لماذا يواصل الرجال هينمتهم على مجال الإخراج السينمائي وكيف يمكن للنساء كسر تلك الهيمنة. إنها الأسئلة التي تؤرق العديد من السينمائيات اللواتي يشاركن في مهرجان درتوند كولونيا لسينما المرأة."الكاميرا ثقيلة جدا عليك!" كانت صوفي ماينتيغنو مضطرةً لسماع هذه العبارة لأكثر من مرة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وتكافح هذه المخرجة الألمانية الفرنسية وصاحبة فيلمي "النور الأخضر" و"الحب الغرام" من أجل مزيد من المساواة بين الذكور والإناث في مهنة الإخراج السينمائي. فمثل هذه الأقوال ذات النزعة الذكورية التي تركز على الأنثوية أصبحت ـ حسب المخرجة الحائزة على العديد من الجوائز السينمائية ـ في خبر كان. غير أن تكافؤ الفرص لا يزال غائباً في مجال الإخراج السينمائي، "فعدد المخرجات السينمائيات لا يزال قليلا" كما تقول. فقط عشرة في المائة من العاملين في المجال السينمائي هم حاليا من الجنس النسوي في ألمانيا. والوضع ليس أفضل بكثير في مجال الإخراج. "ففي المهرجانات السينمائية الكبرى ليس هنالك حضور كاف للأفلام التي تم إخراجها من قبل النساء، وفي مهرجان كان الفرنسي مثلاً كانت هناك دورات عديدة، غير أنه لم تكن هناك مشاركة نسوية في الأخراج كما تؤكد المخرجة السورية باربرا ألبرت.يشارك فيلم باربارا ألبرت الجديد "الحياة" في مسابقة مهرجان الفيلم الدولي للمرأة في دورتموند وكولونيا الألمانيتين حيث انتهت فعالياته في 14 أبريل/نيسان الجاري. في هذا المهرجان تُتاح للمخرجات السينمائية فرصٌ للنقاش والتواصل قد لا تتوفر لهن دائما. موازاةً مع فعاليات المهرجان يكون بمقدور المخرجات التعرف على نساء أخريات في المجال السينمائي. وبالنسبة لباربرا ألبرت فإن مهرجان المرأة بدورتموند وكولونيا هو "ضرورة سياسية". ف"الإقبال على شراء أفلام المخرجات ضعيف جداً ولا يتم ترويج تلك الأفلام بشكل جيد" حسب باربارا. حوالي 100 فيلم جديد من 50 دولة يتم أخذها بعين الاعتبار للمشاركة في هذا المهرجان. وبالنسبة للكثيرات من النساء، فإن المهرجان يشكل فرصة سانحة لعرض أعمالهن. كما يتضمن البرنامج ورشات عمل وحلقات دراسية وورشات عمل في مجال هذا العام تنشط صوفي ماينتيغنو إلى جانب زميلتها برغيت غود جونسدوتير المولودة في اسلاندا في ورشة عمل. وتقول ماينتيغنو "إنها إمكانية رائعة للمشاركة وللحديث عن أعمالنا". وتعمل ماينتيغنو أيضا أستاذة في أكاديمية الفنون ووسائل الإعلام في كولونيا. وتنصح طالباتها بالتخلص من الخوف بشكل خاص:"إنه يمكن إثبات الوجود فقط عندما نتقن المجال التقني. أحاول أن أُبين للطالبات أن هذه التقنية ليست معقدةً وأنه ليس هناك أي داع للتخوف منها". في المدارس العليا للدراسات السينمائية تحسنت وضعية النساء قليلا وهناك جيل جديد في طريق الصعود. وحتى في الرأي العام أصبح الناس ينظرون إلى المخرجات السينمائيات بتقدير. وقد حصلت مخرجتان سينمائيان على جائزة الكاميرا (التصوير) خلال تظاهرة جائزة الأفلام الألمانية التي توزع على أحسن الإبداعات السينمائية في البلاد. وتقول صوفي ماينتيغنو بخصوص ذلك الإنجاز "شيء من هذا القبيل هو في غاية الأهمية وضروري".