الملاكم محمد علي كلاي

أنهى موت محمد علي صراعه المؤلم مع مرض باركنسون الذي استمر لمدة 30 عاما وهو المرض الذي لم يستطع الملاكم العظيم تحمله، وأوضح أصدقاء وأفراد أسرة السيد علي أن حياته خلال السنوات الأخيرة كانت كابوسا حيث عانى جسده من خلل وظيفي كامل حتى أنه كان يحتاج المساعدة للوقوف، وتمكن من التواصل فقط من خلال إصدار صوت النخر، وأصبح علي معتمد تماما على زوجته الرابعة يولاندا أو لوني وشقيقتها مارلين وليامز والتي شغلت منصب مقدم الرعاية له خلال السنوات الأخيرة من حياته، وقامت السيدتان بجولات من منزل علي الصيفي في لويزفيل في كنتاكي إلى منزله لفصل الشتاء في مناخ أكثر دفئا في سكوتسديل بولاية أريزونا، وكانا يكسرا الروتين فقط عن طريق نقله جوا إلى الجمعيات الخيرية ومناسبات النجوم.
 
وأشار بعض أصدقاء علي إلى أنه يبدو مستمتعا عند استثارة مشاعر الحزن عند ظهوره صامتا بينما شكك البعض في أخلاقيات اصطحابه للخارج بهذه الحالة ليتم التحديق فيه كما لو كان في معرض الشمع، ومنذ أن أصبح وجه علي كقناع خالي من المشاعر أصبح من الصعب معرفة فيما يفكر أو يعتقد، ولكن بشكل خاص فهو يواجه عبئه بنفس الشجاعة المشهودة له خلال معاركه الملحمية مع جورج فورمان وجو فريزر، ولم يظهر على الشفقة على ذاته منذ بدأت أعراض المرض الأولى تظهر عليه عندما كان يقترب من سن الأربعين وكان لا يزال يحلم بالفوز بلقب الوزن الثقيل حتى لفظ أنفساه الأخيرة، وكان ينفس عن إحباطه من خلال التمرد ضد الإهانة من حالته، وكان أحيانا يتظاهر أنه ابتلع مجموعة من حبوب الدواء لمكافحة أعراض مرض باركنسون مثل الهزات ونوبات الهلع لكنه كان يخفيها تحت وعاء الأزهار، وأصبح علي غير متعاون أحيانا كما تقول مارلين مقدمة الرعاية حيث كانت تختار له قميص وسروال قطن ملونين لكنه جعل من الصعب عليها غلق الأزرار، وكانت هذه السلوكيات الطفولية إحدى طرق علي للتشبث ببعض مظاهر ضبط النفس.
وظهر كلاي على مقعده الجلد صامتا ولا يستطيع الحركة لكن عقله لا يزال نشطا، وأصبح لا يستطع القراءة  أو الكتابة،  وظل لسنوات يشهد تشغيل معاركه على جهاز تليفزيون في حجم السنيما الصغيرة في غرفة معيشته، ومن أفلامه المفضلة Rumble in the Jungle’ مع فورمان و ‘Thrilla in Manila’، وجعل مرضه أحباله الصوتية هشه لكنه أحيانا كان يستطيع نطق بعض الكلمات، وكان يطلب أن يجلس أمام الكمبيوتر ليتحدث مع حفيدة المحبوب يعقوب (15 عاما)  وهو نجل ابنته خليلة علي يرثميرعبر سكايب، وأصرت زوجته لوني على أنه لم يفقد حماسه على مدى الحياة لكنها أشارت إلى الجانب المظلم الذي عاناه من اعتباره في طي النسيان، مضيفة " لديه الكثير ليكتئب بشأنه حيث تغير أسلوب حياته بشكل كبير ولكن أعتقد أنه ما زال لديه شعور بمكانته في التاريخ ولا يزال لديه شعور بالنفس والكرامة".
وعلي الرغم من إنجازاته إلا أنه ترك عائلة تمزقها النزاعات بشكل عميق حتى أنه من الصعب تصور كيفية اجتماعهم معا لساعات قليلة في جنازته، لقد كان كلاي عبقري رياضي وملاكم يتميز بخفة الحركة التي جعلته يحول الملاكمة إلى نوع من الباليه وكان لديه قناعة لا تكل، وضحى بالشعبية والشهرة بين الأميركيين البيض للدفاع عن حركة حقوق السود، وتخلى عن لقبه العالمي وأفضل سنوات حياته فضلا عن مشاركته في حرب فيتنام، وتميز بشخصية جذابة جدا إلا أن تعليمه كان محدودا حتى أنه قال مازحا " خرجت من المدرسة الثانوية بدرجة –D لقد أعطوني درجة سالبة لفوزي في الألعاب الأوليمبية".
 
