدار أعدادهما الدورية، وتم الاكتفاء بـ"الإصدارات الخاصة" التي تُطبع كل عام، ولكن وبالرغم من كل كذلك نجد أن الإقبال على هذا النوع الكتب مازال موجوداً، فهناك شريحة كبيرة يستهويها تصميم وإخراج كتب الجيب، بجانب المواضيع الشيقة التي تحتويها"، فيما أكد وائل محمد موسى، مدير المشتريات في مكتبة جرير السعودية، أنهم يعتمدون على ترجمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، والتي تمثل خلاصة تجارب لنخبة من الأكاديميين والتربويين العالميين في شتى المجالات المعرفية، وبالتركيز بشكل موسع على الإدارة وتطوير الذات، مضيفاً أن هذه الإصدارات تنشر بأحجام مختلفة، وتشكل "كتب الجيب"جزءاً مهماً منها، نظراً لسهولة حملها.

 

 

وعن الأدوار التي يمكن أن تلعبها كتب الجيب في العودة إلى جعل القراءة عادة يومية عند الشباب بشكل خاص قال موسى: "أعتقد أن كتاب الجيب يمكن أن يسهم في تعزيز عادة القراءة والعودة إلى المجتمع الشغوف بالمطالعة، وذلك نظراً للسمات التي تتميز بها هذه الكتب، حيث أنها صغيرة الحجم ويمكن حملها والتنقل بها في أي مكان، فضلاً عن أنها تقدم عُصارة المعارف والتجارب بأسلوب شيق وخفيف"، وفيما يتعلق بإمكانية عودة هذا النوع من الكتب إلى الواجهة مجدداً، واستقطاب أكبر شريحة ممكنة من القراء، يشهد قطاع النشر عودة عدد من الدور العالمية إلى طباعة أعداد كبيرة من "كتب الجيب"، وذلك بعد ملاحظتها لتنامي ظاهرة الإقبال على القراءة في وسائل المواصلات العامة، التي يقضي فيها الشخص عدداً من الساعات خلال الأسبوع، ذهاباً وإياباً بين المنزل والعمل.

وبدأت دار بنجوين في المملكة المتحدة، بإصدار كتب ذات حجم صغير، صممت ليسهل حملها ووضعها في الجيب، كما اتجه عدد من الناشرين إلى إصدار مطبوعات موجزة تحوي اقتباسات من أعمال أدبية طويلة، ووجهات نظر قصيرة حول بعض المواضيع، مثل سلسلة "أفكار بنجوين العظيمة"، و"المعارف الأساسية" التي يصدرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسلسلة "مواضيع للدراسة" التي تنشرها دار بلومزبري، ومع عودة الاهتمام العالمي بـ"كتب الجيب"، فإن الفترة المقبلة قد تشهد انتعاشة حقيقية في العالم العربي لنشر مثل هذا النوع من الكتب، التي ربما تكون الأنسب لأذواق ورغبات اليافعين والشباب في العصر الرقمي، نظراً لجاذبية مواضيعها، وسهولة قراءتها، وانخفاض سعرها، وهو ما يشكل فرصة كبيرة للناشرين العرب لإصدار أعمال قادرة على جذب شرائح أوسع من القراء.