لندن – سليم كرم
لندن – سليم كرم
يواصل "قراصنة" الجيش السوري الإلكتروني، الذين يدعمون نظام بشار الأسد، هجماتهم عبر شبكة الإنترنت، واستهدافهم للمواقع الإلكترونية، التي تعتنق آراءًا تعارض نظام الأسد.
وشهدت الأسابيع الأخيرة قيام هؤلاء ،الذي يطلقون على أنفسهم "الجيش السوري الإلكتروني"، بشن هجمات على مواقع مثل "بي بي سي" (هيئة الإذاعة البريطانية)، ووكالة "أسوشيتد برس"، وكان آخر هذه المواقع هو موقع صحيفة "الغارديان"
البريطانية، حيث نجح، خلال الأسبوع الماضي، هذا الجيش في اختطاف صفحة "تويتر" الرئيسية، التابعة لوكالة "أسوشيتد برس"، والتي تحظى بحوالي 1.9 مليون متابع، ونشر عليها مزاعم تقول بأن الرئيس أوباما تعرض لإصابة إثر هجوم بالقنابل، وقد قامت "أسوشيتد برس" بتصحيح تلك المعلومات، ولكن ذلك لم يتم قبل أن تتعرض البورصة لخسائر تقدر بمبلغ 130 مليار دولار، لسبب هذا الخبر الكاذب.
وتشير صحيفة "الغارديان" إلى نشاط المؤيدين للثورة السورية ضد نظام الأسد، على مواقع الإنترنت، لاعتبارهم أحد الملامح الرئيسية المميزة لهذه الثورة، حيث يلعب نشطاء المعارضة دورًا خطيرًا في مقاومة نظام بشار، وعلى مدى العامين الماضيين، قام هؤلاء بنشر العديد من تسجيلات الفيديو، للمظاهرات المعادية لنظام الأسد، على موقع "يوتيوب"، كما قاموا بنشر أفلام مروعة، للضحايا السوريين، الذين قتلوا على أيدي القوات الحكومية، وساهموا كذلك في تشكيل الوعي، والمفاهيم السياسية، في أوساط الغرب، وذلك في الوقت الذي يخطو فيه زعماء الاتحاد الأوروبي، خطوات بطيئة للغاية، نحو تسليح المقاومة المعتدلة في سورية.
وعلى عكس ما حدث مع أنظمة الحكم السابقة، في تونس ومصر وليبيا، التي تساقطت على نحو مفاجئ، فإن نظام الأسد لايزال يقاوم، واستطاع أن يكَوِّن فريقًا من "الهاكرز" (القراصنة الإلكترونيين)، الذي يقاوم الثورة السورية، والذي يزداد قوة يومًا بعد يوم.
ويقوم هؤلاء "الهاكرز" بمهمة مزدوجة، الأولى تتمثل في معاقبة وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، التابعة للغرب، لاعتبارها تشكل خطورة على النظام السوري، أما الثانية فتتمثل في عرض وجهة النظر الأخرى للنظام السوري، ويبعث هؤلاء برسالة تقول بأن "الحرب الأهلية في سورية ليست انتفاضة شعبية ضد وحشية وطغيان عائلة الأسد الحاكمة، وإنما هي محاولة من الإرهابيين الإسلاميين، لتحويل سورية إلى إقطاعية جنونية، تابعة لتنظيم القاعدة".
وكان "الجيش السوري الإلكتروني" قد نشأ في عام 2011، مع بداية الثورة ضد نظام الأسد، ووفقًا لتصريحات عدد من المنشقين على النظام السوري، فإن فريق "الهاكرز" هذا قد انتقل العام الماضي من دمشق إلى قاعدة سرية في إمارة دبي، ويعتقد بأن حكومة النظام السوري هي من تدعم نشطاء هذا الجيش الإلكتروني.
وفي خطاب له في جامعة دمشق عام 2011، ربط الأسد بين هؤلاء المحاربين المجهولين عبر شبكة الإنترنت، وبين القوات التي تعمل على خطوط المواجهة القتالية، وقال أن "الجيش يتكون من أخوة كل مواطن سوري، وأن الشباب لديه دورًا هامًا كي يلعبه في هذه المرحلة، لأنهم أثبتوا أنهم قوة ناشطة"، وأضاف أن "هناك جيشًا إلكترونيًا، والذي يعد بمثابة جيش حقيقي على أرض الواقع الافتراضي".