واختلفت شخصية محمد علي بعيدا عن الحلبة، حيث أثرت أخطاء علي وبينها تعرضه للتملق والضعف أمام النساء الجميلة على حياته الشخصية وأفسدتها وتركت ندوبا عميقة لا يمكن أن تلتئم، وفي مجال الملاكمة فاز علي ببطولة العالم ثلاث مرات بشكل غير مسبوق، كما لعب دورا محوريا في قضية الدمج العنصري ما أدى إلى انتخاب أول رئيس أسود، لكنه حاليا ترك إرثه لعائلته يشوبه الغيرة والضغينة والانقسام، وتزوج علي 4 مرات لكنه كان زوج خائن وعلى الرغم من أنه اعترف بأبوته لتسعة أطفال بالإضافة إلى ابنه بالتبني إلا أن هناك العديد في جميع أنحاء أميركا يزعمون أنه والدهم، وعلى الرغم من أنه بدأ الملاكمة ضد رغبته إلا أن ابنته ليلي (37 عاما) أصبحت ضمن قائمة المشاهير (B-list) ، وحاولت بعض شقيقاتها الاستفادة من اسم والدهم لتحقيق نجاح في الأعمال التجارية، وشوهد نجل علي "محمد علي جونيور" (43 عاما) منذ عامين مع زوجته وابنتيه الرضع في واحد من الأحياء اليهودية الشهيرة في شيكاغو بين تجار المخدرات والعصابات، ولا يزال هناك حتى اليوم ويعيش في شقة مفروشة دون إيجار قدمها له والد زوجته، ويبقى علي الابن وزوجته على قيد الحياة من خلال الرعاية وطوابع الغذاء فيما يعد قصة مؤسفة حقا.
ويعد جونيور واحد من أربعة أطفال من زوجة علي الثانية بليندا بويد إلا أنه تعرض لإهمال شديد من والده كطفل، وتعرض للتخويف بواسطة الفتيان الذين أرادوا إثبات أنه بإمكانهم هزيمة ابن البطل الأسطوري، وربما أصبح شخصية مضطربة نتيجة ذلك وقضى حياته محاولا العيش على اسم والده وجمع بعض الأموال من خلاله والهرب منه أيضا، وأفاد جونيور أن والده اصطحبه للحديث معه في حفلة عيد ميلاده الخمسين والتي تعد المحادثة الوحيدة  من القلب للقلب بين الابن ووالده، وأضاف جونيور " أخبرني أنه خائف مما قد يحدث له في الحياة الآخرة بسبب الأشياء التي فعلها، وأخبرته أنه رغم كل ما فعله في الماضي أنني لا زلت أحبه وامتلأت عيناه بالدموع"، وحينها كان عمر جونيور  20 عاما، وأفاد أنه قضى ذلك الوقت في محاولة لإعادة بناء علاقته مع والده، لكنه زعم أنه تعرض للإحباط في كل محاولة بسبب زوجة والده الرابعة لوني والتي عاملته بشكل غير عادل بعد أن تم إبعاده عن حياة والده عندما حاول بيع زوجين من قفازات الملاكمة الخاصة بوالده، وبين جونيور أنه كان يرغب بشده في توديع والده لكنه ظل مبعدا عن حياته حتى لفظ أنفساه الأخيرة، بينما يقول من يدافعون عن زوجته لوني أنها كانت معنية فقط بحماية زوجها.
وبيّن جونيور أنه كلما اتصل وطلب التحدث إلى والده يقال له باقتضاب أنه نائم، وهناك شقيق كلاي الصغير عبد الرحمن (71 عاما) والذي لم يكن ينفصل عنه، وكان عبد الرحمن مع علي عندما كان عمره (11 عاما) حيث اكتشف حبه للملاكمة، ويقول عبد الرحمن مسترجعا الأحداث في عام 1953 عندما ذهبنا إلى مركز الشرطة لويزفيل للإبلاغ عن سرقة دراجة علي، وأثناء انتظارنا تجول علي في الطابق السفلي واتجه إلى الصالة الرياضية  للملاكمة لدى الشرطة وأسرته هذه الرياضة على الفور، وظل عبد الرحمن بالقرب من أخيه بإخلاص حتى ازدهر حتى استبعدت حزام الوزن الثقيل منه بسبب رفضه الذهاب إلى فيتنام.
 
