لندن ـ وكالات
اعتلاء الأمير فيليم الكسندر قبل أيام عرش هولندا، ليصبح أصغر ملك في أوروبا، خلفا لوالدته الملكة بياتريكس، التي تنازلت عن العرش بعد حكم استمر 33 عاما، أصبح حديث الساعة في بريطانيا. وتناول الكثير من المعلقين البريطانيين، وحتى بعض الكوميديين، الحدث التاريخي الهولندي وبدأوا يقارنون بين البلدين، كونهما يتبعان نظام الملكية الدستورية. وقال بعضهم «لقد حان الوقت لتتقاسم الملكة إليزابيث الثانية السلطة مع ابنها ولي العهد الأمير تشارلز»، أي أن تتنازل هي أيضا عن العرش لتتيح المجال لغيرها من ورثتها التسلسل في اعتلاء التاج كما فعلت ملكة هولندا، التي تصغرها بعشر سنوات. وأمس ظهرت بعض البوادر، بعد أن شقت الملكة إليزابيث الثانية، 87 عاما، طريقها من قصر باكنغهام إلى مبنى البرلمان، أو ما يطلق عليه قصر وستمينستر، في عربة تجرها الخيول للمشاركة في أهم يوم احتفالي، وهو يوم تقرأ ملكة بريطانيا خطابها السنوي في مجلس اللوردات حيث توضح فيه خطط الحكومة للعام التشريعي المقبل. وللمرة الأولى منذ عام 1996 يحضر ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز ترافقه زوجته كاميلا باركر دوقة كورنوول، التي تحضر للمرة الأولى على الإطلاق. ومن أكثر المشاهد إثارة للانتباه هو استدعاء ممثل الملكة في وستمينستر ويعرف بالصولجان الأسود لأعضاء البرلمان من مجلس العموم إلى مجلس اللوردات لسماع الخطاب. وتقوم التقاليد على أن يغلق الباب في وجه ممثل الملكة قبل أن يطرق ثلاث مرات بصولجانه ليفتح بعدها الباب. وترمز هذه المراسم إلى الحرب الأهلية في القرن السابع عشر وإلى رغبة مجلس العموم في مقاومة العرش. ثم يدخل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم حزب العمال المعارض إد ميليباند وخلفهم الوزراء والنواب إلى مجلس اللوردات حيث سيقفون لسماع خطاب الملكة. وحضر الأمير تشارلز، 64 عاما، مع والدته افتتاح البرلمان 16 مرة سابقا عندما كان ما زال متزوجا من الأميرة ديانا، وكانت آخر مرة في عام 1996 إذ اصطحب والدته في افتتاح البرلمان عندما تغيب والده الأمير فيليب عن المناسبة. ومنذ طلاقه من الأميرة ديانا التي توفيت في حادث سير في باريس عام 1997. اقترن الأمير علنا مع زوجته الحالية دوقة كورنوول، التي حضرت أمس المناسبة لأول مرة. لكن مصادر القصر حاولت أمس التقليل من أهمية حضورهما الافتتاح. حضورهما يعتبر علامة أخرى على أن الملكة البالغة من العمر 87 عاما تعتزم تقليص واجباتها العامة. وقالت مصادر القصر لصحيفة «ايفنينغ ستاندرد» إن الملكة تقبل في التغيير وإعطاء فرصة لبعض أبناء العائلة المالكة، خصوصا ولي عهدها الأمير تشارلز، وابنيه الأمير ويليام وزوجته دوقة كمبردج، وشقيقه الأمير هاري، القيام بأدوار في الحياة العامة. «لكن ليس من الوارد أبدا أن تتخلى الملكة عن القيام بواجباتها العامة. هذا شيء لن يحدث». وأعلن قصر باكنغهام يوم الثلاثاء أن الملكة لن تحضر لقاء رؤساء حكومات دول الكومنولث هذا العام لأول مرة خلال 40 عاما. وسوف يمثلها وريثها في العرش الأمير تشارلز خلال اللقاء الذي سيعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في سريلانكا. وقال متحدث: «السبب أننا نعيد