ويزعم نشطاء المعارضة السورية أن "الملياردير رامي مخلوف، ابن عم الأسد، هو من يقوم بتمويل الجيش السوري الإلكتروني، وأنه العقل المدبر لتحركات هذا الجيش خارج سورية"، كما ينسب هؤلاء إلى أحد العاملين السابقين في هذا الجيش، والذي انشق، ويختفي حاليًا عن الأنظار، قوله بأن هذا الجيش يعمل من خلال إحدى شركاته المبهمة في دبي.
وتقول صحيفة "الغارديان" أن هؤلاء النشطاء المؤيدين لنظام الأسد يحصلون على مبلغ يتراوح ما بين 500 إلى ألف دولار، عن كل هجمة قوية عبر الأنترنت، تستهدف موقع غربي، وهو مبلغ ضخم في عرف معظم المواطنين السوريين، ويضم هؤلاء خليطًا من الطائفة العلوية الشيعية، الحاكمة، وكذلك عددًا من مسلمي طائفة السنة السوريين.
يذكر أن غالبية المعارضة السورية تتكون من الطائفة السنية والمسيحيين، وتزعم مصادر في المعارضة السورية أن هؤلاء "الهاكرز" يتلقون مساعدات ودعم تقني وفني من روسيا، حليف نظام الأسد، والمعروف دوليًا أن "الهاكرز" الروس هم أفضل "هاكرز" على مستوى العالم، ومن بينهم من يستهدف المواقع المنتقدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تمامًا كما يفعل "هاكرز" الجيش السوري الإلكتروني الآن.
ويقول طارق الجزائري، وهو من نشطاء المعارضة عبر الإنترنت، أن "هاكرز النظام السوري يتواجدون بكثرة داخل وخارج سورية، وأن الحكومة السورية تمولهم، لشن حرب إلكترونية ضد المقاومة السورية، من خلال عمليات التصيد، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، للترويج بأن ما يحدث في سورية ليس ثورة، وإنما هو عصابة إرهابية تحارب الحكومة"، وأضاف أن "الجيش السوري الإلكتروني يعمل أحيانًا وفقًا لتعليمات من دمشق، وأحيانًا أخرى يعملون من تلقاء أنفسهم، ويهاجمون مواقع إخبارية، مثل (الغارديان) و(بي بي سي)، في محاولة لمنعهم من قول الحقيقة"، وعن ماهية المنتصر في هذه الحرب الإلكترونية، أوضح "نحن بالطبع، لأن هاكرز النظام يخدعون أنفسهم"، في حين يقول محللون أنه "على الرغم من أن هجمات الجيش السوري الإلكتروني خام، وغير ناضجة، إلا أن تأثيرها فعال.
وينشر الموقع الرسمي لهؤلاء العديد من إنجازاتهم، وصورًا لمن يطلقون عليهم شهداء الدفاع عن نظام الأسد، كما ينشر روابط تصل الموقع بصفحات "فيسبوك" المؤيدة لنظام الأسد.
ويقول خبراء الإنترنت أن هجمات الجيش السوري الإلكتروني كافة تعتمد على اصطياد رسائل البريد الإلكتروني، التي تخدع المتلقي لها، على نحو يسمح باستيلائهم على عنوانه ورقمه السري، وتشير صحيفة "الغارديان" إلى أن "مواقع الاصطياد التي استهدفت الصحيفة، كانت مسجلة في الأصل في قبرص، على الرغم من الإيحاء بأنها في الولايات المتحدة".
ومن بين المواقع الأخرى التي استهدفها "هاكرز" النظام السوري كل من "بي بي سي عربي"، و"داتش ويل"، و"فرانس 24"، و"هيومان رايتس ووتش"، وتختلف تلك الهجمات، عن الهجمات التي نالت من صحيفة "واشنطن بوست"، و"نيويورك تايمز"، التي تتم على يد "هاكرز" ترعاهم الصين.
ويوضح موقع "الجيش السوري الإلكتروني" أنه يكافح "الأخبار الملفقة"، التي تنشرها وسائل الإعلام العربية والغربية، عما يحدث في سورية، وبعث أحد أعضاء هذا الجيش إلى أحد المواقع رسالة يقول فيها أنهم "جميعهم من الشباب السوري المتخصص في مهارات الكومبيوتر، مثل عمليات القرصنة الإلكترونية، والرسومات الغرافيكية، وأن رسالتهم تتمثل في الدفاع عن وطنهم المحبوب سورية، ضد وسائل الإعلام، التي تشن ضدها حربًا دموية"، لافتًا إلى أن "وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها حكوماتها، تنشر الأكاذيب، والأخبار الملفقة بشأن سورية".