القاهرة ـ ا ش ا
"في الشان المصري وعلي عكس معظم الملفات، كان اداؤه (نتنياهو) طوال مده حكمه ممتازًا. فقد عرف كيف يحافظ علي العلاقات من الانهيار في فتره حكم الإخوان المسلمين المظلمه، والاهم من ذلك، فقد صنع منظومه علاقات غايه في الجوده مع الرئيس السيسي بعد انقلاب يونيو 2013. هذا احد ابرز انجازاته".
هذه الكلمات قالها وزير اسرائيلي سابق لموقع walla في سياق تحليل مطول عن اداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ملف العلاقات بين كل من اسرائيل من جهه ومصر والاردن.
وقال الموقع ان الـ 18 شهرًا الماضيه سجلت العلاقات بين اسرائيل ومصر سخونه وتقارب" مذهل" ، مشيرًا الي ان الاداره الامريكيه التي فشلت في محاوله التقريب بين اسرائيل ودول عربية، قد ساعدت دون قصد في التقارب بين نتنياهو والسيسي.
واوضح: "هناك ميل في اسرائيل للنظر للرئيس اوباما ورجاله من حوله علي انهم مجموعه من السذج الذين لا يفهمون شيء بالشرق الاوسط، لكن الحقيقه فيما يتعلق بمصر، فان كلا طرفي المنظومه السياسيه الامريكيه تعاملا بجهل خلال الاسابيع الاولي بعد عوده السيسي للحكم".
وتابع:" ففي الوقت الذي اتخذت اداره اوباما خطوات اوليه ضد النظام العسكري، طالب اعضاء مجلس شيوخ من معسكر اليمين بالحزب الجمهوري بمعاقبه مصر بشكل اشد، واتهموا اوباما بالتعامل بلين مع السيسي" المستبد" الذي اطاح بـ" حاكم ديمقراطي. تلك الاوهام التي ساهمت في غزو العراق في 2003 واستبدال "الحريه والديمقراطيه" بصدام حسين اثرت ايضا علي رد الحزبين في واشنطن علي الانقلاب الثاني بمصر".
خلال هذه الفتره الحاسمه، تدخلت لصالح النظام الجديد في مصر اثنين من اهم حلفاء الولايات المتحده بالمنقطه: السعوديه واسرائيل. التاييد السعودي للسيسي كان مفهوما من البدايه، علي خلفيه معارضه السعوديه لعمليه احلال الديمقراطيه، وتحديدًا الديمقراطيه الدينيه بطريقه الاخوان المسلمين.
ضغط السعوديون علي الولايات المتحده لتغيير سياستها تجاه مصر، واهتموا في ذات الوقت بتمويل نظام السيسي بمليارات الدولارات. باقي دول الخليج باستثناء قطر المواليه للاسلاميين، لحقوا بعد ذلك بالدعم السعودي للسيسي.
كان الرد الاسرائيلي اكثر تعقيدا، وانطوي علي الكثير من المخاطر، فبعد الانقلاب الاول الذي حدث في مصر عام 2011، عرفت اسرائيل كيف تحافظ علي الحياديه المطلقه حيال الاحداث في الجاره من الجنوب. في البدايه من حكم في مصر كان الجيش المصرى، وبقي التعاون بين الجانبين كما كان في السابق، رغم حدوث سقطات حقيقيه في الطريق- مثل فشل قوات الامن المصري في حمايه السفاره الاسرائيليه بالقاهره.
في الليله التي تعرضت فيها السفاره للهجوم، كما نذكر جميعا، اضطر رئيس الحكومه نتنياهو للاتصال بشكل شخصي بالرئيس باراك اوباما، وبعد ان تدخل الاخير لصالح اسرائيل، تعطف المصريون بانقاذ رجال الامن الاسرائيليين الذين كانوا عالقين في المبني.
وبشكل متصل، عندما وصل الاخوان المسلمين للحكم، حافظ نتنياهو علي نفس الخط الحذر تجاه مصر، وحرص علي عدم التورط اطلاقا في الوضع السياسي بالبلاد. واصلت اسرائيل العمل مع مصر في المجال السياسي ايضا: انتهت عمليه "عامود السحاب"، بوقف اطلاق النار بوساطه مصريه، حظي الرئيس مرسي بفضلها بقصه غلاف مغريه في مجله" تايم"، التي توجته كاهم رجل بالشرق الاوسط.
عندما اطاح السيسي بمرسي، تغير النهج الاسرائيلي الحذر. هذا التغير عبر عن نفسه اولا وقبل كل شيء في الكونجرس بواشنطن، عندما ذهبت لوبيات مواليه لاسرائيل ايباك لاقناع مشرعين من الحزبين بتغيير نظرتهم للنظام المصري.
