60 قيادية نسائية من 10 دول عربية تشاركن في مؤتمر لتعزيز السلام

اجتمعت في بيروت عشرات القياديات النسائيات من عشر دول عربية وإقليم كردستان، استجابة لدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية والمركز الدنماركي للنوع الاجتماعي والمساواة والتنوع – كوينفو، للتباحث في "تعزيز دور النساء في بناء السلام وحل النزاعات في المنطقة العربية"، ومراجعة الخطط الوطنية الرامية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325.
 
وناقشت على امتداد ست جلسات، المشاركات عدة موضوعات ذات صلة، من بينها "تعزيز دور النساء في بناء السلام في دول النزاعات المسلحة"، حيث استمعن إلى عروض من قيادات نسائية عراقية وسورية ويمنية وليبية؛ و"دور النساء في محاربة التطرف وصناعة السياسات العمومية"، كما في الحالتين الأردنية والمصرية؛ و"دور النساء في بناء التوافقات الوطنية والعدالة الانتقالية"، كما في التجربتين التونسية والمغربية؛ و"التهميش المركب ... نساء الأقليات الدينية والقومية"، حيث تطرقت المشاركات إلى ما أسمينه "التهميش المركب" الذي تعانيه نساء المكونات المختلفة، من دينية وقومية وعرقية في عدد من دول المنطقة، سيما تلك التي كانت مسرحاً لأفظع الانتهاكات التي تعرضت لها هذه المكونات على أيدي جماعات التطرف العنيف الإرهابية، وتحديدًا في سورية والعراق، وجرى استعراض سريع لأوضاع النساء من هذه المكونات في دول أخرى عديدة.

وشاركت في أعمال المؤتمر ستون شخصية نسائية، من برلمانيات وعضوات مجالس استشارية وقيادات حزبية وناشطات مجتمع مدني وأكاديميات، من مختلف المرجعيات الفكرية والاجتماعية، مثّلن عدداً من دول المنطقة (الأردن، لبنان، مصر، فلسطين، العراق، سوريا، تونس، المغرب، ليبيا، واليمن فضلاَ عن إقليم كردستان العراق).

وقد تميزت نقاشات المشاركات بالعمق والحماسة، حيث تناولت أوراق العمل والمداخلات، عرضاً ضافياً لأهم التحديات التي تواجه النساء في دول النزاعات المسلحة والبلدان التي تعاني من انقسامات مذهبية وطائفية وصراعات أيديولوجية، وعرضت المتحدثات لمبادراتهن وتجاربهن في مساعي الوساطة وأعمال الحوار الوطني وفض النزاعات وتبديد الاستقطابات وتقديم الغوث الإنساني للاجئين والنازحين، وتحديداً للنساء والأطفال منهم، وبناء التوافقات الوطنية ومحاربة التطرف والغلو، ومواجهة مظاهر الاستبداد والتسلط في دولهن ومجتمعاتهن، وتحديداً تلك القائمة على النوع الاجتماعي، كما تقدمن بتوصيات ومبادرات من شأنها "تعزيز دور النساء في بناء السلام وحل النزاعات في المنطقة" في المرحلة المقبلة.

وفي معرض تحديدهن لأهم التحديات التي تواجه النساء في دول المنطقة، لاحظت المشاركات تفاوت الظروف التي تميز بلدان المنطقة ومجتمعاتها، واستتباعاً تمايز التأثيرات المترتبة على كل واحد منها، بين بلد وآخر، لكن معظم المداخلات وأوراق العمل، توقفت بهذا القدر أو ذاك، عند أربعة من أبرز التحديات التي تواجه النساء في هذه المرحلة، وهي:
1.    التحدي القديم – الجديد، المتأسس على بنية المجتمعات العربية الأبوية– الذكورية والموروث الثقافي الذي ما زال يلقي بظلاله على كاهل المرأة، والذي ينعكس تمييزاً واضحاً ضد المرأة في العديد من المجالات والميادين، بما فيها الإطار الدستوري والتشريعي، فضلاً عن السياسات والإجراءات غير المستجيبة للنوع الاجتماعي.
 
2.    التحدي الناجم عن غياب الدولة أو ضعف وتآكل مؤسساتها، في العديد من دول النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، الأمر الذي سمح ببروز قوى "لا دولتية"، تمارس الإكراه بوسائل عديدة، بما فيها العنف المسلح والمليشيوي، وتسعى إلى فرض "منطقها الخاص" على الجميع، وغالباً ما يتم ذلك، تحت ستار ديني، مذهبي، جهوي وعشائري، تصبح معه النساء أولى ضحايا غياب الدولة والمؤسسات وسيادة القانون.

3.    التحدي الناجم عن تفشي مظاهر التطرف والغلو، والتطرف العنيف، في العديد من دول المنطقة ومجتمعاتها، وتنامي تأثير الفكر الظلامي الذي يروج لثقافة تستلب كرامة المرأة وإنسانيتها ومواطنتها، ويحيل النساء إلى سبايا في عصر الجواري وأسواق النخاسة، ونجاح الجماعات المتطرفة والظلامية، في تأسيس شبكات واسعة، تنشط لتجنيد النساء لنشر هذا الفكر الظلامي في المناطق المهمشة والفقيرة، والزج بأعداد منهن في أنشطة إرهابية.
 