وبعد أن تولت لوني تسيير الشؤون الشخصية والتجارية لعلي وسعت إلى تخليصه من المتملقين الذين نهبوا أمواله وحدّت من إفلاسه في ظل تلاشي مسيرته المهنية أصبح علي نفسه منبوذا، وتسببت لوني في القبض على "هوارد غوسر" الصديق المقرب من علي بعد أن علمت أنه استولي على منزل عائلة كلاي القديم وأخذ بعض الأثاث منه، وزعم السيد غوسر أنه بعد وفاة والدة علي " أوديسا" كان عبد الرحمن في حالة يرثى لها حتى أنه انتقل إلى لويزفيل، إلا أن الوثيقة تُركت لعلي ولأن زوجته كانت موكلة بإدارة شؤونه فاستخدمت القانون لاستعادة الممتلكات بما في ذلك الأثاث المفقود، وربما نتسائل إلى أي مدى كان علي الذي كان مخلصا لأصدقاءه وأقرباءه على علم بما يجري.
ويصبح السؤال هو من المسؤول عن هذه الفوضى؟، ويشير البعض إلى لوني زوجة علي وجارته منذ الطفولة والتي تخلت على عن وظيفة واعدة مع كرافت للأطعمة لرعاية علي عند مرضه وتزوجته عام 1986، وعلى الرغم من الشكوك بشأن إخلاصها إلا أنها كانت تعلم تماما بثروته والتي تقدر حاليا بـ 60 مليون أسترليني، والتي تتراكم بعد وفاته مثل ألفيس ومايكل جاكسون، فيما يعتقد البعض أن لوني استطاعت إنقاذ علي من الفقر المدقع من خلال تولي شؤونه المالية، وعلى الرغم من أن بطل الوزن الثقيل سعى إلى تقديم نفسه كشخصية أبوية وأنه يحب عائلته بشكل واضح إلا أن ابنه جونيور أوضح أن الملاكمة أخذت والده، وتزوج علي للمرة الأولى من "سونجا روي" النادلة والتي قضى معها عاما واحدا، وتغير كل شيء بعد زواجه منها.
 
وعلى الرغم من اعتناق علي للإسلام وكان صادقا في إيمانه لكنه كان يستمتع بحياته ويقيم علاقات غرامية في كل فرصة، حيث طلق زوجته سونجا وتزوج بليندا والتي كان عمرها 15 عاما وتعمل في مخبز لوس أنجليس بيكري والذي يديره مسلمون عندما رأها حينها ، ثم جاءت فيرونيكا بورش حيث بدأ علي معها علاقة غرامية أثناء تدريبه من أجل فيلم Rumble in the Jungle في زائير وأخيرا لوني زوجته فضلا عن الكثيرات الذين لا يعدوا ولا يحصوا، وتوفت زوجته سونجا مؤخرا إلا أن زوجاته الأخريات موجودات ويحرصن على الادعاء بأن كل منهما كانت المرأة الرئيسية بالنسبة له.
 
ويذكر أن زوجته بليندا التي تعمل حاليا كممرضة في ولاية فلوريدا أنه مستعدة لنشر كتاب عن سنواتها مع كلاي، وفي فيلم وثائقي جديد بعنوان "أنا علي" تقسم فيرونكا على حبها له بينما تعترف أنه لم يكن زوج مخلص، إلا أن لوني هي الزوجة التي ظلت مع علي لأطول فترة ممكنة وكانت بمثابة مُنفذ لإرادته، لكنها لم تشارك في الفيلم الوثائقي ورفضت حضور العرض الأول له الخريف الماضي، ولا شك أن توديع كلاي سيكون مناسبة عالمية ضخمة، ويتوقع حضور بعض من أفراد عائلته لاتخاذ مقاعدهم في الصف الأول جنبا إلى جنب مع رجال الدولة والنجوم، وبعد الانتهاء من وداع الملاكم العالمي محمد علي ربما نشاهد زوجاته وأولاده يخوضون معركة من أجل التركة.