لندن – صوت الإمارات
كندا. هذه البلاد التي يرتبط اسمها في ذاكرتي بصور تتدفق منها شلالات نياغارا، وبهجرة أقارب لي مع عائلاتهم إليها بحثًا عن فرص العمل الجيّدة في ذاك الجزء البارد من الكرة الأرضيّة الذي إذا ذابت جباله الجليدية فقدَ العالم القديم والجديد توازنه الحراري الطبيعي. ويبدو أن الهجرة إلى هذه البلاد جارة القطب المتجمّد الشمالي لا تقتصر على أقاربي، بل أن أقارب معظم شعوب الأرض يجتمعون تحت فضائها الذي يذوب برده في دفء ثقافاتهم وعاداتهم ومعتقداتهم، مما يجعلها كما يقول بيت أبي الطيب المتنبي "تجمّع فيه من كل لسن وأمة فما يفهم الحدّاث إلا التراجم".
وكندا المؤلفة من ثلاث عشرة مقاطعة لكل واحدة منها لسان، فيها الكثير مما يغري هواة السفر للتحليق في المسافات الجوّية الطويلة والهبوط في عالم كوزموبوليتاني كَسَر جليد العصبيات الإثنية والدينية والسياسية.
ولعلّ مقاطعة أونتاريو الأغنى في كندا هي المكان الذي يحلم به كل سائح للانطلاق نحو اكتشاف الوجه الآخر للبلاد. فهذه الولاية القابعة بين كوزموبوليتانية تورونتو وديناميكيتها، والجمال الساكن لبحيرات متنزّه ألغونكين، وهدير مياه شلالات نياغارا تختصر كل السحر الكندي. واسم أونتاريو جاء من كلمة أميركية هندية وتعني النبع، وهو اسم يتطابق مع مقاطعة تنتشر على حدودها الجنوبية البحيرات التي ترتوي من شلالات نياغارا المهيبة.
تورونتو عاصمة أونتاريو
قد يظن البعض أن تورونتو عاصمة أونتاريو وكندا الإعلامية والاقتصادية والصناعية، مدينة منهمكة في دوامة الأعمال التي تسكن في أبراجها الشاهقة، ولكنها عكس ذلك، ففيها من سحر المدن ما يجعلها متاهة كوزموبوليتانية تنبض بالحياة الثقافية لتشكل إطارًا رائعًا للمدن العصرية. كل شوارع تورونتو موجّهة تبعًا لمحور شمال - جنوب، أو غرب- شرق. ويعتبر شارع يونغ على ذمة سكّان تورونتو الشارع الأطول في العالم. أما وسط المدينة فينتهي في شارع فرونت جنوبًا، وشارع بلور شمالاً وجادة سبادينا غربًا، وشارع جارفيس شرقًا، وتقع فيه الفنادق الفخمة.
تضم المدينة متحف رويال أونتاريو الذي تعرض فيه مجموعات الحرف الصينية، أما آرت غاليري أو أونتاريو فهو واحد من ثلاثة أكبر متاحف في كندا، نال شهرته بفضل مجموعة اللوحات والمنحوتات الرائعة التي تعود للفنان هنري مور. ويتجاور في تورونتو موزاييك من الأحياء الإثنية في شكل منسجم مما يحوّل التجوال فيها إلى مغامرة سندبادية عصرية. ففي تشاينا تاون يحتشد كل السحر الصيني بألوان حريرية تشغل الحواس كلها دون استثناء، فيظن زائر الحي أن الصين بمساحتها الشاسعة انتقلت إلى قلب العالم الأميركي الشمالي. وفي دانفور الحي اليوناني كل ألفة سكّان الأبيض المتوسط تفوح في المقاهي والمطاعم، وفي ليتل إنديا الحرير الهندي وألوانه تتلاعب به ريح الشمال الباردة، أما في كورسا إيطاليا فتحتشد الأناقة الإيطالية والمقاهي التي تمتزج فيها روائح الكابويتشينو والبيتزا والباستا.