النظر في المسافة الطويلة التي ستقطعها الملكة». ولم تحضر الملكة أول اجتماع من هذا النوع الذي عقد في عام 1971 ولكنها حضرت الاجتماع الثاني الذي عقد في كندا في عام 1973 وحضرت بعد ذلك كل الاجتماعات التي تقام كل عامين. وتعد هذه الخطوة مهمة للأمير تشارلز لأنه لا يصبح تلقائيا رئيسا للكومنولث في حال خلف الملكة كملك. وتكهنت وسائل الإعلام مؤخرا بشأن صحة الملكة بعدما دخلت المستشفى في مارس (آذار) الماضي بسبب آلام في المعدة رغم أنها ظهرت بعد ذلك في صحة جيدة. وبسبب هذه المشاكل الصحية وتقدم الملكة وزوجها في العمر، سيضطر تشارلز ونجلاه ويليام وهاري إلى القيام بعدد متزايد من الواجبات الرسمية، كما يقول الخبراء في الشؤون الملكية. وكشف الوضع الصحي أيضا لزوجها دوق ادنبره الأمير فيليب (91 عاما) عن بضعة مؤشرات منذ نهاية 2011. ونقل إلى المستشفى ثلاث مرات بسبب مشاكل في القلب والتهاب في البول وقرر تقليص نشاطاته. تأسست الكومنولث وهي رابطة تطوعية تضم 54 دولة نشأت عن الإمبراطورية البريطانية عام 1949 بعدما منحت الهند وباكستان الاستقلال. الجدير بالذكر أن الملكة لا تتمتع بأي سلطات رسمية على دولها الأعضاء الذين يبلغ تعداد سكانها مجتمعة ملياري نسمة. بريطانيا ملكية دستورية، وهذا يعني أن حقوق وواجبات العرش منصوص عليها في الدستور. ومع ذلك، فإن بعض المهام تعد بمثابة أعراف حيث تطورت تاريخيا ولم تدرج في القانون. تلعب الملكة دورا في تشكيل الحكومات، وتكلف الملكة زعيما من الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات العامة، الذي عليه أن يتفاوض مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية إذا لم يحصل أي من الزعماء السياسيين على أكثرية برلمانية. وتمثل الملكة بريطانيا في الزيارات الرسمية في الخارج وتستقبل رؤساء الدول في الداخل. واكبت الملكة إليزابيث الثانية المسيرة السياسية لعدد من رؤساء وزراء بريطانيا والذين وصل عددهم إلى 12 منذ اعتلائها العرش في بداية الخمسينات من القرن الماضي. وإضافة إلى الطلب رسميا من الزعماء السياسيين تشكيل الحكومات بعد الانتخابات العامة، تلتقي الملكة مع رؤساء الوزراء أسبوعيا تتناقش معهم في أمور الساعة. وهذا ما تجسده حاليا مسرحية «ذي اوديانس» (اللقاءات) الدائرة حاليا وتجسد فيها الممثلة هيلين ميرين الملكة، الدور نالت عليه جائزة «لورنس أوليفيير» المسرحية المرموقة. الملكة إليزابيث الثانية أظهرت دعمها للفنون في بريطانيا بشكل عام ونالت إعجاب الملايين في جميع أنحاء العالم عندما اشتركت العام الماضي «كفتاة بوند» مع دانيال كريغ الممثل الذي يجسد دور العميل (007) في أفلام جيمس بوند الجاسوسية وذلك خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية. وقالت ميرين خلال تسلمها جائزة أوليفيير «أشعر أن الناس يتجاوبون معها (أي الملكة الحقيقية) في كل مرة أجسد دورها». وأضافت ميرين «أشعر أنني فقط أمشي على الهامش عندما يتجاوب الناس معها. إنهم يعبرون عن حبهم واحترامهم لها». وتحتفل الملكة إليزابيث بالذكرى الستين لجلوسها على العرش في الثاني من يونيو (حزيران) المقبل وتعتزم مدينة لندن تنظيم الكثير من الفعاليات الخاصة بهذه المناسبة.