أبوظبي - وام
استضاف مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام أمس الكاتب الصحفي خالد عمر بن ققة في محاضرة بعنوان " الإعلام العربي .. بين تراجع المقدس..واستفحال المدنس ".. وذلك في مقر المركز في البطين في أبوظبي.
وتناول ابن ققه خلال المحاضرة التي حضرها منصور سعيد المنصوري مدير إدارة الثقافة والإعلام في المركز وعدد من الإعلاميين والمهتمين..الإعلام العربي في زمن التغيرات الكبرى وتداخل الرؤى والأهداف وما يتبع ذلك من تغير في الثوابت تجلى بشكل واضح في تراجع المقدس واستفحال المدنس وطرح المحاضر جملة من الإشكاليات مقدما وجهة نظره حولها .
وأشار إلى علاقة الإعلام بالسياسة مشيرا إلى أنها لم تعد تشكل في الوقت الراهن خلافا جوهريا بل على العكس فإن هناك درجة عالية من التقارب بل والتعاون في معظم الأحيان منوها بوجود تنافس بينهما حول ثقة الجماهير وما يتبعها من تأييد للمواقف والنجومية من حيث لم تعد حكرا على السياسيين بل أصبحت حقا مشروعا للصحافيين .
وقال المحاضر إنه نتيجة للميراث المتراكم وللحاضر المتأزم أحيانا بين الإعلاميين والسياسيين من جهة وبين الإعلاميين ومختلف القوى الاجتماعية خاصة الدينية منها تراجع المقدس واستفحل المدنس وأصبح ملحا فتح نقاش علمي وجاد حول أسباب التراجع والاستفحال من كل الأطراف المهتمة بفرض التمكين للثوابت في ظل المتغيرات السريعة مع عدم رفض الإيجابي منها وتحويله إلى ثوابت أيضا .
عقب ذلك انتقل المحاضر إلى الحديث عن ثلاثة محاور لكشف العلاقة الظاهرة أو الخفية بين الإعلام كفعل إجتماعي يتحقق بشكل متواصل على صعيد الممارسة وبين المقدس والمدنس من حيث كونهما توصيفا ق يميا متفقا على عمومياته ومختلفا حول تفاصيله .
وقال إن المحور الأول الإعلام من حيث هو محرك لمسار الأمة والتاريخ ـ يعد قضية خاضعة للمساءلة والنقاش مثل كثير من القضايا الأخرى مشيرا إلى أن الإعلام العربي في مجالاته المختلفة يعد منطقة جذب لقوتين تتصارعان قوة رجال الدين وقوة رجال السياسة رغم التراجع الظاهر لسلطتيها والمتابعة اليومية لكل ما يقدم في مختلف وسائل الإعلام تكشف أن السطلتين تظهران بشكل مباشر أحيانا أو تتسربان عبر الأوامر الخفية أو الأحكام القيمية أحيانا أخرى وعبرهما يتم الحكم على الإعلام من خلال طرحه للمقدس وللمدنس وبذلك تجد الجماهير العربية مأخوذة طوعا أو كرها لتفسير أصحاب السلطتين .
وتحدث ابن ققه عن الرجل العام .. والرجل الخاص موضحا أن الإعلام بشكل عام والعربي بشكل خاص لا يواجه ضغوطات السلطتين السياسية والدينية فحسب ولكن وبشكل متواصل ضغوطات وأحيانا إستفزازات أصحاب رؤوس الأموال وقادة الأحزاب والمشاهير في الفن والرياضة وغيرهما والنخب المثقفة وحركات الجمهور العادي خاصة عند توتر شبكة العلاقات الاجتماعية أو قيام إنتفاضات أو ثورات .
وأضاف أنه أمام مثل هذا الوضع يحاول الإعلامي التأقلم من خلال نماذج متعددة مشيرا إلى أن الدكتور بسيوني إبراهيم حمادة حددها بـ/ 12 / نموذجا وهي .. المتملق ومهمته الإعلامية الأساسية التبرير وإخفاء السلبيات والمبالغة في عرض الإيجابيات وشن حملات العداء على الخصوم والوقيعة والنموذج الأبوي حيث يرى الإعلامي أن مهمته تتمثل في النقل المحايد الأمين كما يراه السياسي سواء أكان مقتنعا في داخله أم لا حتى يجنب نفسه الصراع الداخلي وبمرور الوقت تتولد لديه القناعة بصدق وأمانة ما يقوله السياسي .
أما الثالث فهو رجل البريد المنضبط : والإعلامي هنا ما هو إلا قناة لنقل المعلومات والأفكار والآراء والرابع البيروقراطي ـ الموظف: حيث يكون للإعلامي مهمة وهدفا محدد له مرسوما سلفا والخامس هو الأناني بحث يكون كل هم الإعلامي مركزا على مصلحته .
والنموذج السادس هو المتمرد فاقد الهدف والبرنامج: ويتميز بالسخط والتمرد وقد يقدم نقدا لموضوع ما لكنه لا يقدم البديل لغياب الهدف والبرنامج الموجه. أما النموذج السابع فهو المتهور حيث يعيش الإعلامي حالة من الانبهار بالغرب ويشعر بالاستعلاء على المجتمع لا تشغله السياسة بقدر ما يستهويه الفن وتكوين العلاقات وتدمير ـ بوعي أو بدونه ـ أصول المجتمع .
