عدن ـ وكالات
يشكل وضع الإعلاميِّين في اليمن مصدر قلق بالغ. ويعتبر عدم الاستقرار السياسي الذي يعاني منه البلد من الأسباب الرئيسية لهذا الوضع، الذي زاده موقف قوات الأمن سوءاً، إذ بدل أن تعمل على حماية الصحافيِّين لأداء مهامهم، صارت تسعى لترويعهم والتضييق على حرية الإعلام في البلد. وهكذا بات الصحافيون دائما يخشون موقف السلطات، مثلما كان عليه الحال إبّان عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. فضلا عن ذلك صار عليهم أيضا أن يواجهوا التهديدات الصادرة عن الجماعات المسلحة المنتشرة في مختلف أنحاء البلد. خلال الأشهر الخمسة من عام 3102، أحصت منظمة “مراسلون بلا حدود” 30 حالة اعتداء على الأقل، أفضت في بعض الحالات إلى إصابات خطيرة، إضافة إلى خمس حالات اختطاف. وفوق هذا وذاك، التهديدات التي يتعرض لها عددٌ كبيرٌ من الصحافيين وعائلاتهم. الصحافيون، هدف للجماعات المسلحة أصبح اليمن، في الواقع، يعاني من اضطرابات داخلية خطيرة. وعدد الجماعات الانفصالية والحركات التمردية يتكاثر على كامل التراب اليمني. وصار الصحافيون يتعرضون بانتظام لتهديدات هذه الجماعات التي تكون عادة شديدة التسلح. وتهدف هذه التهديدات، المتنوعة الأشكال، إلى ترويع الإعلاميين وتكميم أفواههم. وهي عادة تستهدف السلامة الجسدية للصحافي. وكانت هناك تهديدات من وقت لآخر لأحد الصحفيين بقطع يديه أو اقتلاع لسانه، أو اختطاف أولاده أو عائلته تفجير سيارته أو منزله أو نهب ممتلكاته. وعادة ما تُنفَّذ هذه التهديدات. فقد أبلِغَت “مراسلون بلا حدود” عن عدة محاولات اغتيال منذ بداية العام. لقد بُتِرَت ساق الصحافي منصور نور، بعد أن تعرّض لاعتداء من طرف ثلاثة رجال مسلحين حاولوا اغتياله، يوم 01 أبريل/نيسان 3102 . من جهته نجا الابن الأصغر للمراسل محمد الحذيفي، من محاولة اختطاف في مدينة تعز يوم 30 أبريل/نيسان الماضي. وبعد أن أخفق المجهولون في محاولتهم دهسوه بسيارتهم. ولم تسلم مقرات الصحف والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء بدورها من التهديدات. ففي السابع عشر من أبريل/نيسان 3102، تم اكتشاف عبوة متفجرة، وزنها 011 غرام، في البناية التي تضم مقر شركة الصحافة المصدر. وقد تمكنت الشرطة من تفكيك القنبلة 01 دقيقة قبل توقيت انفجارها. ويحدث أن يُستهدَف الصحافيون من طرف الحشود بسبب نشاطاتهم المهنية. فخلال مظاهرات جرت في عدن يوم 31 أبريل/نيسان 3102، وجد مراسلو قناتي الجزيرة وسكاي نيوز عربية أنفسهم مطوَّقين من طرف عشرات الأشخاص عاملوهم بخشونة. وقد كانت الشتائم الموجّهة إلى هؤلاء الصحافيين على علاقة مباشرة بوظيفتهم الإعلامية وبالقناتين اللتين ينتمون إليهما، مما لا يدع مجالا للشك حول الطابع المستهدف من وراء هذه الاعتداءات. أخيراً، يقع الصحافيون عُرضة للاحتجاز كرهائن من طرف جماعات قَبَليّة تريد من السلطات أن تستمع إلى مطالبها. كما أنهم يكونون محل مطالبات بفدية، مثلما حصل مؤخرا عند اختطاف خمسة صحافيين، يوم 01 مايو/أيار 3102 ، ظلوا محتجزين عشرة أيام قبل أن يطلَق سراحهم. قوات الأمن، مصدر للانتهاكات أيضًا يتعرّض الصحافيون أيضًا للتهديد والترويع من قِبَل السلطات والشخصيات الكبرى. كما