عندما يمر الزمن ويتزوج كل الأبناء، ويموت أحد الزوجين، يعيش الطرف الثاني وحيدًا، وهذه الوحدة تصيب البعض بالاكتئاب، وكذلك تعجل بظهور العديد من الأمراض، كضغط الدم وأمراض الشيخوخة، كما أن الدراسات أثبتت أن الوحدة تعجل بالوفاة بالنسبة لكبار السن. وللقضاء على الوحدة لجأ بعض المسنين لما يطلق عليه "زواج الونس"، فيبحث عن زوجة قريبة من عمره، وتعاني من نفس ظروفه، وحيدة مثله، ليكملا ما تبقى من حياتهما سويًا، ليؤنسا وحدة بعضهما البعض. دائمًا تكون المبادرة في زواج الونس من الرجال، وأحيانا تكون من طرف ثالث يحاول جمع رجل وامرأة مسنين ليؤنسا وحدة بعضهما البعض، وأحيانا تقابل النساء هذا العرض بالرفض، خوفًا من أبنائها ونظرتهم لها، أو رفضهم، وأحيانًا خوفًا من نظرة من المجتمع. ويتحدث أستاذ شكري، 70 سنة، ويقول: ماتت زوجتي منذ عشرين عامًا، ولي ثلاثة أبناء، تزوجوا، وأحدهم سافر، والآخر يعمل في محافظة أخرى، والبنت تسأل عني كل فترة بالتليفون، وقليلًا ما تأتي لزيارتي، وأنا مريض بالقلب، وأعاني منذ أن تزوج كل أبنائي من الوحدة الشديدة، وتمر على الأيام ثقيلة موحشة، مما جعلني أتمنى الموت كل يوم، فبشكل خاص كان يمر على الليل ثقيلا طويلا وكأنه دهر، إلى أن اقترح عليّ ابني الذي يعيش في الخارج فكرة الزواج من امرأة تقترب من عمري ووحيدة مثلي لنؤنس وحدة بعضنا البعض. وأضاف: في البداية رفضت الفكرة، خوفا من نظرة المجتمع والجيران والأصدقاء، لكن عندما ألح ابني، وكانت لديه الزوجة، والدة أحد أصدقائه التي تعيش أيضا وحيدة، وتصغرني في العمر بخمس سنوات فقط، وابنها يخاف عليها من الوحدة، لأنه يعيش أيضا في الخارج، وهي ترفض السفر للعيش معه. وتابع: بالفعل اقتنعت بالفكرة، وفي إحدى إجازات ابني رتب لنا مقابلة، وتم الزواج، وبالفعل شعرت أن حياتي انقلبت رأسًا على عقب، فوجدت من يشاركني الحياة، نسهر سويًا أمام التليفزيون، تعطيني دوائي في مواعيده، نخرج سويا لنمشي قليلًا، وأصبحت أشعر بالسعادة. أما السيدة هناء (68) عامًا فتقول: مات زوجي من أكثر من ثلاثين عامًا، وكنت مازلت شابة، وكان عندي أربعة أبناء، وأخذت قرارًا بأن أفني عمري كله لتربيتهم وتعليمهم، وبالفعل أديت رسالتي، وأنا الآن أعيش وحيدة انتظر زيارات أبنائي من آن لآخر، لأحتضن أحفادي الذين أعشقهم، وعلى الرغم من أنني أعاني الوحدة التي تؤرقني وتعذبني، لكن أرفض فكرة الزواج في هذه السن. وأضافت: كيف أستطيع مواجهة أبنائي بفكرة كهذه، وكيف أواجه المجتمع والعائلة والأصدقاء والجيران، إنها فكرة مرفوضة تمامًا، ومن الصعب تنفيذها، فكتب الله على الوحدة وأنا أتقبل ذلك، وأعيش فقط على أمل احتضان أحفادي في الأيام التي يأتون فيها لزيارتي، واحيانا اذهب لأحد أبنائي، وأمكث عنده عدة أيام، تمر الحياة إلى أن ألقى ربي. وترفض السيدة سوزان (67 عامًا) الرأي السابق وتقول: الحمد لله أنا أعيش مع زوجي، وأتمنى أن نموت معًا في نفس اليوم، حتى لا أتركه يتجرع آلام الوحدة من بعدي، ولا أنا كذلك أعيش يومًا واحدًا من بعده، ودائمًا أدعو الله بهذه الدعوة، فلقد تزوج جميع أبنائنا، ويعيشون في الخارج، ونحن نرفض ترك البلد على الإطلاق، وننتظر إجازات أبنائنا من العام للعام. وأضافت: "أجد أن زواج الونس هو حل شرعي وجيد لمواجهة شبح الوحدة القاتل، فلي الكثير من الصديقات اللاتي مات أزواجهن وأصابتهن الوحدة بالعديد من الأمراض، فلماذا لا نستخدم حقا كفله الله لنا عز وجل، وهو الزواج، ولي بالفعل صديقة تزوجت من صديق زوجها بعد أن عانت من ويلات الوحدة، فعرض عليها صديق زوجها القديم الزواج، وكانت ترفض في البداية، ولكن أنا وزوجي أقنعناها،وأقنعنا ابنتها الوحيدة التي كانت أيضا رافضة الفكرة، وهي الآن تشكرني على اقناعي لها، لأنها تعيش سعادة من نوع خاص لا يشعر بها إلا كبار السن الذين عانوا من ويلات وحدة الكبر والعجز. وتقول دكتورة عبلة إبراهيم، أستاذ التربية: زواج الونس حق يكفله الله للرجل والمرأة، فلم يحرم الله زواج الأرامل أو المطلقون، فليس معنى أن يصبح الرجل أو المرأة مسنًا وحيدًا أن تتوقف حياته ويظل في سريره منتظر الموت، فطالما تدب فيه الحياة من حقه أن يتزوج من شخص يكمل معه حياته، ويتخلص معه من عذاب الوحدة المريرة، وليس من حق الأبناء أن يرفضون ذلك، أو حتى يقبلون، فهذا القرار لا يفصل فيه إلا الرجل أو المرأة المسنين، فهم أكثر الناس إحساسًا بذلك.