برلين ـ وكالات
شيد أتباعُ الديانة البهائية منذ خمسين عاماً معبداً في ضواحي مدينة فرانكفورت وأطلقوا عليه إسم بيت "مشرق الأذكار"، وهو مكان للبحث عن السكينة الداخلية واللقاء مع أناس آخرين من نفس الديانة أو من ديانات أخرى. يصلُ عدد سكان منطقة "هوفهايم لانغن هاين" الهادئة والواقعة قرب مدينة فرانكفورت ولاية هيسن، 44 ألف نسمة. "تاونوس" قرية هادئة ومحاطة بغابة ويمر بجانبها جدول ماء. إضافة إلى هدوء المكان وجماليته يتوفر أيضاَ على جانب روحي نادر. ففي عام 1964 شُيد هنا بيت "مشرق الأذكار" وهو أول معبد بهائي في ألمانيا والوحيد من نوعه في أوروبا. These undated file photos show Abdul Baha, one of the sons of Persian nobleman Baha'u'llah, who Bahais believe is a prophet. Most Bahais accept Abdul Baha as the infallible intrepreter of Baha'u'llah's words. Bahai is a faith that Egypt's Muslim clerics dismiss as heresy. (AP Photo) بهاء الله مؤسس الديانة البهائية يصل ارتفاع المعبد الذي يتخذ شكل قبة كبيرة 28 متراً وشُيد على مرتفع في محيط القرية. لا يتوفر المعبد على إنارة داخلية ويتسرب إليه الضوء من نوافذ صغيرة تتخذ شكل مَعين (رباعية الأضلاع) ويصل عددها إلى 540 نافذة. أما الجزء السفلي للمعبد فهو مبنيٌ بالكامل بالزجاج تقريبا. ويمكن للمرء أن يدخل إلى المعبد من كل جوانبه التي تتوفر أيضا على موقف للسيارات. في هذا الصدد تقول سونهيلد شتايمل، المتحدثةُ باسم أتباع الديانة البهائية في ألمانيا:"الهدف من الأبواب الثمانية المُحيطةٌ بالمعبد وهو جعلها رمزاً لانفتاح المعبد على العالم الخارجي. كل شخص مُرحبٌ به هنا بما في ذلك الملحدون". إضافة إلى ذلك فموقع المعبد وسط الطبيعة تعبيرٌ عن ارتباط الإنسان بالطبيعة، وأيضا للدلالة على أن أتباع الديانة البهائية لا يقدسون المعبدَ فقط كما تقول سونهيلد شتايمل التي تستشهد بنص ديني بهائي مفاده:"البركةُ تشمل المكان والمعبد والساحة والمدينة والجبل، بكل بساطة كل الأمكنة التي يُذكر فيها الله". سونهيلد شتايمل، المتحدثةُ باسم أتباع الديانة البهائية في ألمانيا زرتُ المعبدَ في أحد أيام الأحد في فترة بعد الزوال. فعلى الساعة الثالثة زوالاً تبدأ حلقة الذكر التي يحضرها حوالي خمسون شخصاً. والمكان يتسع للمئات. الفضاء الداخلي للمعبد بسيط، فقط أكاليل من الزهور هي التي تزينه. المعبد خالي من الصور ومن الرموز الدينية والهياكل والتذكارات. في المعبد يوجد منبرٌ يضم كتباً دينيةً من مختلف الديانات مكتوبةٌ بالخط البهائي ويتناوب البهائيون على قراءتها لمدة نصف ساعة. يقرأ البهائيون نصوصاً من الإنجيل والتوراة ومن القرآن، كما ينشدون نصوصاً من كتب مؤسس الدين البهائي (1817 – 1892 م). ويتم قراءة النصوص لكن دون تأويلها على حد قول المتحدثةِ باسم البهائيين بألمانيا، سونهيلد شتايمل:"لا أحد يحدد المعاني والدلالات". ولا يتوفر البهائيون على قسيسين أو رجال دين، بل فقط على هيئة استشارية يتم انتخابها بطريقة ديمقراطية لتقدم المشورة في القضايا الهامة التي تشغل أتباع الديانة. . يقرأ البهائيون نصوصاً من الإنجيل والتوراة ومن القرآن، كما ينشدون نصوصاً من