واشنطن - رولا عيسى
منذ أسطورة إيكاروس الذي حلّق أثناء هروبه من منفاه المتاهة في جزيرة كريت، قريباً من الشمس، متجاهلاً نصيحة والده، ليهوي صريعاً بعد أن أذابت أشعة الشمس الشمع المثبّت لجناحيه، تعلمنا كيف نطير بمساعدة عدد من الأجهزة التي شهدت تحسناً طفيفاً مع مرور الوقت .ومنذ خمسينات القرن العشرين، لم يتغير الأسلوب المستخدم للذهاب إلى الفضاء، ولم تعد إمكانات هذا الأسلوب كافية لتلبية احتياجات اليوم والغد .
في نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا، تم استغلال كثير من علماء "النازية" من قبل روسيا والولايات المتحدة وحتى فرنسا مثل فيرنر فون براون، الذي عُيّن مديراً لمركز الطيران الفضائي التابع ل"ناسا"، وغدا الأب الروحي لبرامج جيميني وأبولو التي مكنت الولايات المتحدة من إيصال أول رجل على سطح القمر عام 1969 . وامتلك الأميركيون صواريخ "ساتورن" زحل، فيما امتلك السوفييتيون صواريخ سويوز .
اليوم نجد أن الدول الرئيسية الثلاثة التي أتقنت الرحلات الفضائية هي الولايات المتحدة الأميركية من خلال نظام النقل الفضائي (STS) أو مكوك الفضاء، والروس من خلال قاذفات سويوز وأخيراً أوروبا من خلال آريان، وهي أنظمة متشابهة إلى حد ما، إلا أن هناك فرقاً طفيفاً في هندسة القاذف بين الولايات المتحدة والآخرين، فالأميركي تقدر تكلفته ب 5 ملايين دولار للرحلة لكن ينتهي به المطاف بتكلفة تبلغ كل رحلة 380 مليون دولار، علماً بأنه قد تم تجاوز هذه الميزانية 76 مرة.
وكانت "ناسا" أعلنت عن إطلاق قاذفات جديدة مع العام 2020 هما: آريس ض وة، وستتمكن القاذفة آريس ض من دفع 129 طناً من المواد إلى مدار منخفض بينما ستدفع آريس ة 25 طناً بما فيها رواد الفضاء ومعدات خفيفة أخرى .
ومن هنا نرى أن العلماء تركوا مفهوم المكوك الذي يعود إلى الأرض نظراً للتكاليف الباهظة والمخاطر المتعلقة به واعتبروه حلاً غير قابل للتطبيق .
وحاولت بعض الشركات الخاصة، مثل فيرجين غالاكتيك (ريتشارد برانسون)، و(سبيس إكس)، أو بلو أوريجن (المملوكة من قبل جيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون)، تطوير وسائل نقل أخرى مشابهة للقاذفات كبيرة، لكن الهدف كان مختلفاً، فالواقع أن هذه الشركات تسعى قبل كل شيء إلى تطوير السياحة الفضائية، وليس لنقل الأقمار الصناعية .
في العام 236 قبل الميلاد، اخترع أرخميدس ما يمكن أن يكون مماثلاً لأول مصعد، وذلك على شكل بكرات وونش (رافعة) . وفي وقت لاحق، أي في عام ،1800 ظهرت آليات مختلفة لرفع الأحمال أو لاستخراج المواد من المناجم .وفي العام 1852 اخترع إليشا أوتيس (مصاعد أوتيس) ما يمكن اعتباره مماثلاً للمصعد الحديث، وتم تركيب ذلك المصعد في برج إيفل في عام 1889 .
هذا الاختراع الرائع جذب انتباه أستاذ ومؤلف روايات الخيال العلمي في عام 1885 قسطنطين إدواردوفيتش تشياكوفسكي الذي رأى أنه ينبغي الذهاب إلى الفضاء عن طريق المصعد .