كانت حجتهم بسيطه: المساعدات الامريكيه لمصر هي احدي ركائز معاهده السلام الاسرائيليه- المصريه، وتقليصها قد يدفع مصر لالغاء المعاهده، لكن مصدرا اسرائيليا مرموقا اعترف في حديث مع walla بان "القول بوجود خطر علي معاهده السلام كان قصه للتمويه فقط، فالاشارات الوارده من القاهره في مرحله سابقه كانت تؤكد انه ليست هناك نيه لانتهاك المعاهده". يقولون في القدس ان السيسي لم ينس المساعدات التي تلقاها من اسرائيل في واشنطن خلال الاسابيع الاولي الصعبه من حكمه.
باستثناء العلاقه بين الزعيمين، كذلك تغير التعامل في مستويات العمل بين اسرائيل ومصر منذ عوده السيسي للحكم. صحيح انه خلال فتره حكم الاخوان المسلمين، تم الحفاظ علي تعاون امني، وزار مندوبون اسرائيليون القاهره بشكل دائم مثل اللواء ( احتياط) عاموس جلعاد، لكن اقتصرت العلاقات علي تلك المستويات.
في المقابل، خلال حكم السيسي زار العاصمه المصريه ايضا عناصر ذوو صبغه سياسيه مثل المبعوث الشخصي لنتنياهو لعمليه السلام المحامي اسحاق مولخو، والمسئول الكبير السابق بالموساد ديفيد ميدان. بل ان اسرائيل عينت قبل عده شهور سفير دائم جديد في مصر، بينما عينت مصر مسئول جديد عن السفاره بتل ابيب. وخلال عمليه "الجرف الصامد" تعهد السيسي بتعيين سفير دائم في اسرائيل مستقبلا، وهو التعهد الذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ، لاسيما بسبب الاجواء المتوتره بين اسرائيل والفلسطينيين.
في القدس يتباهون للغايه بالعلاقات مع مصر، والتي في سياقها سمحت اسرائيل عده مرات للجيش المصري لـ"فتح" معاهده السلام وادخال قوات عسكريه لسيناء لصالح الصراع ضد الارهاب. لكن مسئول كبير في المنظومه قال لـ walla انه بجانب الانجاز الواضح لنتنياهو في الحفاظ علي منظومه العلاقات الاستراتيجيه هذه، فيجب ان ننظر بشكل ادق: "العلاقات جيده، لكن هناك توجه في الاعلام للقول انها الافضل علي الاطلاق وهو امر ليس صحيح بالضروره. فمنذ 4 سنوات، كانت زياره عوزي اراد مستشار نتنياهو للامن القومي للقاهره امرا عاديا جدا. الان مثل هذا الامر لا يحدث. ولم يرجع المصريون السفير حتي الان رغم تعهدهم بذلك".
مع نهايه عمليه" الجرف الصامد" التئم بالقاهره مؤتمر دولي بمشاركه عشرات الدول، لاعاده اعمار قطاع غزه. كانت اسرائيل الدوله ذات الصله الوحيده التي لم يتم دعوتها للمؤتمر. السبب في ذلك ان تلك الدول التي دعمت الخط الاسرائيلي ضد حماس وقطر خلال العمليه، لم تكن مستعده ان يجلس دبلوماسيون من جهتها مع مندوب اسرائيلي في غرفه المداولات. صور الدمار من غزه انتشرت بشكل موسع علي شبكات التلفزه العربيه والعالميه، لكنها لم تكن السبب الوحيد في البروده المفاجئه في العلاقات. كان هناك سبب اخر هو الادراك ان نتنياهو عاد لعصر الجمود السياسي، تحديدا بعد المرونه التي ابداها خلال المفاوضات مع كيري.
لحظه الذروه في المؤتمر الدولي بالقاهره كانت خطاب الرئيس المصري السيسي. الحرب في غزه حولت السيسي لاحد اكثر الشخصيات شعبيه في اسرائيل، علي خلفيه موقفه المتصلب ضد حماس. استغل السيسي شعبيته في اسرائيل للتوجه امام كاميرات التلفزيون مباشره للجماهير الاسرائيليه، ودعا لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، انطلاقا من مبداره السلام العربيه من عام 2002.
التوجه المباشر لزعيم عربي للجمهور الاسرائيلي هدف لنقل رساله واضحه للقياده الاسرائيليه ايضا: لكن تكون انطلاقه حقيقيه في العلاقات مع العالم العربي، تتجاوز التعاون في نقاط معينه، اذا لم تتقدم اسرائيل ايضا في المسار الفلسطيني