رام لله ـ وكالات
قبل مقتلها، لم تكن على قيد الحياة.. سوف نحكي قصتها من يوم قتلها حتى يوم ولادتها..هكذا تبدأ أغنية جديدة لفرقة الهيب هوب الفلسطينية "دام" التي دأبت علي إنتقاد الأوضاع الإجتماعية وبشدة، وذلك للفت الانتباه إلى استمرار قيام الأقارب الذكور بقتل النساء الفلسطينيات تحت مزاعم أن "شرف العائلة" تلطخ نتيجة لممارسات جنسية طائشة.يظهر شريط الفيديو المصاحب للأغنية وجه امرأة شابة خال من التعابير وهي مستلقية على سرير ويتحرك جسدها فتقف وتدخل رصاصة في جبينها بعد أن أطلق أخوها الرصاص عليها.وتقدر الأمم المتحدة أن 5 آلاف امرأة تقع ضحية القتل أو الإساءة كل عام في جميع أنحاء العالم، على أيدي أقارب ذكور لمعاقبتهن على سلوك مزعوم يعتبرونه أنه يضر بسمعة الأسرة.وبين الأعوام 2007 و 2010، تم الإبلاغ رسميا عن مقتل 29 امرأة في الضفة الغربية بإسم الشرف. وهو عدد قليل نسبياً، لكنه يثير القلق ذلك لأنه يعتقد أن العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير. أما وزارة الداخلية الفلسطينية فترفض الكشف عن الإحصاءات الدقيقة الخاصة بجرائم الشرف.هذا ويبلغ عدد سكان الضفة الغربية 4 ملايين نسمة، إضافة إلي حوالي 1.5 مليون نسمة في قطاع غزة.وتفيد سريدا حسي، من اللجنة الفنية لشؤون المرأة الفلسطينية -وهي مجموعة استشارية للمجلس التشريعي الفلسطيني شكلت قبل وقت قصير من اتفاقات سلام أوسلو عام 1993- أن ثلاثة عشر امرأة قتلن في عام 2012 في الأراضي الفلسطينية ضمن ما يسمى جرائم الشرف.وتضيف سريدا "غالبية هذه الجرائم لا علاقة لها بحماية شرف العائلات. بل إنها نفذت لأسباب جنائية مختلفة. ففي كثير من الأحيان يتم قتل النساء خلال نزاعات عائلية أو مالية، وبعد ذلك يدعي الرجال أنهم قتلوهن دفاعاً عن الشرف.. للحصول على أحكام مخففة".ويستند القانون الفلسطيني في الضفة الغربية إلى المواد من 97 إلى 100 من قانون العقوبات الأردني، والذي يخفف العقوبات على أي عمل من أعمال القتل التي ترتكب في "حالة غضب".في حين يستند القانون في غزة إلى قانون العقوبات المصري، والذي يخفف أيضا من الأحكام الصادرة ضد الرجال المدانين بقتل قريباتهم في جرائم عاطفية، وخاصة فيما يتعلق بالتصرفات الجنسية العلنية وشرف العائلة.ووفقاً لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في رام الله، لم تتم إدانة سوى أقلية من الرجال الذين يرتكبون هذه الجرائم، وعادة ما تكون الأحكام السجن لبضعة أشهر.في عام 2006 أصبحت السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية، من بين الدول الموقعة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).وصرح حسان العوري المتحدث باسم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، مؤخراً بأن السلطة الفلسطينية تؤيد إنهاء التمييز ضد المرأة ما دام لا يصطدم مع الشريعة الإسلامية.وتقول سريدا حسين إن ذلك هراء، "فلا يوجد نص في القرآن يبرر قتل أي شخص على أساس التصرفات الجنسية أو الغضب. كما إن منظمتنا مدعومة من رجال الدين من مختلف الخلفيات الذين يدينون هذه الجرائم ويطالبون بأقوى العقوبات ضد مرتكبيها".وقالت سريدا أنه خلافاً للاعتقاد السائد، فقوانين جرائم الشرف هي في الواقع موروثة ممن احتلوا المنطقة من الأتراك والفرنسيين والبريطانيين.وجاءت تصريحات المتحدث باسم السلطة الفلسطينية في وقت سابق لتؤكد أن السلطة الفلسطينية ليست لديها نية لحظر جرائم الشرف رغم تعهدات عباس في العام الماضي بأنه سيغير القوانين.وكان عباس قد وعد بوقف القانون رقم 340 الذي يعفو عن تهمة القتل إذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة بعدما وجد زوجته في السرير مع رجل آخر.وقد تم بث تصريحاته على التلفزيون عن طريق وصلة فيديو قدرا كبيرا من الغضب الشعبي ضد جريمة القتل الوحشية لامرأة شابة في جنوب الضفة الغربية. ففي مايو 2011 قام أفراد أسرة آية برادعية من الخليل بخنقها وضربها ضربا مبرحا بعد اعتقادهم زوراً بأنها تصاحب الرجال. وتم العثور على جثتها ملقاة في بئر.واعتبرت وعود رئيس السلطة الفلسطينية ملائمة سياسياً لتهدئة هذه القضية. ولم يتم تطبيق المادة 340 في المحاكم الفلسطينية منذ تشريعها في عام 1960. ولا مازال التشريع الأردني وقانون العقوبات المصري اللذان يسمحان بعقوبات مخففة لجرائم الشرف ساريان.وكما قالت سريدا حسين "يجري استخدام قضية حقوق المرأة كلعبة سياسية. فيقوم من هم في السلطة بتوزيع وعود التغيير نتيجة لضغط الرأي العام وذلك لتسجيل نقاط سياسية، لكنهم يتجاهلون هذه القضية عندما ترفع القوى المحافظة أصواتها".وأضافت، "وعلاوة على ذلك، فقد وقعت السلطة الفلسطينية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فقط لأنه لم يكن للإتفاقية أي وزن قانوني في وقت لم تكن فلسطين قد أصبحت دولة بشكل رسمي".وتؤكد، "قيادتنا بعيدة كل البعد عن غالبية الفلسطينيين الذين هم ضد هذه الجرائم".وتعتقد سريدا حسين أن الاحتلال الإسرائيلي قد أدى للمزيد من الإضرار بنسيج المجتمع الفلسطيني.وتقول، "الأهالي يكافحون من أجل إطعام أسرهم وسط اقتصاد مصاب بالشلل. وتقتل إسرائيل الفلسطينيين بشكل عشوائي على أساس يومي تقريباً. لذلك، تصبح حقوق المرأة مسألة ثانوية في بعض الأحيان بالنسبة للناس. ولكن بالرغم من ذلك لا يوجد أي مبرر لعدم وضع تشريعات جديدة على أقل تقدير".وتضيف، "لابد من تغيير القوانين وكذلك تغيير المناهج الدراسية ومواقف وسائل الإعلام التي تعزز فكرة أن النساء أدنى من الرجال. وأنا لا أرى أن ذلك سيحدث في ظل القيادة الحالية خاصة وأن حركة فتح 'الحزب الحاكم في الضفة الغربية' وحركة حماس الأكثر تحفظا 'في غزة) تمران الآن بعملية توحيد".وتنهي سريدا حديثها بأسلوب متفائل،"لكن جيل الشباب سوف يسيطر في نهاية المطاف وهو أكثر تقدمية وعندئذ سوف يحدث التغيير".