القاهرة صوت الامارات
ليس كل ما يبرق ذهبا.. فالتقنية بما فيها من فوائد عظيمة خدمة للإنسانية في جميع مجالات الحياة ومنها مجال التربية والتعليم، إلا أنه مع تدفق عشرات الألوف من البرمجيات في وسطها الغث والثمين على قائمة المتاجر الإلكترونية، فقد أصبح من الضرورة الملحة فتح ملف ''الأندرويد والأطفال''، خصوصا أن نظام الأندرويد انتشر بشكل كبير محليا وعالميا، وهو كما وصفه فهد بن فيصل الحجي المتخصص في التطبيقات الذكية والإعلام الجديد ضمن تقريره الذي خصصه تحت عنوان ''هل نظام أندرويد آمن للاستخدام مع أطفالنا؟''، وأشار إلى أن انتشار النظام في تزايد مستمر، ما يجعله يتفوق في العديد من المجالات على نظام IOS الخاص بالآيباد والآيفون، وأصبحنا نرى أجهزة المنتجات الذكية التي تدعم نظام التشغيل أندرويد من شركة جوجل بين أيدي من حولنا بشكل كبير. وحيث إن السمة الطاغية من حولنا أن هذه الأجهزة بين أيدي أطفالنا ليلهوا بها، سواء لبعض الوقت أثناء زيارة اجتماعية لإشغالهم بها أو بشكل دائم بشراء جهاز أندرويد لوحي لهم. ويشدد فيصل الحجي في تقريره أنه علينا أن نسأل أنفسنا السؤال الجوهري: هل هذه الأجهزة آمنة لأطفالنا؟ هل عندما ندعهم يعيشون داخل هذا العالم فإننا تركناهم في عالم مناسب لهم ولا يقدم لهم أي ضرر؟ والأهم من ذلك كله: هل نحن نعلم بالفعل ماذا تحوي هذه الأجهزة؟ ولا شك أننا أصبحنا في زمن يعرف أطفالنا فيه كيف يتعاملون مع التقنية أكثر منّا لدرجة أن بعض الآباء يعطون هواتفهم الذكية لأبنائهم ليحمّلوا لهم البرامج التي يريدونها، أو ليحلوا فيها مشكلة ما، فكيف نترك أطفالنا مع هذه الأجهزة، ثم نقول: إننا نعرف تماما البيئة التي وضعناهم فيها؟ ويطرح الحجي تساؤلا هل جلس أحدنا على الأجهزة التي توجد في بيته لبعض الوقت وأخذ يستكشف ما فيها؟ أو دخل على متجر البرامج وأخذ يتنقل فيه بشكل عشوائي ويلاحظ ماذا يظهر له؟ هل دخل على ''يوتيوب'' وأخذ يفكر بعقل طفله ويتنقل فيه بالطريقة التي يتوقع أن يتنقل طفله بها ويرى بنفسه ماذا يظهر له؟ وقد تم عمل جولة عشوائية على الآيباد، ووجدنا الكم الكبير للمخاطر الموجودة في متجر البرامج وفي ''يوتيوب'' وغيره، الآن أُخِذت جولة مشابهة عشوائية في هذه الأماكن، ولكن في نظام الأندرويد. محتوى جنسي مهول وأشار التقرير إلى أن الجولة في متجر البرامج قد تمت بطريقة عشوائية، والتركيز فيها فقط على الصفحات الأولى من المتجر التي تظهر بشكل تلقائي، ولم يتم البحث بطريقة عمدية عن أماكن الخطر، أي أنه عمد إلى ما يقوم به أي طفل بريء حينما يدخل متجر البرامج، حتى يطبق أسلوبه نفسه في التصفح، دون أي قصد منه أو سوء نية. عند الدخول إلى متجر التطبيقات مباشرة، والذهاب إلى قائمة أهم التطبيقات المدفوعة، تظهر شاشات رئيسة وفيها ألعاب تمثل خطا أحمر لمحتواها الخطير، فهذه الألعاب بها مستوى من العنف لا يناسب الأطفال، وهي متاحة هنا لهم بكل أريحية. وللمعلومية.. يقوم متجر جوجل Play بتصنيف البرامج فيه إلى ثلاث فئات: بلوغ منخفض، وبلوغ متوسط، وبلوغ تام، وهذه الألعاب الثلاث مصنفة بأنها ''بلوغ متوسط''، وحسب تعريف ''جوجل'' فإن البرامج المصنفة بهذا التصنيف قد يكون فيها محتوى عنف، ''وهو ما يبدو أنه موجود في هذه الألعاب'' أو استخدام للكحول والمخدرات، أو قمار، أو ألعاب اجتماعية، وغير ذلك. ويمكن لنا أن نرى التصنيف في معلومات اللعبة، كما في الشكل رقم 1: دعونا نسحب الشاشة إلى اليسار، إلى قائمة أهم التطبيقات المجانية، والأمر هنا يصيب بالدهشة لوجود مثل هذه البرامج، حيث