كتب مؤسس الدين البهائي (1817 – 1892 م). ويتم قراءة النصوص لكن دون تأويلها. تأتي التلميذة كلارا ليزا فيبارز البالغة من العمر 14 عاماًَ بانتظام مع عائلتها إلى المعبد البهائي في "لانغن هاين". فقراءة النصوص المقدسة من الديانات الأخرى شيء بديهي سواء في المعبد أو في البيت. تقول كلارا ليزا:"نحن نؤمن أن كل النصوص المقدسة للديانات السماوية وحي من نفس الإله، من المسيح إلى محمد، ومن هنا فرسالة بهاء الله وحي من عند الله أيضا". ملامح كلارا وطريقة شرحها لمحتوى وأصل البهائية يدلان على أنه ليس هذه هي المرة الأولى التي تقوم بشرح ذلك للآخرين. بالنسبة لها فالبهائية ليست هي الإسلام رغم أن مكان ظهورها هو إيران. وتضيف كلارا بنبرة تدل على اقتناعها بما تقول: "الاختلافات بين الإسلام والبهائية واضحة". دوافع المجيء إلى هذا المعبد عند كلارا لا تقتصر فقط على الجانب الديني بل المعبد أيضاً هو مكان للقاء الأصدقاء والمعارف الذين تقدرهم. وتلتقي معم مثلا في مقهى يوجد في مدخل قاعة الزوار. تغمر السعادةُ أمَ التلميذة كلارا ليزا بسبب نشاطها وتؤكد أن الأطفال عندما يصلون سن الخامس عشرة يجوز لهم أن يقرروا بأنفسهم إن كانوا يرغبون في الانضمام إلى الديانة البهائية. تقول الأم جينيفر: "نحن أربعة أخوات، اثنان منا اعتنقا البهائية بينما الأختان الأخريان لا. وهذه نقطة مهمة في عائلتنا، بأن يقرر كل فرد لوحده الدين الذي يعتنقه". لهذا السبب كانت جينيفر دائما متحفظة عندما تتحدث مع الآخرين حول دينها كما تقول، والسبب هو ألا يعتقدوا أنها تريد إقناعهم باختيارها وبالتالي استقطابهم إلى دينها. بربارا نيكه: "حتى في مقر عملي أخدم الناس بصدق" كل الذين التقيتهم اليوم في فترة بعد الزوال مقتنعون بعقيدتهم وبإيمانهم بشكل راسخ. فالشباب أيضا يتحدثون عن الفرائض الدينية التي يقومون بها على أساس أنها شيء بديهي. ويتم التركيز بشكل عام على الفضيلة والمسؤولية الشخصية عن الأفعال التي يقوم بها كل فرد. وتقول بربارا نيكه من فرانكفورت والتي تعمل في مجال الإعلاميات: " حتى في مقر عملي في الشركة المالية التي أعمل فيها أحاول في المقام الأول خدمةَ الناس". ففي الجانب العملي لدينها يقتضي نقل المعارف الدينية وحول التاريخ إلى الآخرين على شكل دروس تقَدم للأطفال والكبار. فالقراء لوحدها لا تكفي ـ حسب بربارا ـ والأهم هو أن يطبق المؤمن الأشياء على أرض الواقع ولا تبقى الأمور نظرية فقط. يصل عدد الزائرين الذي يتوافدون على المعبد البهائي في "هوفهايم لانغن هاين" 25 ألف زائر في العام، لكن جزءاً قليلا فقط منهم هو الذي يعتنق الديانة البهائية. فعدد البهائيين في ألمانيا يصل إلى ستة آلاف عضو وفي العالم ما بين سبعة إلى تسعة ملاين. ويتم تمويل هذه المعابد عبر هبات من أشخاص يفضلون عدم الكشف عن هوياتهم. ويبقى بيت "مشرق الأذكار" في "هوفهايم لانغن هاين" مفتوحاً صباحا ومساء. ويخطط أتباع البهائية في ألمانيا لبناء مشفى ومأوى للمسنين وروضة للأطفال قرب معبد "لانغن هاين"، كما تقول المتحدثة باسم بهائيي ألمانيا، والتي تضيف:"لا نريد أن نبقى في حالة جمود بل نريد أن نحاول المساهمة في أن يعم السلم والمزيد من الإنسانية في العالم".