الفنان التشكيلي العراقي جابر السراي

عبر استثمار طاقة اللون وتوظيف الأشكال ضمن مساحة اللوحة، وبما يمتلك من روح تعبيرية جديدة عرض الفنان التشكيلي العراقي جابر السراي مساء أمس الأول في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي، 30 لوحة من أعماله الجديدة التي يستوحي فيها واقع المرأة العربية في معرض بعنوان "ينابيع الجمال" الذي افتتحه الدكتور محمد المطوع الأمين العام للمؤسسة، ود . عبدالإله عبدالقادر المدير التنفيذي للمؤسسة وعدد من الفنانين .

تركز اللوحات على إبراز المرأة بوصفها كائنا حالما، وهي برغم الآلام والعالم القاسي الذي تعيشه بفعل الحروب والقتل والتنكيل تحاول أن ترتقي إلى عالمها المدهش المفعم بالحب والجمال والشروق .

من هنا، كان اهتمام السراي بطاقة اللون، في إبراز ملامح المرأة من وجه وجسد، وهو المحور الذي تدور حوله الأفكار التي يوظفها السراي كما لو أنها نص بصري قابل للقراءة والتأويل، ومثل هذا التوظيف لا يخلو من بعد أسطوري اشتغل عليه السراي كما يؤكد الناقد سلمان الواسطي، حيث عمد الفنان إلى تأثيث أعماله بأناقة مفرطة الترف، كي تلائم الأجواء التي تحيط بنسائه، فيظهر في معظم اللوحات رشاقة الخط وانسيابية الريشة التي يصاحبها ذلك التوزيع اللوني المتجانس بين الألوان الحارة والباردة بما يلائم الإيماءات والتضادات التي تصدر من هذا الوجه أو ذلك الجسد .

التوظيف الأسطوري في المعرض استحضر "عشتار" وهي إلهة الحب، والجمال والحرب عند البابليين، هذا التوظيف الذي يعمق الرؤية الجمالية للوحات التي تنم عن حساسية مدروسة في الاعتناء بالشكل الذي يخدم المضمون فتتجلى المسحة التعبيرية كأنها تعيد صياغة الفكرة وتعمق مدلولها عند المتلقي بإيقاعية لا تخلو من توهج فني وهو يعبر عن حالات الألم والأسى حيث تبرز الأشكال في بعض اللوحات من دون تفاصيل واضحة سواء للوجوه والأيدي ولكنها تنم عن رؤية يمكن تلمسها بما تشع من قوة تعبيرية آسرة .

الحلم في هذه اللوحات هو نافذة مشرعة على الواقع، وهو الواقع المفترض الذي يحمل دلالة ومضمونا هي خلاصة الرؤى والمضامين غير المرئية كما لو أنها قصيدة شعرية متأملة تدفع المتلقي لقراءة النص البصري من لوحة إلى أخرى، وبالتدرج من حالات اليأس والقنوط إلى حالات الجمال والإشراق والحلم والتوهج .

صياغة عالم المرأة في فضاء حلمي، هو العنوان الأكثر تعبيرا في معرض "ينابيع الجمال" وكأنه استمرار لتجربة السراي التي بدأها في معرضه الأول في عام 2008 في العاصمة الأردنية عمان، وعكس من خلاله حال المرأة العربية والعراقية بشكل خاص في جميع اللوحات وكان تحت عنوان "بنيلوب . . وشظايا البلور" حمل ذلك المعرض في حينه صور العديد من النساء مغمضات الأعين وبخلفيات مختلفة بعضها أسود والآخر بألوان زاهية بنفسجية ووردية .

إن اهتمام السراي بالمرأة في أعماله نابع من كونها مطبوعة في خياله منذ الصغر وهو الذي قال "ترسخت المرأة في ذاكرتي بواقعها وحزنها وألمها وحرمانها، فشكل هذا مخزونا قمت بأرشفته في أعمال فنية، وأنا أعكس هموم المرأة وسعيها للخروج من واقعها، أحببت أن أحررها بأبعادها الحسية والوجدانية من عالمها المظلم" .