يتوافر منها محتوى ألعاب تحض على العنف والجنس بصورة مهولة بالنظر إلى الشكل رقم 2، وزاد التقرير: هل تريدون أن تصابوا بصدمة حقيقية! افتحوا أجهزتكم الآن، وادخلوا إلى قوائم البرامج الرئيسة المجانية ستجدون هذه البرامج وغيرها افتحوها لتستعرضوا معلوماتها، ستجدون صورا إباحية يندى لها الجبين وأحيانا مقاطع فيديو قصيرة.! أي أن الطفل ليس في حاجة لأن يحمل البرامج على الجهاز ليرى ما فيها، فالصور الأولية التي يعرضها البرنامج قبل التحميل تكفي لإحداث صدمة لدى الوالدين، وأثرا نفسيا عميقا لا يحمد عاقبته لدى الطفل ويعلم الله كيف سيتطور. وإن دخل الطفل -لا قدر الله- إلى معلومات أحد هذه البرامج الإباحية، وشده الفضول إلى هذا العالم الغريب، فسيجد في الأسفل روابط لبرامج أخرى عديدة، كلها إباحية.. وكلها صادمة. الشكل رقم 1: تظهر التطبيقات في متجر «جوجل بلاي» تقييم المحتوى والفئة العمرية المناسبة للتطبيق. الشكل رقم 2 : ألعاب غير مناسبة لمجتمعات عربية. الشكل رقم 3: تطبيقات غير شرعية وقصص جنسية متناثرة بين التطبيقات الدينية. ولو حررنا قيود البلوغ لأغرقتنا روابط البرامج الجنسية، فالمحتوى الجنسي طاغٍ بشدة على متجر برامج Play في أجهزة الأندرويد وحتى الأنظمة المماثلة، كما في أجهزة أبل، ومنتشر في كل الفئات، ففي قسم الألعاب نجد ألعاب تركيب لصور جنسية، وألعاب من يفوز فيها تظهر له صور فاضحة، وأخرى تقدم مسابقات في فن وسرعة التقبيل، وفي خلفيات الشاشة نجد كما كبيرا من الصور الإباحية لاستخدامها كخلفيات شاشة، وفي الأدوات نجد رسوما فاضحة تتكشف أكثر عندما ينزل مستوى البطارية، وفي القصص المصورة نجد قصصا رسومية كثيرة تعتمد على الرسوم الإباحية والعلاقات المحرمة، وفي الكتب والأدلة نجد برامج لتعليم أوضاع جنسية مختلفة، ومعلومات تخص علاقة الرجل والمرأة، وفي الترفيه تجد برامج تقدم النكت الجنسية، وفي الأقسام التعليمية نجد برامج لتعليم الوشم مع صور لأجساد كاملة شبه عارية تستعرض الوشم في أغلب مناطق الجسم. والمشكلة الأكبر أن هذه البرامج تأتي منتشرة بين برامج وألعاب الأطفال، وبين حتى البرامج الدينية، فستدهش أيها القارئ عندما تنظر معنا إلى هاتين الشاشتين، حيث تندمج البرامج الإباحية في الأولى ببرامج الأطفال، وفي الثانية ببرامج القرآن الكريم والسنة النبوية، كما في الشكل رقم 3. ألعاب القمار في المتجر في القوائم الرئيسة أيضا، نجد صنفا آخر من البرامج غير المناسبة لأطفالنا وهي ألعاب القمار، انظروا مثلا في بداية قائمة أفضل التطبيقات، هناك ثلاثة ألعاب قمار إحداها باللغة العربية تظهر في الشاشة الرئيسة، وللعلم فإن ألعاب القمار موجودة كفئة رئيسة في فئات الألعاب في المتجر، وعرضها الحجي ضمن تقريره، موضحا أنه إضافة إلى أنها لعبة قمار وإلى استخدام صور البنات فيها بجانب أنها أيضا لعبة اجتماعية تجعل الطفل يتصل بأشخاص آخرين لا يعرفهم عبر الإنترنت، وهذا يقودنا إلى عالم ضخم آخر من البرامج الخطرة على الأطفال، وهي البرامج والألعاب الاجتماعية التي تجعل الطفل على اتصال بأشخاص مجهولين حول العالم دون أن يشعر بذلك أحد من أهله أو والديه. ومن البرامج هناك الأشهر في باقة برامج الدردشة وهو برنامج Who Is Here، وهذا من برامج التواصل الاجتماعي التي تعتمد على موقع ومكان الشخص، حيث يقوم البرنامج باستعراض الأشخاص الموجودين بالقرب منك، وإظهارهم لك للتعرف عليهم والحوار معهم وهذا البرنامج منتشر بكثرة بين الشباب في الخليج والعالم العربي ومتاح على أجهزة الأندرويد والآيفون. تخيل