عدم إنجاز الفروض المدرسية

«لا أريد انجاز فروضي، سوف أنجزها لاحقًا، لم تعطنا المعلّمة فروضًا للبيت»... هذا ما يقوله التلميذ الذي يتقاعس في إنجاز فروضه.
وفي المقابل تقول أم: «شرحت له مدى أهمية المدرسة، ولكنه لا يريد إنجاز فروضه، ويقوم بها بعد شجار طويل معه... أواجه هذه المشكلة كل مساء».
مَن مِن الأمهات لم تواجه هذه المشكلة؟ تلميذ لا يرغب في إنجاز وظائفه المدرسية، فتتحوّل الفترة المسائية إلى فترة صراخ وبكاء وتلميذ يدعي أنه مظلوم. ومع ذلك فإن الأهل مسؤولون عن الطريقة التي ينجز فيها أبناؤهم فروضهم المدرسية.
يرى اختصاصيو التربية أنّ إنجاز الفروض المدرسية يتعلمه التلميذ منذ نعومة أظافره، أي بعد انتهاء مرحلة الحضانة. فمع بدء المرحلة الابتدائية يتعلّم التلميذ القراءة، وعلى الأهل أن يكونوا موجودين وحاضرين كي يعلموه كيف يقرأ ويُظهروا له الثقة بقدراته.

ويبقى السؤال: إلى أي سن على الأهل الإستمرار في مساعدة ابنتهم أو ابنهم في إنجاز فروضه المدرسية؟

غالبًا ما يطرح الأهل هذا السؤال، والأمر يعود، وفق اختصاصيي علم النفس والتربية، إلى الطفل نفسه وتبعًا لقدراته على تدبّر أموره وتحمل مسؤوليته ، ويكون ذلك متصلاً بالأسلوب التربوي الذي اعتمده الأهل في تعزيز استقلاليته.

وإذا تكلمنا على الأسلوب المثالي في التربية، فإن الأمر يعود إلى حضور الأهل في سنوات ابنهم الدراسية الأولى، أي المرحلة الابتدائية، خلال تعلم القراءة، وخلال المرحلة الأولى لتعلمه الحساب (الجمع والطرح والضرب والقسمة)، وتعلمه تصريف الأفعال وقواعد اللغة والإملاء.
إذا كان الأهل مواكبين لهذه الفترة، فهناك فرصة كبيرة لأن يكون الطفل قد تعلم الاستقلالية وتدبّر أموره خطوة خطوة، وبالتالي النتيجة المنطقية هي أن يصبح عمليًا مستقلاً في إنجاز وظائفه.

وعندما يبدأ المرحلة المتوسطة، من المهم جدًا مساعدته في الأسابيع الثلاثة الأولى من العام الدراسي كي يتعلم كيفية تنظيم نفسه في المدرسة الجديدة.
فمن المعلوم أن قسم المدرسة المتوسطة يكون منفصلاً عن المدرسة الابتدائية في معظم المدارس، فضلاً عن أن الفروض أكثر صعوبة وجديّة، وهذا قد يقلق التلميذ ويجعله مرتبكًا في إنجاز فروضه.
وتبعًا لذلك، من المهم أن يكون التلميذ قد أدرك إدارة عمله المدرسي على مدى أسبوع كامل من خلال المفكرة المدرسية. وانطلاقًا من هذا، على التلميذ أن يكون مستقلاً بشكل كامل كي لا يكون في حاجة إلى مساعدة أهله في انجاز فروضه اليومية.
وبالتالي ليس من الضروري أن يتلو محفوظاته على والدته، ولا هي تتحقق من وظائف الرياضيات أو القواعد. وفي المقابل، على الأم أن تكون حاضرة للإجابة عن أسئلته وإن كان التلميذ مستقلاً ومسؤولاً. فمن المهم جدًا أن يفهم أن دراسته مهمة بالنسبة إلى والديه، ولكن بدءًا من هذه المرحلة منحاه ثقتهما في انجاز عمله المدرسي اليومي.

غير أن هذه الثقة التي منحت للتلميذ يجب أن يكون لها أساس وهو أن يبقى الأهل مطلعين على أداء التلميذ المدرسي والعلامات التي ينالها فورًا، فهذه هي وسيلة الرقابة الوحيدة التي بقيت للأهل.
لذا لا يجدر بهم انتظار نهاية الفصل الأول لمعرفة علامات التلميذ، بل عليهم أن يطلعوا عليها في كل مرة يقوم التلميذ بمسابقة، وإن كان في شكل يومي.

