الجزائر - وكالات
تكشف معظم الإحصائيات الصادرة عن المصالح المختصة صور العنف الخطيرة التي تتعرض إليها النسوة في المجتمع الجزائري سواء في الأسرة أو الشارع أو العمل، وتختلف أشكال العنف من التعدي البدني والتحرش اللفظي بالسب والشتم والتقليل من شأن النسوة من دون أن ننسى التحرش الجنسي وصولا إلى حالات الاغتصاب والانتهاك الصارخ للحقوق· وصارت تلك الأفعال تلحق بالضحية حتى من أقرب الناس سواء الزوج أو الأخ أو حتى الأب بحيث تكشف الإحصائيات أن من 70 إلى 80 من أعمال العنف التي ترتكب ضد المرأة تجري داخل الأسرة أو ما يسمى بالعنف الأسري المسلط على النسوة بصرف النظر عن عامل السن أو مكان الإقامة بالريف أو المدينة أو حتى المكانة الاجتماعية المرموقة، إذ وحسب ما كشفه الواقع فإن الطبقة المتعلمة من النسوة أضحت عرضة للضرب والسب والشتم واختلت حتى موازين الأسر المثقفة· ومن ثمة أضحى العنف بكل صوره وأشكاله يطال كل النسوة ولم يعد يفرق بين المستويات أو الطبقات الاجتماعية والثقافية، بحيث أضحى حتى الرجل المثقف رجلا عنيفا، وما زاد من انتشار الظاهرة هو الصفة الذكورية التي تميز مجتمعنا والتي تعطي السلطة كل السلطة للعنصر الذكري بدءا بالسلطة الأبوية ثم الأخوية وصولا إلى سلطة الزوج لتبقى المرأة ذلك الكائن الضعيف الذي يبحث عن الشفقة، وما يكشفه الواقع من عينات يندى لها الجبين تبين الوضعية التي آلت إليها بعض النسوة اللواتي أضحين يشتكين من العنف الممارس في الشارع والعمل وحتى الأسرة الواحدة· وتحوّلت المرأة إلى ذلك الكائن مسلوب الحق والذي يستسهل البعض نهش عظمه في العلن وما زاد من تفشي تلك الظواهر هو تكتم النسوة على الخطر الذي بات يداهمهن في كل مكان خصوصا في الأسرة تبعا للعادات والتقاليد التي تجبر الفتاة أو الزوجة على تحمل كل شيء درءا للفضيحة وحفاظا على سمعة العائلة فوجب أن تحتمل الأنثى كل شيء حتى ولو هضمت حقوقها كاملة كونها أنثى ويحق للرجل فعل ما يشاء في مجتمع ذكوري يقر بمناصرة الرجل ظالما كان أو مظلوما· صور مروعة للعنف لم تعد بعض النسوة يعانين من العنف العادي والخفيف بل راح بعض الرجال إلى تحويل الحياة الزوجية إلى حلبة للصراع، بحيث وعلى الرغم من معاناة بعض الفتيات للعنف على المستوى الأسري من طرف أشخاص تربطهن معهم صلة قرابة سواء الأب أو الإخوة إلا أنه لا يضاهي العنف الممارس من طرف بعض الأزواج والذي لا نجد فيه مساحة لمعاني الرحمة أو الشفقة حسب ما تكشفه أرقام مروعة تكشفها المنظمات والجمعيات الخاصة بمحاربة العنف ضد النسوة· ومن الحالات ما وصلت فيها الاعتداءات إلى الوفاة بعد استعمال الزوج أساليب مروعة، وأضحت الوسائل الحادة الحاضرة الأولى في تلك العراكات على غرار السكاكين، بحيث يكشف الواقع تعرض نسوة إلى طعنات بالسكين من أزواجهن قد تفضي إلى الوفاة أو إلى جروح متفاوتة الخطورة، إلى جانب الإرغام على الإجهاض والتعرض إلى الضرب في حالة الحمل بتوجيه ركلات إلى البطن، وحتى استعمال الفؤوس والمزهريات والأواني وجل الآلات الحادة التي لا تخطر ببال في عملية الضرب مما يؤدي إلى إصابات جسدية خطيرة قد تكون مؤقتة كالكسور في الأطراف أو تخليف عاهات مستديمة، ووصل الأمر إلى حد التعذيب باستخدام الكهرباء أو الماء الساخن أو الحرق بالسجائر· وتكون المرأة مجبرة على تحمل كل ذلك لتفادي نقمة المجتمع عليها ونعتها بالمرأة غير الصبورة التي تخلت عن أبنائها وفككت أسرتها بيدها، حتى أنها تواجه الصد ويرفض استقبالها من طرف العائلة ويكون مآل المرأة الشارع هي وأطفالها وتتحول من ضحية إلى متهمة من طرف العامة، وفي هذا الصدد تقول السيدة اعمارن دليلة مختصة في علم الاجتماع ورئيسة خلية الإصغاء بشبكة (وسيلة) للدفاع عن حقوق المرأة ضحية العنف الأسري إنه ومن خلال التجارب الحية التي طرحت على الشبكة فإن العنف أضحى السمة الشائعة لبعض الأسر، وتكون الزوجة ضحية لتلك الأفعال العدوانية من طرف بعَض الأزواج، وما يجنبهم العقاب تكتم أغلب النسوة عن الوضع بسبب رعبهن الدائم من نقمة المجتمع والوصول إلى الطلاق وترك الأسرة وعدم إيجاد المعيل، فالتبعية المادية تقف حائلا دون إتمام الإجراءات القانونية التي تقر أنه من حق كل شخص تعرض إلى الضٍرب والتعنيف رفع دعوى أمام القضاء إلا أن السلطة الرجالية تحول دون ذلك، مما