وفي عام ،1903 وفي ضوء الصعوبات التي كان ينبغي التغلب عليها لتحقيق هذه الفكرة، نشر تشياكوفسكي الكتاب الذي عرّف بما يمكن اعتباره استكشاف الفضاء بمركبات ذات دفع نفاث . واليوم، يعتبر هذا الرجل أباً للملاحة الفضائية الحديثة .
ومنذ نحو 100 سنة، تم تطوير نفس الفكرة، ولكن في السنوات الأخيرة، أعيد إيقاظ هذه الفكرة عن طريق كتاب الخيال العلمي وتم تطوير مفهوم المصعد الفضائي على الرغم من أن بعض التكنولوجيات لم تكن قد تطورت بعد . وأطلق على هذا المفهوم LifePort وهو المشروع الذي يأمل العلماء أن يروه قيد التنفيذ في العام 2031! والحقيقة أنه كلما أردنا دفع كميات أكبر من المواد إلى مدار منخفض أو ثابت بالنسبة للأرض يجب أن يكون القاذف أكبر حجماً . إضافة إلى ذلك، ينبغي الأخذ بالاعتبار حجم وحدات التخزين فهي عند الصاروخ اريان ومكوك الفضاء، تبلغ كحد أقصى بين 4 و5 .4 متر، في حين أنها تبلغ في آريس I 5 .5 متر وفي آريس V، يبلغ قطر وحدات التخزين 4 .8 متر بطول 22 متراً، فضلاً عن ذلك نحتاج إلى 40 كيلوغراماً من المواد القابلة للاشتعال وشديدة التفجير لرفع كل كيلوغرام إلى مدار ثابت حول الأرض . واحتاج العلماء 16 سنة كي يرفعوا إلى الفضاء ما وزنه 400 طن من المقصورات المضغوطة والألواح الشمسية والمعدات العلمية والإنقاذ للصيانة الدائمة للمحطة الفضائية الدولية لكن باستخدام المصعد الفضائي كان الأمر يمكن أن ينجز خلال 3 أشهر ولبلغت تكلفته أقل بمئة مرة من التكلفة بالوسائل الكلاسيكية .
ولكن كيف سيكون شكل هذا المصعد؟ وكيف يعمل؟ الواقع أنه ينبغي علينا أولاً أن ننسى مفهوم المصعد بشكله البسيط لأن مبدأ المصعد الفضائي بسيط جداً أيضاً، حيث يتم تثبيت كابل في الأرض وفي نهايته، أي فيما وراء المدار المتزامن الثابت مع الأرض، نثبت جسماً ثقيلاً (نيزك حسب خيال بعضهم) ليكون بمثابة الثقل الموازن . ومن خلال قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركة الأرض وقوة الجاذبية الفراغ الفضائي، يبقى الكابل مشدوداً وممتداً، وبالتالي يمكن للمصعد أن يتحرك على مدى الكابل الممتد من أسفل إلى أعلى .
علاوة على ذلك ستتحرك على طول الكابل مقصورات تشبه مقصورات التلفريك بسرعة تبلغ 200 كم في الساعة أي أن سرعة إقلاع المصعد ستكون أعلى بثلاث مرات من سرعة إقلاع طائرة ركاب مدنية وعلى مدى الرحلة سيجد الراكب أن كوكب الأرض سيأخذ بالتقلص بسرعة وخلال 3 دقائق فقط . وبعد ربع ساعة سيجد الراكب أن أفق الأرض بدأ يلوح بلون أزرق لامع ليعلن للراكب أنه يعبر منطقة الستراتوسفير وحينها سيظهر تقوس الأرض إيذاناً بدخول عالم الفضاء . بعد ساعة ونصف الساعة فقط يكون المصعد قد تجاوز موقع المحطة المدارية (على ارتفاع 350 كم) وسيلزمه مثل هذه الوقت للوصول إلى مستوى التلسكوب الفضائي هابل (على ارتفاع 600 كم) . على هذا الارتفاع يكون الراكب ما زال يبلغ 85 % من وزنه . والواقع أن هناك العديد من المشاريع المرتبطة بهذا المصعد قيد الدراسة، ولكن المشروع الأكثر طموحاً هو بالتأكيد المشروع الذي سيمكن من خلاله الإمساك بالثقل الموازن على ارتفاع 000 .100 كيلومتراً فوق رؤوسنا! أي نحو ثلث المسافة بين الأرض والقمر .
