القاهرة - صوت الامارات
قد يبدو اسم "حديقة الوحوش" لحظة سماعه للوهلة الأولى موحيًا بمُغامرة هائلة تجمع بين الرعب والإثارة في وسط غابةٍ مُتشابكة المكان والزّمان، لكن من يزور هذه الحديقة على هضبة “بومارزو” في مقاطعة “فيتربو” الإيطاليّة، سيجد نفسه أمام مكانٍ هو أشبه بمتحفٍ طبيعي هائل في الهواء الطلق لمجموعة من المنحوتات التي حاول الفنان “أورسيني” إبرازها في صورةٍ مخيفةٍ دون أن تحرمها نعمة الجمال، حين عمد إلى تصميمها عام 1552م وهو يقول بثقة، "نحن الفنانين نحب نحت التماثيل الضخمة متعددة من الحيوانات والناس، وحتى البهائم".
تحتضن "حديقة الوحوش" أو "باركو دي مونستر"، كما يسميها عامة الناس في إيطاليا، أكثر من عشرين عملًا فنيًا رئيسيًا، منها منحوتات تصوّر قتال شخصيّة التنين مع الأسود والذئاب، ومنها ما يصوّر عددًا من شخصيّات الأساطير الرومانيّة واليونانيّة القديمة، والتي تعتبر جزءًا ثمينًا من قيمة الثقافة الإيطاليّة، وتمثالٌ كبيرٌ على هيئة فيل الحرب التاريخي الشهير، ودب هائل، وحوت ضخم، وثمرة عملاقة، وامرأة مُجنّحة على ظهر سُلحفاة، وتماثيل أخرى وحشيّة تتناثر هنا وهناك في فوضى هندسيّة خلاقة، إلى جانب تماثيل ومبانٍ أخرى صغيرة موزعة على الغطاء النباتي الطبيعي بين الأشجار والشجيرات.
ويُقال أنّ الفنان الذي اهتم بتصميم هذه الحديقة في القرن السادس عشر، لم يكن يهتم برأي المشاهدين أو يسعى لإرضائهم بقدر ما كان ساعيًا لإثارة الدهشة في نفوسهم باستخدام أشكالٍ كاريكاتيريّة غريبة تبالغ في خروجها عن المألوف والمعروف لدى عامّة الناس، كما يظن مؤرّخون آخرون أنّه انكبّ على هذا العمل الكبير في محاولةٍ للسلوى عن أحزانه الكبيرة على زوجته المحبوبة "جوليا فارنيزي"، التي أدركتها الوفاة باكرًا، وتخليد ذكراها بهذا العمل العظيم.
تعرّضت هذه الحديقة إلى فترة إهمالٍ بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لكنّ عائلة "بيتيني" الإيطاليّة تبنت برنامجا لترميمها والعناية بها عام 1970م، لتغدو نقطة جذب سياحيّة رئيسيّة، ومعلمًا جغرافيًا هامّا.
دخول الحديقة ليس مجانيًا، وقد لا يجد المولعين بالطعام والشراب بغيتهم من مقاهي الساندويتشات والمقرمشات هناك، كما أنّ تعليمات النظافة والحفاظ على بيئة الحديقة قد لا تروق لأولئك الذين اعتادوا التخلّص من أوساخهم هنا وهناك وترك أطفالهم يقضون حاجاتهم البيولوجيّة تحت أيّ شجرة أو على أيّ مُسطّحٍ ترابي، لكنّها بيئة مثاليّة لأولئك الذين يبحثون عن بيئة تجمع بين فكرتي الاستجمام وتثقيف الرّوح دون جهدٍ كبيرٍ في الوقت ذاته، وهي هادئةٌ ظليلة، واسعة المساحة، مع عددٍ لا بأس به من المسارات المُريحة، ومواقع مثيرة لاهتمام السيّاح، وأجواء تسمح للزوّار بتثقيف أبصارهم في الهواء الطلق العليل.