أبوظبي - صوت الإمارات
بين المؤسسة الجامعية، والمؤسسة الثقافية علاقة عضوية وعملية في الوقت نفسه، فالإطار الأكاديمي، هو في الواقع إطار معرفي فكري منهجي قبل وبعد أن يكون إطارا تعليميا، ولهذا يقول تاريخ الجامعات في العالم إن هذه الصروح الحضارية الكبرى التي تكتسب قيمة اعتبارية بالغة الخصوصية في الدول والمجتمعات قد خرج منها مفكرون، ومنظرون، وفلاسفة، ونقاد، وعلماء اجتماع، وعلماء اقتصاد وإدارة وقيادة، والكثير من النخب.
لا يمكن فصل العمل الجامعي حتى في تخصصه التعليمي الأساسي عن العمل الثقافي، فما أن ينتقل الطالب من المرحلة الثانوية، ويدخل رحاب الجامعة تراه، تلقائيا، ونفسيا، تهيأ لاستقبال حياة جديدة تقوم على ثقافة جديدة، فهو منذ أن دخل سنته الأولى في الجامعة يرى أن أمامه العتبة الأولى للمستقبل، وهذه العتبة مبنية أصلاً على مفهوم الثقافة بالمعنى الواسع والشمولي والحضاري لهذا المفهوم.
معنى الثقافة، وضرورتها، وآلياتها، ومفرداتها، ومصطلحاتها، ونظامها الفكري، وتعددها الكوني، ومرجعيات هذا الشمول وهذا الانفتاح العالمي الإنساني.. كل ذلك، عند أهل مكة، وأهل مكة أدرى بشعابها، ونقصد هنا، تلك النخب الأكاديمية المقيمة في الحرم الجامعي، ومن خلالها تتكون الحياة المدنية الثقافية منعكسة، أولاً، على الطالب الجامعي، ثم، منعكسة، ثانياً، على الفضاء المجتمعي الثقافي الأوسع خارج الجامعة، وهو انعكاس إيجابي، ولا بد منه.
المؤسسات الجامعية ليست قلاعاً تعليمية مغلقة كما يعتقد البعض، لا بل هي مصانع للعقول والأفكار والإبداعات والمعرفة والتكوين الأدبي والأخلاقي والسلوكي الأجمل، من أجل ثقافة أجمل، ومدنية أجمل.
من المؤسسة الجامعية انبثقت المؤسسة الثقافية، ليس بالمعنى الإداري الضيق الجاف، بل، بالمعنى المهني العملي، وذلك من باب التأثير الذي يتركه الأستاذ الجامعي في هذه الكوكبة الجديدة التي يستقبلها من مرحلة دراسية انتهت لتبدأ مرحلة، مباشرة، مرحلة التكوين الثقافي الأعمق والمعرفي الأعمق، والثقافي الأعمق.
نقارب بشكل عام في هذا العدد من الخليج الثقافي بين أدوار الجامعات في المسارات الثقافية في مجموعة من المشتغلين في الحقل الأكاديمي، والحقل الثقافي، وهي ليست مقاربة جديدة، ولكن من الضروري، اليوم والآن، أن نلتفت إلى المؤسسات الكبرى كالجامعات وإلى فضائها الثقافي الضروري الذي يلتقي في أهميته مع أهمية الحياة الثقافية بكل أسئلتها وتعبيراتها الماثلة على الأرض، وفي الواقع.
هذه المقاربة، تقود، بالتأكيد، إلى القول، إن الجامعات في الإمارات محاذية للفعل الثقافي المحلي ومشاركة فيه، والمؤسسة الجامعية الإماراتية جزء لا يتجزأ من المؤسسة الثقافية الإماراتية والعمل الثقافي الإماراتي العام، هذا العمل الحيوي الذي نعاين بكل وضوح ثراءه وتعدديته واستقطاباته للعديد من منتجي الثقافة بصورتها الكلية الإبداعية..