يمكن للمرء أن يستشهد بمئات المزايا، ولكن الميزة الأولى تكمن في التكلفة، فالسعر الحالي لإيصال حمولة إلى مدار منخفض تتراوح بين 000 .1 دولار و000 .6 دولار، في حين أن الوصول إلى المدار الثابت بالنسبة للأرض، يتراوح بين 000 .20 دولار و000 .40 دولار للكيلو الواحد .أما سعر التكلفة بالنسبة للمصعد الفضائي، فتقدر 5 .1 دولار للكيلوغرام الواحد!
والملاحظ اليوم أن تكلفة الرحلة إلى الفضاء مع الروس تبلغ 20 مليون دولار وفي الغد القريب (أي خلال ال 25 سنة القادمة)، يمكنك الذهاب بأمتعتك بمبلغ 150 دولاراً، ولكن كيف يكون ذلك ممكناً؟ الواقع أنه حتى اللحظة لا يبدو هذا الأمر ممكناً نظراً لعدد كبير من المشاكل التي يتعين حلها من خلال حلول جديدة . ففي الوقت الحاضر، تقدر تكلفة المشروع بأكمله بحوالي 10 مليارات دولار ومن الممكن أن تتجاوز التكلفة هذا المبلغ بمجرد الانتهاء من المشروع . ولكن بالنظر إلى الميزانية المخصصة للقاذفات الجديدة مثل آريس والكبسولة أوريون التي تتراوح بين 80 و115 مليار دولار أمريكي نجد أن هناك هامشاً كبيراً لنجاح مشروع المصعد الفضائي!
ومن التحديات الرئيسية التي كان يجب حلها هو عملية تصنيع الكابل الذي يربط الأرض بالفضاء والحل جاء في العام 1991 مع اكتشاف الأنابيب النانوية . فوفقاً للدراسات الأولية، سيبلغ عرض الكابل 91 سم بسمك 1 ميكرومتر ويمتد لمسافة تبلغ مئة ألف كيلومتر .
ولتقدير حجم هذا الاختراع ينبغي أن نتخيل بأن هذا "الشريط" المصنوع من الأنابيب النانوية (البوليستيرين) سوف يزن 200 غرام لكل كيلومتراً في حين أن كابل الهاتف بسيط يزن 4 كيلوغرامات لكل كيلومتراً كما أن قوة تحمله ستزيد ب 400 مرة عن قوة تحمل الفولاذ . لكن المشكلة أن هذا "الشريط" حساس جداً في الهواء ويمكن أن يتآكل هذا فضلاً عن هشاشته في حالة وقوع حادث ما .
وحتى الوقت الحاضر، لا تزال هناك مشاكل كبيرة تنتظر الحل لكن يرى بعضهم أنها غير مجدية في ضوء المشاكل التي تواجهنا على الأرض . ولكن الفكرة ماثلة وبدأت في التبلور في هذا المصعد الذي سيكون وسيلة لتكلفة قليلة بشكل خاص . وإذا كان المشروع يبدو أكثر أماناً وأقل تكلفة بكثير من "الناقلات" الكلاسيكية، فلا شك أنه حل طويل الأجل للنفايات الخطرة مثل النفايات النووية .
من ناحية ثانية يمكن للمشروع أن يكون وسيلة زهيدة التكلفة لبناء حلقة من الألواح الضوئية حول الأرض تكون قادرة على تلبية جميع احتياجاتنا الكهربائية الحالية والمستقبلية .