لم تفكر الأم حياة غاشا (70 عامًا) أبدًا في مغادرة منزل عائلتها الموجود في سورية، إلا أنها تعرضت لانفجار في أيلول/ سبتمبر تسبب في حرق معداتها كاملة، ومازال جرحها منتفخًا راشحًا.

وتحتاج المرأة المعامًا إلى رعاية خاصة، وتأمل ابنتها عبير جونز (43 عامًا) في الحصول على 4 آلاف جنيه للمساعدة في دفع رسوم الخدمات الصحية الوطنية بما فيها رسوم 500 جنيه.

وأطلقت عبير، التي أصيبت والدتها جراء انفجار قنبلة هاون في منزلها في سورية حملة لجمع تبرعات 4 آلاف جنيه إسترليني حتى تتمكن من إحضارها من وطنها للعلاج في ويلز خلال الاحتفالات بالكريسماس.

وتعيش عبير في بريطانيا، منذ وقعت في الحب عبر الانترنت مع مدرس اللغة الإنجليزية، ثم انتقلت لتعيش في أبرجيل شمال ويلز منذ 10 أعوام، ولم تفكر والدتها حياة غاشا ذات السبعين خريفا في ترك منزل العائلة منذ 45 عاما، على الرغم من كل ما تشهده مدينة حلب من صراعات، وبكل فخر تمسكت الأم بوطنها حتى الآن على الرغم من الحرب المستعرة حولها.  

وفي 8 أيلول/ سبتمبر من هذا العام تسبب انفجار قنبلة هاون سقطت في حديقة منزلها في تحطيم غرفة المعيشة التي كانت تجلس فيها، وإصابة والدتها المعامًا بثقب محروق في معدتها.

وتزوجت عبير من عامل مصنع يدعى ديفيد جونز (58 عامًا) التقته على الانترنت في 2005، حيث كان يعلمها اللغة الإنجليزية عبر "سكاي بي"، وتقول إن والدتها أخبرتها عن انفجارات وصراعات وكل شخص كان بحاجة للانتقال إلى غرفة أخرى.

وبدأ أخوة عبير ـ دانيا (33 عامًا) وريم (37 عامًا)  في التحرك للغرفة الخلفية من المنزل قبل والدتهم التي لم تستطع النهوض، فانفجرت القنبلة وخلفت شظايا داخل الغرفة.

وكل ما تتذكره الأم أنها شاهدت ألعابا نارية تنفجر أمامها على اليمين، ولم يكن أمها مكان للهروب منها، ثم شعرت بألم شديد في معدتها، ولم تشعر بيدها على الإطلاق.

وعندما استقر التراب المتناثر في بيت العائلة الذي لا يوجد به كهرباء أو مياه، انكشفت جروح وإصابات الأم "حياة"، حيث خلفت لها شظايا الهاون ثقبًا لحريق في معدتها من بين لحم جسدها، وترك ثقب فجوته 15 سم، كما تمزق ذراعها الأيسر.

ولخطورة الصراعات لم تخاطر أي سيارة إسعاف بالقيادة في الشارع، وذهبت الأم إلى المستشفى الحكومية المحلية بسيارة الجيران؛ إلا أن الأطباء أسعفوا الأم المسنة دون مخدر، ولم يتمكنوا من إغلاق الثقب الموجود في معدتها، ليتركوا لأبنتها "جونز" مهمة نقلها إلى بريطانيا للحصول على الرعاية الصحية.

عبير لديها 6 أخوات، وعلمت بالأخبار المؤسفة بخصوص والدتها وتتابعها حاليًا من خلال أختيها اللتين تقيمان مع الأم، وفي مساء 8 أيلول/ سبتمبر كانت عبير بصحبة ولديها ـ أدم (8 أعوام) وداني (5 أعوام) في الحمام، عندما تلقت مكالمة واتساب من أختها التي قالت لها: "لا تنزعجي، ولكن أمنا أصيبت جراء هجوم بقنبلة هاون".

وتحكي عبير: "بدأت أصرخ مثل المجنونة، ولم أستطع التوقف عن الصراخ، حتى أن ابني "أدم" قفز مسرعًا من الحمام وهو يصيح: هل أنتي بخير يا أمي؟! ماذا حدث؟".

وتكمل: "حاولت أن أتماسك، ولم أتمكن من إخبارهم بما أواجهه، حتى لا أزعج الأطفال، بينما كان قلبي يقطر دمًا، وأخذتهم إلى سرائرهم، إلا أن الدموع كانت تغرق وجهي. وكان عليا أن أخبر ولدي الأكبر "آدم" أن جدتهم لم تكن بخير، إلا أنها أصبحت أفضل الآن، فاحتضنني وقال أنه سيصلي لأجلها، وكنت سعيدة به في هذه اللحظة".
 
 وتؤكد عبير جونز أنها كانت مقتنعة أن أمها قتلت، وفي وقت متأخر من هذه الليلة، وبعدما كان الأطفال في سريرهم، تحدثت إلى أختها، وتبين لها مدى الإصابات التي حلت بوالدتها، ولم تتحدث إلى أمها شخصيًا، ولكنها كانت تتابع مع شقيقتها من خلال الواتساب، وقالت لها أختها: "تم إجراء جراحة لأمنا دون مخدر، ووضعوا الدبابيس في ذراعها، وحاولوا عمل غرز لمعدتها المثقوبة، ولكنهم لم يتمكنوا من إغلاق الثقب تمامًا".
وشعرت "عبير" بدوار عندما سمعت بذلك، وتيقنت أن أمها تعاني آلاما جسدية لا يمكن أن توصف، ولم تحتمل التفكير في ذلك. لقد نظف الأطباء جرحها وثقب معدتها قدر استطاعتهم، ولكن الثقب المفتوح بمعدة الأم "حياة غاشا" مدعاة للقلق والمخاوف فبعد شهرين مازال يقطر دمًا ومازال مبللاً ويرشح.

