الكرة الأرضية

أجرى باحثون في مختبر "فيرمي" الوطني في ولاية إلينوى الأميركية تجربة ربما ستشكل نظرة متعمقة داخل سلوك الجزيء تحت الذري المعروف باسم "كوارك"، ما يساعد في تفسير سبب تكون الكون من المادة، وربما أيضا تمثل النظرة دليلاً على وجود جزيء جديد لم تطله عدسات الميكروسكوب من قبل .

نشر فريق دولي من العلماء في المختبر ملاحظاتهم الأولية حول جزيء تحت ذري جديد يتحلل إلى جسيمات معاكسة أو مضادة للجزيئات في ظاهرة أسماها العلماء "التهجين" والتي تنبأوا بوجودها للمرة الأولى في 1974 .

يؤكد مساعد مؤلف الدراسة التي نشرت في صحيفة "فيزيكس ريفيو"، وأستاذ الفيزياء في جامعة "وين ستيت" للأبحاث العلمية في ولاية ميتشجان الأميركية، بول كارتشين "ظهرت بعض الأدلة في 2007 على وجود ظاهرة التهجين" .

وفي مختبر "فيرمي" لتسريع الجزيئات، أقدم الباحثون على تسريع زوج من البروتونات وصولا إلى سرعة الضوء، وعند اصطدامهما معا انفجرا وتطاير من الانفجار وابل من الجزيئات احتوى على جزيئات "الكواركات" تحت الذرية .

وبحسب موقع "ليف ساينس" العلمي، تتكون الذرة من بروتونات ونيوترونات، وتتكون هذه بدورها من جسيمات أصغر تسمى كواركات، أو جزيئات تحت ذرية . وللجزيء تحت الذري ست صفات تميزه بحسب مكانه، فمنه العلوي، والسفلي، ومنه ما هو في القمة، ومنه ما هو في القاع، ومنه مايطلق عليه جزيء غريب، ومنه ما يوصف الجزيء بالسحري .

تتجمع الأنواع الستة في جزيئات متعادلة وموجهة عديمة الكتلة، تعرف بالجلونات "تتوسط التفاعلات القوية بين الجزيئات تحت الذرية لتنتج البروتونات والنيوترونات وكل نواتج التفاعل الأخرى (الإلكترونات لا ترى في ناتج التفاعل بهذه الطريقة) . ويتكون البروتون، على سبيل المثال، من ثلاثة جزيئات تحت ذرية، اثنان منها علويان وثالثهما في الأسفل . وجزيئات "الجلونات" التي تحمل القوة النووية الهائلة ما هي إلا جزيئات أولية بسيطة ."
 
وعند تصادم البروتونات ينتج مقدار هائل من الطاقة يكفي لإعادة دمج الجزيئات تحت الذرية في شكل جزيئات جديدة تعرف باسم "الميزونات" mesons ، والتي تتكون من جزيء تحت ذري وجزيء تحت ذري معاكس . والميزونات وأغلب الجزيئات الأخرى التي تنتج من هذه التصادمات عالية الطاقة لا تدوم طويلاً، إذ تتحلل إلى أنواع أخرى من الجزيئات في تريلونات من الثانية .

وطريقة تحلل "الميزونات" تكشف عن نوع الجزيئات تحت الذرية المكونة لها، ومن هنا بدأ العلماء البحث عن النوع السادس من "الكواركات"، وهو الجزيء السحري، ونجحوا ليس فقط في التوصل إليه، بل اكتشفوا أيضاً أن "الكواركات" تتحول عفوياً إلى كواركات معاكسة .

يشير كارتشين "تتركز إحدى مشاكلنا مع النموذج القياسي للكوارك في أنه لا يوجد حل مبسط للمعادلات، فمن الصعب حساب الأشياء هائلة القوة، في تجارب ينتج خلالها قدر هائل من الطاقة" .

ويبدو حتى الآن أن التهجين يحدث بين "الكواركات"، بحسب ما تنبأ النموذج القياسي، ومع ذلك، فالمثير في الأمر، يضيف كارتشين، أن المزيد من التجارب سوف تكشف عن إنتاج التصادمات لأنواع جديدة من الجزيئات . ويمكن أن تسهم التجربة أيضاً في تفسير سبب تكون الكون من المادة، وليس من المادة المضادة الغريبة، بيد أن أغلب النظريات تذكر وجود نوعي المادة عند نشأة الكون . ولما كانت المادة والمادة المضادة، اللتان تدوران في اتجاه معاكس، وبما يحتويانه من شحنات مضادة، تفنيان عند ملامستهما لبعضهما بعضا فلابد إذاً أن البروتونات والعناصر الجزيئية الأولية كانت كل ما تبقى في الكون، إلا أن الحقيقة ليست كذلك . فنظرية إخلال تكافؤ الشحنة التي تفترض أن المادة والمادة المضادة تسلكان بشكل مختلف ربما تفسر سبب عدم توازن النتائج .

ومراقبة الآلية التي تتحول بها "الكواركات" السحرية إلى معاكسة والعكس قد تثمر في معرفة جديدة حول المادة المضادة المفقودة، فإذا كانت المادة والمادة المضادة تسلكان نفس المسلك، فلا وجود إذاً لما يعرف بالإخلال بتكافؤ الشحنة، أما إذا كانتا تسلكان بشكل مغاير، فيعني ذلك وجود هذا الإخلال .

ومعرفة نوع العمليات النووية التي يحدث خلالها الإخلال بتكافؤ الشحنة، والتي لا يحدث خلالها هذا الإخلال قد يفسر سبب تكون الكون من المادة .

وإذا كانت هذه التجربة لم تثبت وجود هذا الإخلال، فيعني ذلك فقط أن المعايير التي تتم فيها عملية الإخلال ربما تكون قد تضاءلت، بيد أنه لا تزال هناك إمكانية لإجراء تجارب تظهر هذا الإخلال .

وينهي كارتشين حديثه قائلا "سوف تحدد التجارب المستقبلية ما إذا "الكواركات" و"الكواركات" المعاكسة تتصرف بشكل مغاير أم لا" .