صحيفة البعث

يُخيّل لمن يُتابع كيف تعامل نظام آل سعود سياسياً وإعلامياً مع قضية إعدامه 47 شخصاً، بأن هؤلاء يمكن اعتبارهم مواطنين من أي دولة إلّا السعودية، لكن عندما يعود المتلقي قليلاً إلى تاريخ هذا النظام يجد الأمر غاية في البساطة، ففي مملكة المهالك لا صوت يعلو فوق صوت الملك، ولا حقوق ولا مواطنة إلّا لمن سبّح بحمده وشكر بنعمه، وكل من يخرج عن رأيه فمصيره، إما الزج في غياهب السجون أو الركوع بانتظار دوره على قائمة السيّاف. إنه باختصار نهج الوهابية الذي درجت عليه العادة منذ أن استولى آل سعود على الحكم في أرض الحجاز.

أما لماذا تمّ إعدام المعارضين في هذا التوقيت، فعلينا قراءة ما بين السطور، والذي لا يخرج بأي حال عما يجري في منطقتنا منذ ما يُقارب خمس سنوات، وتدخّل نظام آل سعود السافر في شؤون الدول العربية والإقليمية تلبية لنداءات حلفائهم القدماء الجدد في واشنطن و”تل أبيب”، بعدما أوكلت له مهمة تغذية الفكر التكفيري، الذي يبرع في تحريكه من خلال استغلال مال النفط في شراء الذمم وتجنيد المرتزقة والمنحرفين أخلاقياً ليكونوا وقوداً لتنفيذ المشاريع الهدّامة، والتي رأينا نتاجها في سورية والعراق واليمن وليبيا.

وعندما رأى جهابذة الحكم في الرياض بأنه لا مفر من اختلاق بؤر توتر جديدة مع دول الجوار عبر العزف على وتر الطائفية لحشد ما يمكن حشده لإعادة خلط الأوراق وتوسيع دائرة الاشتباك، بعدما أجمع العالم على ضرورة محاربة الإرهاب الذي وصلت ارتداداته إلى أوروبا وبدأت تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة الضغط على السعودية لتبديل سلوكها من خلال وقف دعم وتفريخ وتصدير التكفيريين.

وعليه أعدم النظام السعودي ثلة من أبرز معارضيه، تزامناً مع خرق الهدنة في اليمن بذريعة خرق الطرف الآخر وقف إطلاق النار، واستضافة مؤتمر للمعارضة السورية، المؤتمرة بأمرها في الرياض، والذي تبنّى ذات المواقف السياسية التي باتت من منسيات الدول الكبرى، أضف إلى ذلك استفزازاتها اليومية لطهران، وكان آخرها بالأمس عندما أقدمت طائراته على قصف سفارة إيران في صنعاء، وأكملت لعبتها المكشوفة بفتح القنوات الإعلامية الممولة خليجياً حرباً تضليلية مقيتة على كل من انتقد ما أقدم عليه النظام السعودي.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل مملكة الرمال قادرة على الاستمرار في المواجهة على عدة جبهات، خاصة في ظل ما ستفرزه عملية الإعدام على الصعيد الداخلي من صراعات؟. الجواب قطعاً لا، فهي فشلت في تحقيق أي من أهدافها في سورية رغم الدعم منقطع النظير لمرتزقتها في الداخل السوري، وسجلت فشلاً آخر في اليمن، والذي يُنبئ الاستمرار فيه بنتائج كارثية بعدما تقدّمت القوات اليمنية في الأراضي السعودية، وبالتالي فإن اختلاق النظام السعودي أزمات جديدة سينعكس سلباً على مستقبله في المنطقة.

إذن، فقد وصل الحال في آل سعود حد المقامرة بمستقبل البلاد في محاولة لإنقاذ العرش المتهالك، ولعل قول أحد المحللين الأوروبيين حول الوضع في السعودية: إن خوف النظام السعودي من الموت يدفعه إلى الانتحار، أبلغ توصيف لما آلت إليه المملكة من جراء المواقف الصبيانية التي اتخذها النظام الحاقد في مجمل أزمات المنطقة، والذي كان له اليد الطولى في تأجيجها، وبدلاً من الركون والعودة إلى جادة الصواب في ظل المتغيّرات والتحولات التي طرأت على الساحة الدولية، سار بعكس التيار، الأمر الذي سيعجّل بتحويل أرض الحجاز كساحة أخيرة لتصفية الحسابات.