ولم يتم إجراء أشعة "إكس" على إصابات المسنة "حياة"، حيث أن المستشفيات التي تعالجت فيها لا تملك هذه الإمكانيات، لذا تعيش ابنتها "عبير جونز" حالة من القلق الدائم بخصوص احتمالية إصابة والدتها بعدوى تودي بحياتها.

وتقول عبير أنها سمعت بأن المتفجرات التي أصابت منزل العائلة تم صناعة مكوناتها منزليًا من قبل المتمردين، لذا ربما تكون معبأة من الأحجار والعشب والأرض، ولو كان أحد هذه الأجسام الغربية دخلت أو استقرت داخل جسم الأم، فربما يشكل الأمر خطورة على حياتها لو لم تتلقى رعاية صحية جيدة، وأضافت: "واجبي الآن أن أحضرها إلى هنا حتى يراها الأطباء قبل أن يتأخر الوقت".

وأطلقت "عبير جونز" حملة تبرعات موسعة حتى تتمكن من إحضار والدتها إلى ويلز بشكل آمن في فترة الكريسماس، وتأمل "جونز" في الحصول على 4 آلاف جنيه إسترليني مطلوبة كأتعاب للمحامي 500 جنيه، حتى تستطيع الحصول على إقامة لأمها في بريطانيا، ورسوم 2.100 للحكومة، و500 لمركز الخدمات الصحية الوطني.

وكل قرش فائض من عبير وزوجها جونز سيكون لعلاج الأم المريضة، بما في ذلك الأموال التي ادخروها لإقامة حفل كبير للاحتفال بالذكرى العاشرة على زواجهم.

كما تبحث "عبير" عن وظيفة أخرى للمساعدة في التكاليف، وإذا تمكنت من الحصول على تأشيرة دخول بريطانيا بهذه الطريقة، فيمكن أن تسافر عن طريق لبنان أو تركيا، كما أنها مشغولة بالمخاوف من الرعاية العاطفية لوالدتها.
وتؤكد أن أختها أكدت عليها أنهم يعيشون في رعب دائم حيث أن "داعش" قد يصل إلى حلب، لتصبح الحياة غير قابلة للاحتمال، وكيف أن بيت العائلة أصبح محاطًا بالأنقاض وما هو أسوأ.

 وقالت الأخت إنهم عندما يذهبون لشراء اللبن يرون جثث الموتى وأطراف الأجساد. وتحاول الحكومة بصعوبة تدعيم المواطنين في حلب بكل شيء، إلا أن المتمردين يسعون لقطع ومنع هذه الإمدادات الضرورية.
وتوضح عبير أن أخواتها مرعوبين، حيث يقوم الدواعش بإجبار البنات في المدن الأخرى مثل "الرقة" و"دير الزور" على ارتداء الملابس السوداء الطويلة، والنوم معهن إكراهًا، ويقول لهن الدواعش إن هذا دورهن لمساعدة المقاتلين، وإذا رفضت البنات ذلك يتم تعذيبهن أو قتلهن.

وتتذكر "عبير جونز" حلب التي تربت فيها كبلدة جميلة، وتتحدث باعتزاز عن ذكرياتها الغالية عند شروق الشمس والشوارع والقلعة؛ ولكنها كل ما تريده الآن هو رؤية أمها مستقرة وآمنة في بريطانيا، وكانت "حياة" ترملت منذ 2012 بعدما توفي زوجها رياض.

وتقول عبير: "أريد أن أساعد أخوتي للخروج من هناك أيضًا، ولكن حالة الأم لا تحتمل الانتظار، فهي مثل طفل يحتاج لعناية خاصة، فلن أترك أمي لتموت هناك، سأدعمها بكل ما أستطيعه عندما تصل، ولست مهتمة بالحصول على معونات لها من الحكومة أو أي شيء كهذا". 

وأضافت: "أمي تحب ويلز، فقد حضرت من قبل وزارتنا في 2011، وكان المشهد لطيفًا، وسأكون أسعد مخلوقة في الدنيا إذا حدث ذلك في أعياد الكريسماس، فسنجلس أنا وديفيد والأولاد مع أمي على مائدة العشاء، أتمنى أن أصلي وأشكر الله بعد حدوث ذلك، فسيكون أفضل عيد كريسماس يمر علينا، حيث أنني لم أرها منذ 4 أعوام تقريبا، وكنت متخوفة جدًا من أن تكون قنبلة الهاون التي ضربت المنزل قتلتها ولن يمكنني أن أراها ثانية".

ويدعم الممثل المحلي للصليب الأحمر في منطقة إقامة عبير جونز، دارين ميلر، حملتها، كما تعهد الصليب الأحمر بمساعدتها في الأمر.
وقال ميلر: "لقد أصبحت والدتها ضعيفة وواهنة، ومن الواضح أن سلامتها وصحتها في خطر بسبب الصراع الذي يستمر في الفتك بأمتها، ونريد أن نفعل ما نستطيعه لمساعدة اللاجئين الحقيقيين في هذه الظروف".