وفي المقابل، إذا لم يكن الأهل حاضرين في مرحلة ابنهم الابتدائية، فإن هناك احتمالاً كبيرًا ألا يتعلّم التلميذ كيف يكون مسؤولاً عن يومياته المدرسية بشكل كاف يسمح له بحرية الاهتمام بوظائفه مع بداية المرحلة المتوسطة.
وتبعًا للصعوبات التي يواجهها، فإن من المؤكد أنه في حاجة إلى دعم أهله ومساعدتهم ليقوم بواجباته بشكل صحيح حتى السنة الرابعة المتوسطة.

المحصلة أن تعليم التلميذ تحمّل مسؤوليته المدرسية هو مسؤولية الأهل، ولكن هذا لا يعني إشعارهم بالذنب إذا لم يكونوا مواكبين لمراحل ابنهم الدراسية الأولى.
ومهما يكن، فمن الممكن أن يعود الأهل ويمسكوا دفة أداء ابنهم المدرسي. ولكي ينجز التلميذ فروضه من دون بكاء وصراخ وتململ، هناك حلول عدة:

وضع روتين يومي
فمن دون هذا الروتين، فإن الأهل يستمرون في الشجار اليومي. لذا كلما تلقفوا الأمر مبكرًا وألزموه انجاز فروضه بشكل روتيني تحوّلت المسألة إلى عادة يقوم بها التلميذ. ولكن عليهم أن يعلموا أنه قد يتأخر في تحصيل النتائج الإيجابية، فإهمال سنوات لا يزول في غضون أسابيع.


 كيف يكون الروتين اليومي؟
على الأهل أن ينظموا الفترة المسائية ويضعوا لها برنامجًا واضحًا، أي بعد المدرسة وذلك بأن يقوم التلميذ بواجباته المدرسية، ومن المؤكد أن على الأم بسط سلطتها والمثابرة على متابعة ابنها. بمعنى آخر أن تضع خطة عمل يلتزمها التلميذ لإنجاز واجباته وبجدّية، ويكون ذلك في:

    الاستفاضة في الشرح له وبلطف ما الذي تنتظره منه من الآن فصاعدًا.
    الشرح له أن ليس له خيار وأن عليه أن يريها علامات المسابقات الأسبوعية وأن تتحقق منها بشكل يومي.
    أن تشرح له أنه سيعاقب إذا لم يلتزم القوانين وأنها ثابتة على موقفها.
    الشرح له ماذا يربح من إنجاز فروضه المدرسية وجعل المدرسة في أولوياته: كأن تعطيه أمثلة عن نماذج أشخاص من محيطه الاجتماعي نجحوا في أعمالهم ووصلوا إلى أعلى المراتب بفضل علمهم. وفي المقابل الشرح له أن كل هذا سيخسره وإعطاؤه نماذج عن أشخاص فشلوا في المدرسة وبالتالي دفعوا ثمن فشلهم الدراسي في حياتهم العملية والاجتماعية.

أما إذا بقي التلميذ يرفض إنجاز فروضه، فعلى الأهل أن يتحملوا المسؤولية. والحل يكون العقاب شرط اختياره بحسب ما يعرفه الأهل عن ابنهم، بما يلقّنه درسًا ويجعله يفكرً مليًا، أي أن يجعل التلميذ يتولى زمام المسؤولية. ففي إمكانه الاختيار بين العقاب أو انجاز فروضه بجدية، وإذا كان يعرف كيف يتملص من العقاب، على الأم أن تكون ماكرة في إيجاد عقاب شديد، يؤثر فيه، إلى درجة تجعله يشمر عن ساعديه ويبدأ انجاز فروضه، ولكن حذار العقاب الذي يستند على الابتزاز العاطفي.

وفي المقابل، على الأم المثابرة على قوانينها، إذ إنه سوف يقوم بمحاولات عدة للتملص من إنجاز فروضه. لذا على الأم أن تستمر في مراقبتها الصارمة وإلزامه القوانين فترة طويلة إلى أن يعتاد الأمر ويصبح من طبعه.

