دان براون

شهد عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الأمسية الثقافية للكاتب الأميركي دان براون، مؤلف الروايات الأكثر مبيعًا في العالم، والتي أقيمت يوم الخميس الماضي، ضمن فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين من معرض "الشارقة الدولي للكتاب"، في مركز إكسبو الشارقة، وحضرها جمع كبير من مختلف الجنسيات.

 وتناول المؤلف الذي بيعت من أعماله أكثر من 200 مليون نسخة، سنوات عمره الأولى التي لعبت دورًا في تعلّقه بالكتابة، وإنشغاله بمحاولات تفسير العلاقة بين الدين والعلم، في رواياته الست التي صدرت بين عامي 1998-2013: "الحصن الرقمي"، و"ملائكة وشياطين"، و"حقيقة الخديعة"، و"شيفرة دافنتشي"، و"الرمز المفقود"، و"الجحيم".

 وذكر الكاتب براون أنه منذ طفولته كانت والدته تصحبه باستمرار إلى الكنيسة، وتجذبه نحو التعلّق بالدين، فيما كان والده، مدرس الرياضيات، يدفعه إلى الاهتمام بالأرقام وتفسير كل ما يدور حوله على أساس علمي.

 وأضاف براون: "عندما كنت صغيرًا، كان في جراج منزلنا لوحتين فنيتين، واحدة لوالدتي والأخرى لوالدي، وكانت كل لوحة تحمل رمزًا لأحد أمرين: الدين أو العلم، وكان هناك صراع في حياتي بين هذين المفهومين، وعندما أصبحت في الثالثة عشر من عمري، وجدت أن الدين والعلم هما أساس العالم اليوم، ومن دونهما لا يمكن أن تستقيم الحياة"، مضيفًا أن الدين يطلب منك أن تتقبل كثيرًا من الأمور، وتقتنع بها، في حين أن العلم يدفعك نحو البحث والتحليل.

وأشار براون إلى أننا نعيش اليوم في فترة "مثيرة"، والخيط الذي كان يفصل بين الدين والعلم بدأ يختفي، حيث أصبح العلماء يتدخلون في كل شيء، دون قيود أو ضوابط، ولذلك فإنهما أصبحا شريكين، مضيفًا: "للدين والعلم لغتان مختلفتان، ولكنهما ترويان نفس القصة في محاولتهما تفسير ما يدور بالحياة، وفي هذا الزمن توثقت العلاقة أكثر بين هذين المفهومين، فنحن نعبد الله تعالى وفي كل لحظة لدينا فهم علمي أوسع لما يدور حولنا، بل يصعب علينا اليوم أن نتقبل كل شيء دون تفسير علمي واضح". 

وأكد الكاتب براون، أنه لا يجد أجمل من الجلوس تحت السماء كل ليلة وتأمل النجوم، كما علّمه والده منذ كان صغيرًا، وسيظل مؤمنًا بأن الكون، بكل ما يحمله من ألغاز، هو أكبر من قدرتنا على فهمه، وفي كل لحظة من حياتنا نشعر بوجود الله، وهذه اللحظة يشعر بها كل إنسان على سطح هذا الأرض،متسائلًا: إذا كنا نتشابه في المظاهر الروحية وفي إيماننا بالله، فلماذا نختلف على أدياننا؟ وأجاب: "أصل أدياننا واحد، ولكن مفرداتها ودلالاتها هي المختلفة، فكل الأديان بالعالم تحمل في جوهرها نفس الحقائق الإنسانية: العطف أفضل من القسوة، والبناء أفضل من التدمير، والحب أفضل من الكراهية.

وتابع دان براون، أنه شعر بهذا التقارب المطلوب مع الآخر المختلف عنه، عندما استقبله الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في جامعة الشارقة قبيل افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث التقى طلاب الجامعة، واستمع إلى كيفية احترام إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة، للأديان كافة، وحرصها على التعامل مع مختلف الجنسيات بروح التسامح والمساواة.