يقف الجنود وغيرهم من أعوان الأمن المدنيِّين وراء الانتهاكات الموجهة ضد الإعلاميين، الأمر الذي يؤدي إلى تقييد كبير لحرية الإعلام. فقد تعرّض ثلاثة صحافيين تلفزيونيين إلى الشتم والضرب من طرف جنود، بداية شهر مايو/أيار 3102، بينما كانوا يغطون مظاهرات طلابية جنوب صنعاء. ثم أطلقت عناصر في الجيش الوطني عيارات نارية لتخويفهم. وهذه ليست إلا واحدة من حالات كثيرة، كما يلجأ الجنود بانتظام إلى مصادرة عتاد الصحافيين، بغرض حرمانهم من إنجاز تقاريرهم. وهذا ينطبق أيضًا على أعضاء الحكومة والبرلمانيين، الذين لا يتورعون بدورهم عن اللجوء إلى أساليب الترويع، فالصحافيون الذين يتجرؤون على فضح حالات ثابتة من الفساد داخل مؤسسات الدولة أو المنظمات الأخرى، عليهم بعد ذلك أن يواجهوا سيلاً من التهديدات، يقابلون بها عادة عند توقيفهم. أكثر من ذلك، فقد قررت السلطات الإبقاء على الصحافي عبد الإله حيدر شائع، محتجزًا في سجن صنعاء، منذ 01 أغسطس/آب 3101، ثم أصدرت محكمة مكلفة بقضايا الإرهاب حكما ضده بالسجن ومنعه من السفر سنتين بتهمة “مشاركته مع جماعة مسلحة وارتباطه بالقاعدة”، ورغم صدور مرسوم رئاسي، في فبراير/شباط 3100 يقضي بالإفراج عنه، إلا أن ضغوطًا صدرت عن البيت الأبيض غداة نشر المرسوم اضطرت السلطات إلى إلغاء قرار تسريحه. إن الإبقاء عليه في السجن يخالف التزامات اليمن الدولية. إطار قانوني غامض وغير مكيف إن منظمة “مراسلون بلا حدود” منشغلة كذلك بوجود محكمة خاصة بالنظر في جنح الصحافة، وذلك منذ شهر مايو/أيار 3112، وهذه الهيئة لا تزال قائمة بعد عام ونصف من رحيل علي عبد الله صالح. ولا غاية لهيئة مثل هذه إلا: تقييد الصحافيين وتكميمهم. في السادس من شهر يونيو/حزيران الماضي، أدانت هذه المحكمة صحيفة الأولى بتهمة القذف، إثر نشرها تقريرا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان الحكم لصالح القاضي محمد الحكيمي، رئيس اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء. من الضرورة بمكان، إدخال إصلاح عميق على قانون الصحافة والمطبوعات. فبإمكان القاضي تطبيق قانون العقوبات في حال الجنح الصحفية. كما أن هناك حاجة إلى وضع إطار تشريعي متكافئ بخصوص وسائل الإعلام السمعي البصري، بحيث لن يبقى هناك تمييز بين القطاع العام والخاص، إضافة إلى الحاجة إلى أن يكون محترمًا بالالتزامات الدولية الموقعة والمصدَّق عليها من قبل الدولة اليمنية. توصيات “مراسلون بلا حدود” إن “مراسلون بلا حدود” واعية بالتحديات الكبرى التي تواجه الحكومة، منذ رحيل علي عبد الله صالح من الحكم قبل عام ونصف. لكن رغم ذلك يلاحظ أن وضع الصحافة يزداد تدهورا. إن السلطات مطالَبةٌ باتخاذ جملة من الخطوات: إطلاق سراح عبد الإله شائع، تطبيقا للمرسوم الرئاسي الصادر في فبراير .2013 اتخاذ تدابير تهدف لتوفير حماية أفضل للصحافيين من الانتهاكات التي يقعون ضحيتها. تدريب قوات الأمن على احترام عمل الإعلاميِّين. مكافحة الإفلات من العقاب الذي يستفيد منه تلقائيا مرتكبو الانتهاكات ضد الإعلاميِّين، ويتعلق الأمر بقوات الأمن التي تنفذ اعتداءات، والسياسيين الذين يطلقون تهديداتهم ضد الصحافيين، والجماعات المتمردة والقَبَلية، الخ.