القاهرة - صوت الإمارات
يظهر بين الحين والآخر، من يدعي أنه المهدي المنتظر، وآخرهم المصري "الشيخ ميزو"، والمعروف عنه أنه باحث عن الشهرة بين صفحات مواقع التواصل وعلى موائد برامج التوك شو، قبل معاقبته بالسجن 5 أعوام، وتمثّل قضية المهدي المنتظر إحدى الغيبيات التي تثير الجدل بين العلماء، وتفتح الأبواب للدجل والدجالين، أو من يروّجون إلى المذهب الشيعي ومهديه المنتظر القاطن في سرداب منذ مئات السنين.
وبحث الكاتب السعودي عبدالله الرشيد، عن حقيقة ظهور المهدي المنتظر من خلال مقال نشره في صحيفة "عكاظ"، وبدأ مقاله صادما بدون مقدمات نافيا ظهور المهدي المنتظر، مستندا إلى رأي مفتي قطر السابق ورئيس محاكمها الشرعية الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود الذي عنون رسالته العلمية التي صنفها ضمن فصول العقائد بـ "لا مهديّ يُنتظر بعد الرسول محمد خير البشر"، حيث أكّد المفتي القطري أنّه "اخترت هذه التسمية لتكون عقيدة حسنة، تتدلل بها الألسنة من كل مسلم ومسلمة، لاعتقادي أنها حقيقة مسلّمة".
ويرى الشيخ ابن محمود أن فكرة المهدي في التاريخ الإسلامي أصبحت بابا لإثارة الفتن، وسفك الدماء، وتصدر الدجالين والكذابين، والأعجب في أمر المهدية، رغم شيوعها كعقيدة إسلامية بين الناس، إلا أن "جميع العلماء والعوام، في كل زمان ومكان، يقاتلون كل من يدعي أنه الإمام المهدي، لاعتقادهم أنه دجال كذاب، يريد أن يفسد الدين، ويفرق جماعة المسلمين، ويملأ ما استولى عليه جورا وفجورا، كما جرى لكثير من المدعين للمهدية، وسيستمر الناس يقاتلون كل من يدعي ذلك حتى تقوم الساعة، فأين المهدي والحالة هذه؟"، ويقرر ابن محمود بكل وضوح أن "مسألة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء، فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول، ولا بين التابعين، وأن أصل من تبنى هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة، فسرت هذه الفكرة، بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة، فدخلت في معتقدهم، وهي ليست من أصل عقيدتهم"، ويمكن القول بأن فكرة المهدي ليسا حكراً على الرؤية الإسلامية فحسب، بل هي تضرب بجذور راسخة متأصلة في الفكر الإنساني عموما بكافة دياناته وأطيافه وأعراقه، ابتداء من الحضارات القديمة، عند قدماء الرافدين، وقدماء المصريين، ثم عند الفرس، والمنقذ المنتظر عند أهل الكتاب، حيث نجد صفات المخلص المسيح عند النصارى، والمنقذ المخلص في الفكر اليهودي، وأخيرًا نصل إلى فكر المهدي عند المسلمين، بكل ما ورثه من الصراعات السياسية التي تجلَّت في أوضح صورها بين المذهب السني والشيعي، والصراع التاريخي بين الأمويين والهاشميين.
ويؤكد الكاتب السعودي في مقاله أن نظرية "المهدي"، و"المهدي المنتظر" قضية جدلية شائكة في الفكر الإسلامي، حيث الخلاف الكبير حول طبيعة هذه الشخصية التي تعود في آخر الزمان، فترفع راية العدل وتنقذ المظلومين، اختلفت الاتجاهات الإسلامية في تعاطيها مع شخصية هذا المنقذ، احتدم الخلاف فتشكلت في ضوئه مذاهب وفرق تحمل كل طائفة منها تصورها الخاص عن المنقذ المنتظر الذي ينتصر لها، ويأخذ بثأرها، وشاعت كثير من الروايات والأساطير التي تضفي على هذا المنقذ صفات خارقة تتعاظم يومًا بعد يوم كلما ازدادت مظلومية هذه الطائفة أو تلك الفرقة.
وتلقى ابن محمود دروسه على يد الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ - قاضي حوطة بني تميم -، ولازم الشيخ عبدالعزيز الشثري "أبو حبيب"، وطلب العلم على يد الشيخ محمد بن إبراهيم - مفتي الديار السعودية - في الرياض وأخذ عنه سنة كاملة، ثم اختاره ابن إبراهيم ضمن ثمانية من أبرز تلاميذه للذهاب إلى مكة للوعظ والتدريس بها، انتقل إلى قطر عام 1359هـ بطلب من حاكمها آنذاك الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني حين قدم مكة قاصداً الحج، فسأل الملك عبدالعزيز أن يبعث معه برجل يصلح للقضاء والفتيا، فقرر الملك أن يرسل الشيخ ابن محمود ليصبح قاضيا ومفتياً ومعلماً ومؤسسا للمؤسسة الدينية والقضائية الحديثة في قطر.