أن يقوم ابنك بالدردشة مع شخص مجهول، وهذا الشخص المجهول هو في الحي الذي تقطن فيه بالقرب منك، وبإمكانه استدراج الطفل ليعرف عنوان بيته ومدرسته بالضبط، إن هذا البرنامج والبرامج المشابهة تشكل خطرا على الطفل ليس له حدود، برامج التواصل الاجتماعي كثيرة، وأولها ''فيسبوك'' الذي يحتاج وحده إلى دراسة عميقة، وكلها لها مخاطر متعددة، وهناك برامج تواصل عربية قد تشد الطفل أكثر لاستخدامها، نظرا لأنها تتحدث بلغته. وهناك برامج تواصل اجتماعي مخصصة للراغبين في الزواج وإقامة العلاقات وحتى الشاذة منها. الألعاب.. حقول ملغومة وركز التقرير على مجموعة الألعاب التي يتعامل معها الطفل، وهذه الألعاب هي ما يريده الأطفال غالبا من متجر البرامج، وهناك تقسيم رئيس في متجر البرامج للألعاب وبه العديد من التصانيف الفرعية، وعدد ضخم من الألعاب بمختلف أنواعها وأشكالها. وهناك ألعاب تناسب الأطفال الصغار جدا وأخرى للصغار، وأخرى للمراهقين، وأخرى للكبار. والمشكلة أننا في الغالب عندما ندع أطفالنا يستعرضون متجر البرامج لا نلتفت لا نحن ولا هم إلى هذه التصنيفات، وبالتالي قد يقوم الأطفال الصغار بتحميل لعبة غير مناسبة لهم واللعب بها دون أن ينتبه الوالدان لذلك، إضافة إلى احتواء كثير من الألعاب على محتوى جنسي مباشر، كما أسلفنا هناك ألعاب أخرى تستخدم الصور الإباحية كمادة إضافية على اللعبة، مثل هذه الألعاب الثلاث التي تدور حول الحرب والصراعات، ولكن استخدمت فيها رسومات بشكل مبتذل. وتأتي في متجر الألعاب كمية كبيرة من الألعاب بها مستوى عالٍ من العنف والرعب، وأغلبها مخصص للكبار بحسب تصنيف ''جوجل''، ولكننا كالعادة لا ننظر للتصنيف، وأكثرنا لا يعرف عنه أصلا. ومن الألعاب التي تعتمد على العنف ما تمت الإشارة إليه في أول هذا التقرير التي ظهرت في الشاشة الرئيسة لعموم البرامج وهنا وفي قسم الألعاب سنرى بالتأكيد ألعابا أكثر تعتمد على العنف إحداها تظهر على الشاشة الرئيسة لمتجر الألعاب، وهناك ألعاب أخرى تتجاوز العديد من الخطوط الحمراء، مثل لعبة ''سرقة السيارات الكبرى'' الشهيرة، التي يقوم فيها الطفل بدور المجرم الذي يسرق ويقتل ويهرب من الشرطة. وبعيدا عن متجر البرامج ألمح التقرير إلى أن هناك عدة أماكن تشكل خطرا على الطفل، ولكنها كلها ليست بذات أهمية، ما عدا ''يوتيوب''؛ فهو ذو مخاطر كبيرة، خصوصا أنه لا يستخدم أي نظام فلترة للمحتوى الذي يعرضه، وأنه يجذب الأطفال بشكل ملحوظ، وأن محتواه يتتابع: مقطع وراء مقطع، وترشيحاته أو فلترته للمقاطع لا تميز بين صغير وكبير. فهل نستسلم؟ أم نمنع؟ الاستسلام بالطبع لسيل التقنية الجارف، ولرغبات الأطفال الملحة، أمر مرفوض تربويا، وإلا فما دورنا نحن الآباء؟ومنع الأطفال من استخدام الأجهزة المحمولة -سواء كانت أنظمة تعمل بالأندرويد أو أجهزة الآيباد- أمر غير مجدٍ، خصوصا أن هذه الأجهزة تشكل وسيلة تعليمية حقيقية وقوية للأطفال، ويمكن استغلالها بشكل مفيد ومثمر جدا في بناء الطفل أخلاقيا ومعرفيا. والحل يكمن في أن نجد وسائل تحد من مخاطر هذه الأجهزة، وتعيننا على تركيز استخدام الأطفال فيما ينفعهم، وينمي مواهبهم وقدراتهم. والأمر المبشر في عالم الأندرويد على الرغم من كل المخاطر المهولة التي يحويها هو أنه يمكن التحكم في محتواه بشكل قوي وفعال أكثر من الآيباد، حيث يمكنك ضبط جهاز الآندرويد بطريقة معينة وتركه بين يدي الأطفال باطمئنان تام. والحل يحتاج تفاصيل محددة بدقة نعرضها في الجزء الثاني؛ ليجيب على تساؤلنا: كيف نجعل نظام الأندرويد آمنا لأطفالنا؟