4.    التحدي الناجم عن عودة مظاهر الاستبداد في العديد من الدول والمجتمعات العربية، حيث تتراجع الحريات وتتآكل الحقوق، ويجري الارتداد عن مسار الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العديد من دول المنطقة، وما ينجم عن ذلك من تعريض للناشطات في العمل السياسي والوطني العام، إلى أبشع أنواع الاضطهاد القائمة على النوع الاجتماعي.

وتوصلت المشاركات إلى توافق عريض حول جملة المهام التي يتعين عليهن القيام بها في المرحلة المقبلة، ووضعن بعد نقاش مستفيض، ما يمكن تسميته ملامح "خريطة طريق" لاستنهاض دور النساء في مختلف الميادين سالفة الذكر، ومن بين أبرز التوصيات التي توصلت إليها المشاركات:

•    توافقت المشاركات على أن الدولة المدنية – الديمقراطية، دولة المواطنة وسيادة القانون، الدولة العادلة والضامنة لحقوق جميع مواطنيها ومواطناتها، من دون تمييز من أي نوع، هي وحدها الإطار العام، الدستوري والقانوني والمؤسساتي، الكافل لحقوق النساء والضامن لمشاركتهن وتمثيلهن، والمؤسس لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
•    شددت المشاركات، على وجوب "دسترة مواطنة النساء" في دولهن، من دون تمييز، وإصلاح المنظومة التشريعية السالبة لحقوق المرأة، باعتبار أن "الدستور والقانون" هما الرافعة الكبرى، لكفاح المرأة في سبيل حريتها وكرامتها ومواطنتها.
•    أكدت المشاركات، على وجوب تدعيم مشاركة النساء في مختلف المجالات والمستويات وعلى أساس المساواة، واعتماد مبدأ "الكوتا" كتدبير انتقالي، لتعزيز مشاركة المرأة السياسية في الأحزاب السياسية والبرلمانات ومجالس الحكم المحلي، وفي السلطة التنفيذية ولجان الحوار الوطني والوساطة والمفاوضات ولجان العدالة الانتقالية، وفي مختلف مؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات النقابية والمهنية، لتكون شريكاً ونداً في صنع السلام وبناء التوافقات الوطنية وتسهيل الانتقال الآمن إلى ضفاف الحرية والديمقراطية والاستقلال والسيادة التي تتطلع إليها شعوبنا.
•    تعزيز المكانة الاقتصادية للنساء من خلال برامج إدماج في سوق العمل وقطاع الأعمال، وإيلاء اهتمام خاص بعمل المرأة في الريف والبادية وفي المناطق المهمشة والفقيرة في المدن الكبرى، فالتمكين الاقتصادي للمرأة شرط واجب لتمكينها سياسياً، ولتعزيز قدرتها على التصدي لمحاولات القوى المتطرفة والظلامية استغلال فقر وجهل هذه الشرائح من النساء لغايات "التجنيد" وتشكيل شبكات تعمل على إشاعة خطاب الغلو والكراهية والتطرف.
•    الإصلاح التعليمي والتربوي، بات ضرورة ملحة، غير قابلة للتأجيل في جميع دول المنطقة، لإعداد أجيال متملكة للتفكير النقدي والشخصية المستقلة، المنفتحة على ثقافات وفلسفات وفنون وعلوم الإنسانية، وإدماج منظومة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية والتربوية، وإيلاء اهتمام لنشر الثقافة الحقوقية، ومحو الأمية خصوصاً بين نساء الأرياف والبوادي.
•    تحييد المؤسسات الدينية كالمساجد والكنائس ودور العبادة، عن العمل الحزبي والسياسي، والعمل على تنقيح وإصلاح الخطاب الديني ومحاربة خطاب الكراهية والعنف والتطرف، والسعي لنشر ثقافة الحوار والعيش المشترك واحترام التعددية وقبول الآخر.
•    العمل على مراقبة وتصويب أداء مؤسسات الإعلام في دول المنطقة، والتي كان لكثير منها دور خطير في نشر ثقافة الكراهية والتطرف والانقسامات المذهبية والدينية، ونشر الخرافات والأساطير وإشاعة الفتنة بين الناس، ليعود الإعلام للقيام بدوره في نشر ثقافة التسامح والحوار واحترام التعددية وقبول الآخر.
•    تداعت المشاركات إلى تشكيل أوسع الائتلافات الوطنية والإقليمية والدولية، من أجل العمل على إنجاز أهداف القرار الدولي 1325 والخطط الوطنية التنفيذية الخاصة به.
•    إطلاق أوسع حملات التوعية العامة لوسائل الإعلام والعاملين في المؤسسات التعليمية والتربوية والقيادات الدينية والمجتمعية، لمناهضة العنف والتطرف ضد النساء والفتيات ومكافحة الممارسات الضارة والقوالب النمطية التي تفشت في ظروف النزاعات وحملات التهجير ولا سيما زواج الطفلات والزواج القسري والزواج المؤقت وما يسمى بجرائم "الشرف".
•    الضغط على حكومات دول المنطقة للانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.