وتميز الشيخ المحمود بسعة علمه واطلاعه، وسلاسة أسلوبه وثرائه في الكتابة، واستيعابه الجيد للقضايا المعاصرة، ومن أكثر ما تفرد به فتاواه واجتهاداته المبكرة التي تقوم على التيسير والتسهيل على الناس في المناسك والشعائر والسلوك، وربما كانت نزعته الواضحة للتيسير في الدين، سبباً في إثارة المشايخ والعلماء ضده، فأقيمت لأجل ذلك جلسات ومناظرات تحاول ثني الشيخ عن آرائه واجتهاداته المتسامحة، وفي هذا السياق كانت رسالته الجريئة في إنكار المهدي المنتظر، فهو لم يتوان في وصف هذه العقيدة الشائعة بأنها بدعة دخيلة على الإسلام، مؤكدا أن كل حديث يذكر فيه المهدي فهو إما ضعيف أو مكذوب، يقول: "حتى لو صدقنا الأحاديث الواردة في المهدي، فهو ليس بملك معصوم، ولا نبي مرسل، ما هو إلا رجل عادي، كأحد أفراد الناس إلا أنه عادل، وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح أنها موضوعة على لسان رسول الله ولم يحدث بها".
ويتساءل الرشيد عن الموقف من المهدي، ويترك الإجابة لابن محمود الذي تبنى وجهة نظره في تلك القضية "لا يجب الإيمان الجازم بخروجه، فليس من عقيدة المسلمين الإيمان به، ليست كالإيمان بالرب والملائكة والبعث والجنة والنار، فهذه كلها أثبتها القرآن وصحيح السنة، وليس منها الإيمان بالمهدي.. والحاصل أنه يجب طرح فكرة المهدي ونبذها، وعدم اعتقاد صحتها، وعندنا كتاب الله نستغني عنه من كل بدعة، واتباع كل مبتدع مفتون.. فلا نفع للمسلمين أن يهربوا من واقعهم، ويتركوا واجباتهم لانتظار مهدي مجهول، فيركنوا إلى الخيال والمحالات، ويستسلموا للأوهام والخرافات".
هذا الموقف يخالف الاعتقاد الشائع عند أهل السنة، وعند الشيعة، حيث يتفقون بالعموم على الإيمان بفكرة المهدي وخروجه، أو ظهوره آخر الزمان، على اختلاف كبير بينهم في طبيعة حالته، وشروطه، وصفاته، وكيفية خروجه.
يقوم الاعتقاد العام عند أهل السنة والجماعة على أن الإيمان بالمهدي واجب، حيث "يخرج في آخر الزمان رجل من أهل بيت النبوة يُؤيد به الدين، ويحكم الأرض سبع سنين، فيملأها عدلاً وسلاماً كما مُلئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده بنعم لم تنعم بها قط، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد، وفي زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم، اسمه كاسم رسول الله، واسم أبيه كاسم أبي النبي عليه السلام، فيكون اسمه محمد بن عبدالله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله، ثم من ولد الحسن بن علي" "ابن كثير، النهاية في الفتن والملاحم".
وأشار ابن محمود في ثنايا رسالته إلى حادثة الحرم الشريف حين اقتحم جيهمان وأتباعه الحرم المكي في غرة محرم 1400هـ، مؤكدا أن هذه مغبة فكرة المهدوية التي جنت على الأمة بأن استغلها المارقون والمنافقون لسفك الدماء، وتدنيس الحرمات والمقدسات، وأضاف "حادثة جهيمان ليست أول حادثة، فقد مضى للملحدين المهديين أمثالها، فرد الله كيدهم وبدد شملهم، فقد سبقه أبوطاهر الجنابي في موسم حج 317هـ، حين اقتحم الحرم وجماعته من القرامطة فقتلوا قرابة ثلاثين ألفا من الحجاج وأهل مكة.. وأبو طاهر هذا، فعل في الحرم الشريف ما فعل بدعوى أنه المهدي المنتظر، نفس ما ادعى جهيمان ومن معه".
ويعود الرشيد ليؤكد أن موقف ابن محمود ليس موقف جميع أهل العلم بل ليس موقف أقرانه وأرباب فكره، قائلا: أثار موقف ابن محمود جدلاً كبيراً، وتوالت الردود عليه من أقرانه وزملاء مدرسته، قدم الشيخ عبدالعزيز بن باز - مفتي السعودية الأسبق - كتاباً لحمود التويجري عنوانه "الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر"، قال في مقدمته: "فقد اطلعت على ما كتبه صاحب الفضيلة حمود بن عبدالله التويجري، في الرد على الشيخ عبدالله بن زيد بن محمود، فيما زعمه من عدم صحة أحاديث المهدي المنتظر، وأنها موضوعة بل خرافة لا أصل لها، فألفيته قد أجاد وأفاد، وأوضح أحوال الأحاديث المروية في ذلك عند أهل العلم، وبيَّن صحيحها من حسنها من سقيمها، ونقل من كلام العلماء في ذلك ما يشفي ويكفي، ويدل على بطلان ما زعمه الشيخ عبدالله بن محمود".
وختم ابن محمود رسالته، حين خاطب نفسه والقراء أنّ "الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ودار جدال، والمصارعة لا تزال فيها قائمة بين الحق والباطل، والهدى والضلال... والعاقل لا يستوحش طريق الهدى من قلة السالكين"، واتضح في ثنايا الفقرة الأخيرة من المقال، نية عبدالله الرشيد بالبحث أكثر في هذه القضية لإثبات أن قضية المهدي المنتظر، خرافة، مشيرًا إلى أنّه "لم تكن رسالة الشيخ المحمود في رفض فكرة المهدية وحيدة في بابها، بل رافقتها رسائل علمية أخرى خالف فيها الشيخ السائد السلفي، وقدم رؤية علمية مختلفة، عبر عنها بكل قوة وصراحة ووضوح. ولعل في مستقبل الأيام متسعا لاستعراض جوانب منها".