باريس ـ أ ف ب
في هذا اليوم الخريفي يبرز جليا التناقض بين السماء الملبدة بالغيوم والضباب ولمعان هذه الزهرة الشرقية الارجوانية اللون في مزرعة جاكلين ميل في انوتيير-ان-ويب احدى مزارع الزعفران القليلة جدا الى الشمال من باريس. وقد تأخرت الازهار في التفتح هذه السنة بسبب الطقس الممطر الا ان الزعفران تكيف جدا مع المناخ الشمالي. فعلى امتداد 400 متر مربع زرعت جاكلين ميل 11 الف بصلة ستنتج منها بين 50 و 100 غرام من الزعفران. وهي بمثابة الذهب على ما تقول خبيرة الزهور وهي تنتزع بعناية زهرة بعد اخرى باليد من ساقها. فكل غرام من هذه التوابل الثمينة يحتاج الى 150 الى 200 زهرة ويباع بين 32 و35 يورو على ما توضح. وتقول جاكلين ميل "هذا النشاط بمثابة نفحة هواء بالنسبة لي سمح لي بلقاء الناس لافسر لهم ما يمكن ان نفعل مع هذه الزهرة الصغيرة...السحرية". اما السعر المرتفع لذه التوابل فتبرره عملية القطف التي تحتاج الى دقة متناهية. وتؤكد ميل "يجب الا يكون المرء عصبيا" والزهرة تستمر 24 الى 36 ساعة فقط ويجب ان تقطف يوم تفتحها. لذا فان مفاجأة تنتظر المزارعة صباح كل يوم بين ايلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر حول عدد الازهار التي تفتحت ليلا. ينتقل الناس جماعات لاكتشاف هذا الامر الملفت. جاكلين ميل بدأت هذه الزراعة صدفة العام 2009 بعدما شاهدت فيلما وثائقيا عبر التلفزيون. فهي تعشق الازهار وكانت تبحث عن زراعة جديدة بعد الازهار المجففة التي كرست لها عقدين من الزمن. فهي كانت تعتبر الاعشاب الطبية معقدة جدا فيما الازهار القابلة للاكل موسمية فقط. فاختارت الزعفران الذي اشترته من مزرعة تتخصص فيه في وسط فرنسا. وهي بصلات فرنسية تزرعها من دون استخدام اي مواد كيميائية. وتقول انها "اول مزارعة للزعفران شمال باريس" الا ان هذه التجربة انتشرت في منطقة بيكاردي ايضا. وتقول جاكلين ميل "اكتفي بكمية صغيرة حتى لا افقد السيطرة فانا اقوم بكل شيء بمفردي". ومن اجل زيادة عائداتها تكرس جزءا من وقتها لزيارات تربوية وفي صنع المربيات والحلويات والمشروبات الاخرى وكلها على اساس هذه التوابل. وتوضح جاكلين ميل "لمعرفة الاصلي من المزيف بين الزعفران ينبغي شراء الوزيم كاملا وليس على شكل مسحوق". وهذا الوزيم الذي يكون احمر قانيا عند قطفه يتحول الى لون الزنجفر عندما يجف ويفقد 80% من وزنه. وبالنسبة للطباخ الذي تجذبه هذه التوابل المختلفة ينبغي نقع الوزيم في سائل قبل ان يخلط مع الاطباق. وهذه التوابل مستخدمة كثيرا في المطبخ العربي والهندي لكنها استخدمت ايضا لفترة طويلة لمزاياها الطبية او لصباغ الاقمشة. وتقوم جاكلين ميل بفصل كل سمة (الجزء الاعلى من مدقة الزهرة) بواسطة مقص في ما يعرف ب"التقليم" وترصفها بعناية على ورق ممتص لتتمكن من عدها. وتقول "العملية تقوم على الصبر. كنت اظن اني اسيطر على الزهرة لكن تبين لي ان الزهرة تسيطر علي". والزعفران من التوابل الاغلى في العالم بسبب صعوبة استخراجها الذي يتم يدويا. حصاد اليوم كان ضئيلا بعض الشيء: حوالى خمسين وربما تصبح ربع غرام عندما تجف. الا ان المزارعة تتمتع بالصبر. وبالانتظار انتقلت الى مطبخها لاستكمال مخزون المربيات. اما منتجها الاكثر رواجا فهو مربى الكوسى والحمضيات بالزعفران.