 وتطرّق براون -في كلمته التي قاطعها جمهور الحاضرين بالتصفيق مرات عديدة- إلى شجون الكتابة وهمومها، مؤكدًا أن من واجب الكاتب أن يشجع على الحوار مع الآخر، رغم أن الكتابة ليست بالمهنة السهلة، مستدلًا على ذلك بمقولة الكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل: "تأليف كتاب هو صراع مهلك، مثل مقاومة مرض مهلك"، مضيفًا بأسلوب ساخر: "أكبر مأساة في العالم أن تكون كاتبًا، والأكثر مأساوية منها أن يكون زوجك كاتبًا!". وأشار إلى أنه مع ذلك، يقدر كثيرًا دعم زوجته له، فهي أول من يقرأ أعماله، وهي بمثابة المحرر الأدبي للروايات الست التي قرأها ملايين الناس حول العالم.

 وتناول الروائي -الذي تحول اثنين من أعماله إلى فيلمين سينمائيين- قصته مع الفن السابع، وقال إنه لم يكن مقتنعًا في البداية بتحويل أعماله إلى أفلام، نظرًا لحبه الكبير للكتب، ولكنه عدل عن ذلك في النهاية، بعد أن تولى رون هاوارد مهمة الإخراج، وتوم هانكس التمثيل، لافتًا إلى أنه كان سعيدًا جدًا بتعامله مع هذين النجمين الكبيرين في مجالهما، مشيرًا إلى أنه خلال الحفل الذي أقامته الشركة المنتجة لفيلمه الأول "شيفرة دافنتشي"، سأله أحد أصدقائه: "عندما كتبت هذه الرواية، هل تخيّلت يومًا أنك ستكون في فندق مع توم هانكس، فقلت: نعم، هذا كان حلمي!".

 وختم دان براون، كلمته بالقول: "من الخطأ الاعتقاد بأن أحدنا معصوم من الخطأ، أو أنه يملك الحق في الحياة دون الآخر، ولذلك يجب علينا أن نعيش بعقول منفتحة، وأن نفكر في كل شيء يدور حولنا"، مؤكدًا أنه من واجبنا أن نفعل كما قال حاكم الشارقة، في حفل افتتاح الدورة الحالية من معرض "الشارقة الدولي للكتاب": "نحتاج إلى أن نشعل الشموع في مواجهة الظلام المتصاعد".

 وردًا على سؤال وجهه عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، إلى دان براون في ختام الأمسية الثقافية: "هل أنت مستعد لزيارتنا في الشارقة مرة أخرى؟" قال براون "نعم، من دون شك، سيكون شرفًا لي أن أعود مرة أخرى إلى الشارقة".

 وفي نهاية الأمسية، أجاب دان براون على أسئلة عدد كبير من الحضور، وقال إنه يبحث باستمرار عن أفكار لرواياته المقبلة، لكنه لا يفكر الآن برواية مستوحاة من الإسلام أو المنطقة، رغم أنه قضى وقتًا طويلًا في القراءة والبحث عنهما، لكن المعلومات لم تكتمل عنده بما يكفي لكتابة عمل روائي، مؤكدًا أن الدين يشجع الناس على العمل المشترك، والحوار مع الآخر، ولكن المشكلة تكمن في الناس غير المتدينين حقًا الذين يختطفون الدين ويوظفونه لمصالحهم، مضيفًا أنه يحب الأبطال المشابهين لنا، والذين يستخدمون العقل بدل المسدس في أعمالهم وحياتهم.

 ووقع دان براون عددًا محدودًا من نسخ رواياته، ولم يتمكن من التوقيع لجميع الحاضرين بسبب أعدادهم الكبيرة، فيما قامت الدار الناشرة لأعماله باللغة العربية، بتوفير مجموعة من النسخ الموقعة على مداخل قاعة الاحتفالات، والتي تزاحم عليها الجمهور لتنفذ جميعها في دقائق معدودة.