 كيف يمضي التلامذة فترة ما بعد اليوم المدرسي؟
معظم التلامذة عندما يعودون إلى المنزل بعد نهار مدرسي طويل يمضون فترة المساء على النحو الآتي:

    إما التسجيل في مركز للدروس الخاصة إذا كانوا صغارًا جدًا وكان الوالدان يعملان.
    إما العودة إلى المنزل وحدهم والانتظار لساعات إلى حين عودة الأم أو الأب من العمل.
    أو العودة إلى البيت حيث ينتظره أحد الوالدين.  أو البقاء في الشارع واللعب مع أبناء الجيران إلى حين موعد العشاء.

وتبعًا الحالات بعض التلامذة الذين يمضون فترة ما بعد المدرسة وحدهم، فمن البديهي أن يكون أداؤهم المدرسي في ما يتعلق بالفروض والدروس التي يجب مراجعتها مختلفًا.

فترة مسائية مختلفة نتائج مدرسية مختلفة

التلميذ الذي يعيش شبه فوضى فترة ما بعد اليوم المدرسي، والذي يسهر إلى ساعة متقدمة من الليل، فمن الطبيعي ألا يظهر أي حماسة للقيام بواجباته المدرسية وحده مثل الراشدين. فيكون المرح أولوياته والمدرسة آخر همه. وفي المقابل، فإن التلميذ الذي يعي أهمية المدرسة فإنه بعد دقائق من الراحة التي يستحقها سوف يبدأ بإنجاز فروضه ومراجعة دروسه.

إذًا ما القوانين الأساسية لفترة ما بعد اليوم المدرسي؟

    الخروج من المدرسة، يعود الأبناء مباشرة إلى البيت: لنفترض أن الأبناء سنهم 11 و15 و17 فليس لديهم الحق في زيارة صديق من دون إذن أحد الوالدين، حتى البكر إذا كان فوق السادسة عشرة، عليه إعلام والديه بمكان وجوده.
    وقت الاسترخاء: تستمر فترة الإسترخاء 30 دقيقة، فهذا من حق التلميذ بعد نهار مدرسي طويل، ومن حقه تناول عصرونية والاسترخاء والتحدث عن يومه.
    الجلوس إلى مكتب الدرس: معظم الأبناء لا يعودون من المدرسة في الوقت ذاته، خصوصًا إذا كانوا في مراحل مدرسية مختلفة، ومع ذلك على كل واحد تحمل مسؤولية ما سيقوم به، فإنهم لن يمددوا فترة الراحة لأنهم يدركون تمامًا انهم كلما أنجزوا فروضهم باكرًا كانت لديهم حرية القيام بما يرغبون في الوقت المتبقي من المساء قبل الذهاب إلى الفراش.
    الفروض: إنجاز كل فروض المدرسية لليوم التالي يجب أن يكون في أولوية. ثم النظر في مفكرته وما إذا كان هناك فرض خلال الأسبوع يحتاج إلى انجازه مسبقًا. بالنسبة إلى بعض المواد، من المستحيل درس صفحات وصفحات بالسهر طوال الليل، بل الأفضل استباق الأمر وإنجاز الفرض على مراحل. ففهم المادة يساهم في طريقة درسها، وكل تلميذ يعرف تحديد الساعة التي عليه الانتهاء من واجباته، فهو تسلم زمام المسؤولية بشكل كامل، والأم لا تعود تتحقق بل تراقب العلامات.
    النشاطات الرياضية: هناك تلامذة يشاركون في نشاطات رياضية عليهم التمرن عليها مرة أو مرتين في الأسبوع، وهم يعرفون كيف ينظمون أوقاتهم ويأخذون في الاعتبار الأمسيات التي يتخللها نشاط رياضي، وبالتالي ليس لديهم الوقت الكافي. في هذه الحالة عليهم:

مثلاً اختيار الأمسية التي يمكنهم السهر خلالها لإنجاز وظيفتهم مسبقًا.

أو التخلي عن فترة الراحة ما بعد المدرسة إذا كان في إمكانهم إنجاز واجباتهم قبل الذهاب إلى النشاط الرياضي.

أو إنجاز واجباتهم بعد عودتهم من النشاط الرياضي، مما يدفعهم إلى اختصار أمسيتهم ويلزمهم التفكير في الطريقة المثلى لتفادي هذا الضغط في الأيام المقبلة.

الاختيار الأخير: إذا كان التلميذ يدرك أهمية المدرسة وأن لديه الكثير من الفروض التي عليه انجازها، فإنه قد يستغني عن نشاطه الرياضي لمصلحة أدائه الأكاديمي. وهذا قد يشعره بالأسى ولكنه مع ذلك يكون قادرًا على اتخاذ القرار لمصلحة دراسته الأكاديمية.