أما النموذج الثامن فهو المثقف وهنا يكون الإعلامي واسع المعرفة مهتما بقضايا مجتمعه معب را عنها خير تعبير يرى النقد الهادئ والإصلاح التدريجي قد يأتي بنتيجة أفضل والتاسع هو المعارض صاحب البرنامج: وهنا يكون الإعلامي منتميا لحزب معارض له برنامج محدد والعاشر هو الناقد الموضوعي بحيث يكون الإعلامي هنا مثقفا عضويا ملتحما بالجماهير ملتزما بقضاياهم منحازا إليهم معبرا عن طموحاتهم وهو رمز التغيير إلى الأفضل في المجتمع .
والنموذج الحادي عشر فهو صاحب الرسالة وهو الإعلامي الذي اختار مهنته طواعية وفرض المسؤولية على نفسه باختياره الحر ووهب نفسه من أجل إرساء قواعد الحق والعدل والسلام في المجتمع ويضحي من أجل الآخرين وقد يكون له دور في الصلح بين فئات المجتمع أو في التقريب بين السلطة والجماهير أو حتى بين الدول وبعضها ولا يسكت على خطأ أيا كان مصدره ويعبر عن روح الأمة ويجسد آمالها وآلامها .
والنموذج الثاني عشر والأخير فهو الإسلامي المستنير : وهنا يكون الإعلامي غير منتم إلى حزب أو تنظيم بقدر ما ينتمي إلى فكر ومهمته الأساسية إبراز الوجه الحضاري للإسلام في مواجهة خصومه يلقى ترحيبا كامنا أو مستترا من الرأي العام في مقابل الإضطهاد من باقي الإعلاميين خاصة العلمانيين منهم وقطاعات أخرى من السياسيين .
وأوضح المحاضر خالد بن ققه أن النماذج السابقة ليست الوحيدة فبالتأكيد هناك تصنيفات آخرت تقترب منها أو تبتعد حسب نظرة الباحثين لكنها عمليا الأقرب من ناحية تصنيف الإعلاميين من منظور أعمالهم قبل وبعد حدوث التطور والتبدل والتغير في جميع مجالات الحياة .
عقب ذلك تطرق إلى المحور الثاني وهو ضيق الأوطان مشيرا إلى أن هذا المحور يركز على أمرين الأول: تراجع المقدس واستفحال المدنس من خلال الأفعال الفردية والاجتماعية وتأثيرها على الإعلام أو تأثرها به والأمر الثاني: صيغ الجمال والقبح داخل المجتمعات العربية نتيجة التراجع والاستفحال موضحا أن النقد الموجه للإعلام وللشخصيات الدينية والسياسية يظهر مشاركة الإعلام في إذكاء نار القتنة بين الدول والمجتمعات الأخرى من خلال دعم المدنس على حساب المقدس.
وقال ابن ققه إن التحليل السابق يقودنا إلى المحور الثالث وهو تغير التوجه العام للإعلام من خلال تأثير الأشرار والأخيار على منظومة القيم بدءا من طرحنا لمسألة الحرية في اللباس والأكل وانتهاء بالانتماء للعقائد والأوطان وفي هذا التغير نجد إصطفافا منظما من طرف قوى فاعلة منها ما هو إجرامي مثل التنظيمات الإرهابية ومنها ما هو صاحب رؤية مختلفة أو متناقضة مع قناعات المجتمعات العربية وأكثر خطورة تلك التي تسهم في فشل الدولة أو تقسيمها وعلى ذلك يقتات كثير من وسائل الإعلام مع أن المعطيات الراهنة تشير إلى أن المستقبل العربي سواء بالنسبة للدولة القطرية أو لمجموع الدول العربية سودوي بكل المقاييس .. وضرب أمثلة بما يجري في اليمن ودول أخرى .
وذكر المحاضر في ختام محاضرته أن المشاهد للقنوات الفضائية في كثير من الدول العربية يدرك المأزق الحقيقي الذي نعيشه حيث الذهاب بعيدا في تدمير فضاءات الأوطان وما يتبعها من سيطرة المدنس الذي لا ينفع معه التطهير لأنه بدأ بحرق الأوطان وواصل طريقه عبر إزهاق الأرواح ويعمل في الزمن الباقي على التدمير العام لرسالة التوحيد قد يكون مصيره الفشل لكن حتى ننتصر علينا أن ننتظر ونعمر زمنا طويلا وبالمقابل يتراجع أعداؤنا ..
لن يحدث هذا إلا بأمر علوي يعيد التوزان وذلك مشروط بحدوث تغير في أنفسنا وبدايته من إدركنا أن الإعلام جزء من رسالة النبوة .
وفي ختام المحاضرة التي أدارتها المترجمة بالمركز ريما مروة جرى حوار بين المحاضر حول الإعلام اليوم ومدى ضرورة فتح نقاش علمي وجاد حول الخطاب الإعلامي .
عقب ذلك قدم منصور سعيد المنصوري درعا تذكاريا للمحاضر تقديرا وتكريما له .