شلالات نياغارا
من منّا لم يسمع بشلالات نياغارا أو رآها في البطاقات البريدية أو شاهدها على الشاشة، فهي الشلالات الأعلى في العالم تسقط في فراغ ارتفاعه 56 مترًا لينهمر رذاذ مائها على مركب Maid of the Mist الذي يحمل الزوار الذين يصل عددهم في السنة إلى 12 مليونًا يمرّون بالقرب من أقدامها المائية ليستمتعوا بمشهد عز نظيره في العالم وليعيشوا مغامرة فريدة وسط حدود متلاعبة بين المياه وهديرها المهيب. ومدينة شلالات نياغارا تجمع كل المتناقضات فيقال عنها لاس فيغاس أونتاريو إذ يوجد فيها متحف ألفيس برسلي ومركز أبحاث يتحرى مقتل جون كنيدي. يستغرق الوصول إليها من تورونتو ساعتين بالسيارة. وتتألف مدينة شلالات نياغارا من قسمين رئيسيين: وسط المدينة التجاري، والمنطقة السياحية التي تزدهر في شكل سريع قرب الشلالات كما الفطر الطبيعي الذي ينمو قرب الماء. وتضم هذه المنطقة المقاهي والنزل والبوتيكات التي تعرض التذكارات.
نياغارا أون ذا لايك Niagara on the Lake
تبعد نياغارا أون ذا لايك عشرين كيلومترًا عن الشلالات، وهي بلدة وديعة جميلة تستحق أن يمر بها زائر الشلالات.
تشتهر بالبوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء العالمية، والمقاهي الراقية ومهرجان المسرح، وكروم العنب والمتنزهات التاريخية، لتشكل للزائر محطّة استرخاء بعد رحلة مائية قرب الشلالات. يجذب شارع كوين شريان القرية الحيوي الرئيسي الزوّار ببيوته المشيّدة من الخشب التي تندس بينها بوتيكات تعرض تحف الأنتيك وتذكارات اسكوتلندية، ومقاه تفوح بدفء استقبال الروّاد .
يقام كل سنة بين شهري نيسان / أبريل وتشرين الأوّل / أكتوبر مهرجان الروائي الساخر جورج برنارد شو، فيجتمع فيها الفنانون الذي يقدّمون مسرحيات لبرنارد شو وكتّاب معاصرين له. واللافت أن البطاقات تكون خلال المهرجان أقل ثمنًا.
متنزه ألغونكين Algonquin
يعتبر متنزّه ألغونكين أكبر متنزّهات أونتاريو وأكثرها شهرة في كندا. ويبعد 300 كيلومتر عن تورونتو شمالاً. يضم مئات البحيرات الطبيعية، إذ تمتد على مساحة 7800 كيلومتر مربّع طبيعة عذراء و1600 كيلومتر مربّع أروقة مائية يكتشفها زوّار المكان عبر الخفّاف (وهو زورق ضيّق ومستطيل خفيف الوزن والحركة يعمل بمجذاف واحد يدوي ويستعمل عادة في سباقات الأنهر)، وما على الزوّار سوى الكشف عن سواعدهم كي يحملوا الزوارق حين يصلون إلى منطقة حمل الزورق بين البحيرات، والشروع في مغامرة مائية متحدّين تلاعب بريق المياه الكريستالية.
وتستمر رحلة الماء من ثلاثة أيام إلى أربعة في الهواء الطلق فيما الزوّار يجذّفون ويشربون من مياه البحيرات العذبة، ويخيّمون على ضفاف البحيرات ويتسامرون ليلاً حول النار، ويكتشفون نهارًا النبات الفريد من نوعه.
وللاستعلام عن مواعيد الرحلات يمكن التوجّه إلى مكتب سانداي غريك الذي يقع على مسافة 43 كيلومترًا من بوابة المتنزّه الرئيسية في شارع 60، أما استئجار الزوارق فيكون في منطقتين داخل المتنزّه: كانو لايك وأوبيونغو لايك. وينصح خلال عطلات الأسبوع حين يكون الطقس صافيًا حجز الزوارق مسبقًا لأن الطلب يرتفع خلال هذه الفترة، كما أن أصحاب الزوارق يؤجرون كل المعدّات التي يحتاجها الزوّار للتخييم.
هكذا هي أونتاريو مقاطعة تفاجئك بجمالها وتأخذك إلى متاهة كندية تتسرّب فيها ريح الشمال الباردة تهمس في أذنيك أسرار الماء المنهمر في فراغ المسافات، فيتحوّل التيه بين أروقتها فعلاً إراديًا تقوم به في كل مرّة تريد اكتشاف ألغاز العالم الكندي.