وبدورها تنظر ألبرت باربرا إلى ذلك الإنجاز بنفس التقدير وتقول: " أن تحصل كاثرين بيغلو عام 2010 على أوسكار الإخراج كان تقريبا عبارة عن ثورة". وتمكنت باربرا ألبرت عام 1999 من حصد العديد من الجوائز بفيلمها "بلاد الشمال" حيث كتبت أيضا سيناريو هذا الفيلم. ومن بين الجوائز التي حصل عليها الفيلم، الأسد الذهبي لمهرجان البندقية السينمائي. وحتى مسيرة صوفي ماينتيغنو بدأت في البندقية عام 1986 بشريط "النور الأخضر" الذي أشرفت فيه على التصوير وحصلت على جائزة. وتتفق المخرجتان السينمائيتان على أن المهرجانات السينمائية هي نقطة انطلاقة للمخرجات السينمائيات. لحضور الضعيف للمرأة في المهرجانات ليس المشكل الوحيد الذي يعترض النساء في المجال السينمائي: "فكلما تعلق الأمر بالمال تكون المرأة بعيدة"، كما تقول ألبرت باربرا. فكما هو الحال في المهن الأخرى، هناك أيضا في المجال السينمائي عوائق تستطيع المرأة تجاوزها. فألبرت التي دافعت لسنوات من أجل الحفاظ على التمويل الحكومي للأفلام النسائية تدافع أيضا على تخصيص كوطا (نسبة معينة) للنساء في المجال السينمائي: "لكي تصبحي واحدة من بين عشر مخرجات يلزمك أن تكوني الأفضل دوما. وعندما تكون هناك كوطا للنساء فإن ذلك يفتح المجال أمام عدد كبير من النساء وبالتالي يكون هناك نوع من الحرية وتصبح مسألة الإخفاق أحيانا متاحةً". وتضيف ألبرت "في أي مهنة إبداعية هناك دائما لحظات فشل". تتمنى صوفي ماينتيغنو أن تتحلى النساء اللواتي يقفن خلف الكاميرا أيضا بمزيد من الثقة في النفس، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على الأفلام السينمائية في البلدان النامية. حيث عملت ماينتيغنو في دول عديدة من بينها أفغانستان. وعن هذه التجربة تقول: "في مثل هذه البلدان ليس هناك مخرجات سينمائيات وفريق التصوير الأفغاني لم يفاجَئ كثيراً". ولم تعترضها أي صعوبات في مكان ما، على حد تعبيرها. وتضيف "هذا الوضع أصبح ممكناً لأن الرجل أدرك أن المرأة تعمل بمهنية وتعي جيدًا ماذا تفعل". حتى خارج الدول الغربية هناك زياد في عدد النساء اللواتي يعملن في مجال السينما. فالمخرجة اللبنانية جوسلين صعب ترى أن العالم العربي يشهد ما يشبه نهضةً نسائيةً في صناعة الأفلام السينمائية. "هناك العديد من النساء اللواتي يقمن بتصوير أفلامهن في المناطق ذات أوضاع سياسية صعبة، وهن مصرات على التعبير عن مشاعرهن، وفهمن أن ذلك يجب أن يحدُث من خلال الحديث عن مشاكلهن " كما تقول. وكمثال إيجابي على ذلك تتحدث عن بيروت التي تتواجد فيها مخرجات سينمائيات كثيرات ومصورات ومهندسات صوت. لكن هذه الحرية أصبحت في خطر بسبب الأزمة المالية وضعف التمويل المالي الأوروبي للإنتاجات السينمائية وبسبب الشروط التي يضعها المنتجون الجدد من دول الخليج. وتقول جوسلين صعب " يشترطون على المخرجات السينمائية الالتزام بقوانين أخلاقية ولا أستطيع قبول ذلك". أما المخرجات الأفريقيات فإن أكبر مشكل يواجهنه هو الحصول على أموال لإنتاج الأفلام. وتضيف جوسلين صعب "لهذا السبب فمهرجان سينما النساء مهمّ. هنا تتوفر لهن فرصة اكتشاف أفكارهن وإبداعاتهن من طرف الآخرين". وتشير جوسلين صعب أنها لاحظت أن عدد النساء المخرجات في المهرجانات السينمائية في انخفاض. وتلخص الوضع قائلة " إنه عالم رجالي والتحديات التي تواجه النساء في مجال الصناعة السينمائية لا تزال كبيرة". المساواة في المجال السينمائي بالنسبة للمخرجات لاترتبط بالمجال الجمالي بل بالمساواة في فرص المشاركة "نظرة المرأة عندما تحمل الكاميرا لا تتغير، كل ما هنالك هو أن حضورهن في هذا المجال لا يزال ضعيفا" كما تلاحظ صوفي ماينتيغنو.