أدى إلى استمرار تلك الآفات التي أضحت تمس جل الأسر وتعرف تصاعدا خطيرا· شهادات على لسان نسوة ضحايا العنف حسب ما استقيناه أنه لم تعد المرأة غير المتعلمة القاطنة بالأرياف وحدها عرضة للممارسات العنيفة من الرجل البدوي بسبب جهلها لحقوقها ولما شاع عن تلك البيئة من سلطة ذكورية تبدأ بسلطة الأب على البنت منذ الصغر ثم سلطة الأخ وصولا إلى سلطة الزوج، فلا يحق لبعض النسوة الريفيات الدفاع عن حقوقهن أو الاحتجاج عن أي تصٍرف أو معاملة مهينة من طرف الزوج، وإن فعلت تعد وصمة عار على المشتكية، وانتقلت تلك السلوكات حتى إلى المدن وتفشت ببعض الأسر، حتى أنها طالت أسرا وعلاقات زوجية طرفاها وصلا إلى درجة من التعلم، وتدهورت أساليب المعاملة وغاب الحوار مما حوّل الأسٍر إلى حلبات للصراع من دون أدنى حساب لمخلفات ذلك على الأطفال، وأضحت أساليب العنف تصدر من طرف بعض الأزواج على مرأى ومسمع الأطفال مما يولد بذرة العنف فيهم وينبىء بمجتمع عنيف· سيدة في العقد الرابع متزوجة منذ 15 عاما ولديها ثلاثة أطفال جامعية وتعمل إطار في شركة، زوجها هو الآخر يشغل منصبا مرموقا تتعرض للضرب والإهانة أمام أولادها وسط الصراخ والبصق والشتائم والتهديدات المتكررة وآخر اعتداء في حقها أسفر عن تحطيم فكها· امرأة أخرى في العقد الثالث ذات مستوى جامعي تتعرض إلى الضرب المبرح من طرف زوجها حتى أصيبت في مرة بكسور في أحد أطرافها كما أنها تحمل آثار حروق واضحة على الجسم اكتشفها الطبيب من جراء التعذيب الذي تتعرض له من طرف زوجها، وعلى الرغم من ذلك لم تقدم شكوى أو تجري كشفا طبيا وفضلت التكتم كونها غير مستعدة لمغادرة البيت الزوجي· عينة أخرى هي لمدرسة بالجامعة لم يكتف الزوج بإذلالها بالبيت بل لاحقها إلى مكان العمل وصفعها أمام طلبتها وزملائها· ولا تعد هذه العينات سوى غيض من فيض كون أن العينات المماثلة لها والتي قد تفوقها في درجة الخطورة المتربصة بالمرأة من طرف الأزواج الذين بات يشكل بعضهم مصدر خطر وخوف بدل أن يكونوا مصدر أمان واستقرار لزوجاتهم وأبنائهم، حتى أنه لا يسعنا المقام لذكر العشرات من تلك العينات التي بلغ فيها العنف الممارس ضد النسوة مستويات لا يتقبلها العقل البشري ولم يقتصر صدوره من طرف المنحرفين والسكارى والمدمنين على المخدرات بل من طرف أزواج عاديين بل ومثقفين وذوي مناصب مرموقة· غياب الحماية القانونية زاد من المشكل أوضحت السيدة اعمارن دليلة مختصة في علم الاجتماع في نفس السياق أن أشكال العنف الممارسة ضد المرأة داخل الأسرة بلغت مستويات خطيرة وجب عدم السكوت عنها وتجريدها من الستار الذي يخفيها، بحيث رأت أن العديد من النسوة يتعرضن إلى جميع أشكال وصور العنف وحتى التعذيب الجسدي والنفسي إلا أنهن لا يتجرأن على رفع دعاوى أمام القضاء خوفا من النتائج التي يفرزها الإجراء ضدهن، وخوفهن الدائم من الطلاق وفقدان مكان الإقامة مع فلذات أكبادهن في حال رفضهن من طرف أسرهن، ويكون مآل أغلبهن الشارع ناهيك عن العسٍٍٍٍر المادي الذي تعاني منه بعض النسوة والذي لا يمكنهن من تتبع إجراءات الدعوى، ورأت أن أول عنف حقيقي هو الصمت المطبق عن حالات العنف وغض الطرف عن الجرائم التي تلاحق المرأة والتي لم تخرج عن المحيط الأسري، وعدم تشجيع الضحايا على رفع شكاوي إما بصفة غير مباشرة بسبب العراقيل البيروقراطية أو بصفة مباشرة من طرف المحيط العائلي، وحث المتضررة على التكتم إلى درجة إشعارها بالذنب في حال مباشرتها للإجراءات القانونية الأمر الذي يجعل المعتدي يشعر بحقه في ارتكاب الذنب وبالتالي انقلبت الموازين· وخلصت إلى القول أنه وجب حماية النسوة اللائي يتعرضن إلى العنف لاسيما الزوجات من الناحية القانونية، والتي نجدها تفتقر لآليات من شأنها أن تضمن سلامة المرأة وتساعدها عل مباشرة الإجراءات منها النفقات المطلوبة في سير الدعوى وجهل العديد من النسوة إجراءات المساعدة القضائية بأمر من وكيل الجمهورية بناء على طلب الزوجة، إلى جانب ضرورة تشجيع الزوجة على عدم كتمان الأمور وتحمل مرارة العنف داخل الأسرة برفع شكوى أمام الأمن، إلى جانب تدعيم المنظومة التشريعية بمواد تخص حالات العنف العائلي والزوجي وإدراجها بقانون العقوبات، إلى جانب تقليص مدة العجز الموصوف في الشهادة الطبية من 15 إلى 8 أيام فيما يخص المسؤولية الجنائية