تحولت التساؤلات التي طرحت إزاء الوضعية الحالية للمرأة المغربية المهاجرة المقيمة بإسبانيا إلى واقع مزر يهدد العلاقة الأسرية، جراء الأزمة الاقتصادية الإسبانية التي أفرزت ظواهر ومخاطر حقيقية داخلية في بلد بحجم إسبانيا، يدفع ثمنها المهاجرون خصوصا منهم المغاربة.. والمرأة المغربية المهاجرة التي كانت قبل اندلاع الأزمة تقوم بدور بارز في تأمين دخل مالي لأسرتها، ومساعدة زوجها، وتوفير قسط من المال كمدخرات تستعمله عند الحاجة، وجدت نفسها السنوات الأربع الأخيرة في دوامة الضياع بعدما فقدت كل شيء، وأضاعت منها سنوات من العمل المضني، بعد أن نفدت مدخراتها، ودخلت في عطالة طويلة.. هذه الوضعية الحالية رسمت أمام أعين المرأة المغربية المهاجرة واقعا من اليأس وطريقا للتشرد، والحل الذي قادها إلى الهروب من مأساتها الطارئة، هو العودة رفقة أبنائها إلى المغرب أملا في -تحسين الأوضاع الاقتصادية بإسبانيا أو عودة الأمور كما كانت بالسابق - أما الزوج فظل لوحده في إسبانيا يصارع المجهول ويجوب كل صباح مكاتب التشغيل في محاولة للحصول على سويعات من عمل مضني لم يتعود عليه من قبل..    فهناك نساء مغربيات امتهن التجارة بالأسواق الشعبية، ومنهن من اشتغلن بالمطاعم أو كخادمات بالبيوت، وهناك فئة أخرى خضعن لتكوين مهني، حصلن قبل حدوث الأزمة الاقتصادية على وظائف لا بأس بها كمتخصصات في معامل الألبسة وشركات المعلبات أو بالمؤسسات الخاصة بتصدير الفواكه، أما النساء القرويات فغالبيتهن اشتغلن بالفلاحة خصوصا بمدينة “ألميريا ” و “ألخيدو ” وفي مناطق أخرى بمدن إسبانية تشتهر بزراعة الخضروات بإقليم الأندلس وكتالونيا وفالنسيا ومورسيا والضواحي.    تواجد المرأة المغربية المهاجرة بإسبانيا لا يقتصر على المجالات السالفة الذكر، بل إننا نجد نساء تقلدن مناصب مهمة بالإدارات الإسبانية وفي العديد من التخصصات، فهناك الموظفة والطبيبة والمحامية، والأستاذة والصحفية والأديبة..    وما يمكن تأكيده هنا هو أن الأزمة الاقتصادية قلصت إلى حد الانعدام من نشاط المرأة المغربية في قطاعات الخدمات، أو ما يصطلح عليه ب: اليد  العاملة غير المؤهلة  التي كانت تشتغل في قطاع غير منظم وتتقاضى أجرا تعتبره كبيرا مقارنة مع ما يتقاضاه المدرسون والمتخصصون في عدة قطاعات مهنية بالمغرب مثلا!!    وأظهرت سياسة الاندماج بالنسبة لهؤلاء النسوة، ارتفاع نسبة الفشل في هذا المجال، حيث لم يستطعن الاندماج في المجتمع الإسباني، ذلك أن مستواهن التعليمي الذي لا يتعدى مستوى الأقسام الابتدائية، لم يمكنهن من تعلم اللغة الإسبانية بسرعة، الأمر الذي نتج عنه فتور في هذا الاندماج، ويجدن صعوبة في التعامل مع المشغلين..  وعلى مستوى السكن، تتمركز المهاجرات المغربيات القادمات إلى إسبانيا عبر -الهجرة الفردية - في ضواحي المدن والأحياء القديمة؛ وعلى المستوى الاجتماعي، عرفن تقليصا في الحقوق والواجبات والمساعدات الاجتماعية، وتكريس اللامساواة مع النساء في نفس العمل القادمات من دول أمريكا اللاتينية..    وأبرزت دراسة في الموضوع أشرفت عليها الباحثة الإسبانية “خيما مارتين مونيوت” أن المجتمع الإسباني يترصد هفوات المغاربة ويتتبع كل ما يمكن أن يستغل إعلاميا، ويروج ضدهم أفكارا نمطية جاهزة، وخصوصا حينما يصدر عن سلوك الآباء إزاء بناتهم وزوجاتهم دون فهم أو إدراك من جانب المجتمع الإسباني بأن هؤلاء الذين استقروا في المجتمع الإسباني يحملون معهم المكونات الثقافية لمجتمعهم الأصلي الذي تربوا فيه، وبأنه يجب فهم تصرفاتهم سوسيولوجيا، وليس كحالة لصيقة بالإسلام، ورأت الباحثة الإسبانية بأن أعقد المشاكل التي تعيشها المرأة المهاجرة المغربية بإسبانيا هي مشاكل الأسرة، لأنها تشكل المحك بين الثقافة الإسبانية ذات المرجعية العلمانية والثقافة المغربية ذات المرجعية الإسلامية.    وأشار رئيس مركز دراسات الهجرة والتنمية بجامعة برنستون وهو “إليخاندرو بورتيس” إلى أن صمود المرأة المهاجرة بإسبانيا ومقارعتها للصعوبات يرجع بالأساس – رغم كل الظروف – إلى رغبتها في تنشئة أبنائها وولوجهم المعاهد العليا وحصولهم على شواهد علمية ودراسية تمكنهم من ضمان مستقبلهم، وأوضح أن الآباء يكونون أكثر ميلا إلى التفاؤل بخطوات أبنائهم في التعلم والتحصيل والتكوين مما قد ينعكس إيجابيا، وهو ما خلص إليه استطلاع الرأي شمل سبعة آلاف طالب تتراوح أعمارهم بين 14 و 18 سنة ينتمون إلى عدة دول